मा बाद हदाथा: मुकद्दिमा क़सीरा जिदा
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
على العكس من ذلك، غالبا ما يرغب المفكرون والنقاد بعد الحداثيين في ضم الفنانين الطليعيين باعتبارهم نماذج على أهمية أفكارهم وتأثيرها. ومن غير المستغرب أن يرى ليوتار أن وظيفة الفنانين المعاصرين هي طرح تساؤلات حول دور رواية الحداثة الكبرى، التي استخدمت لشرعنة أشكال معينة من الأعمال الفنية، وطلب من الفنانين أن:
يطرحوا التساؤلات حول قواعد الرسم أو السرد التي تعلموها ممن سبقوهم. وسرعان ما ستبدو لهم تلك القواعد وسيلة للخداع والإغواء والطمأنة، وهكذا، من المستحيل أن يروها «حقيقية».
جان فرنسوا ليوتار، «شرح مبسط لما بعد الحداثة: مراسلات 1982-1985»، (1992)
شكل 4-1: «منزل الأحمق» (1962)، للفنان جاسبر جونز. (اللغة، والنظرية، والموضوع، والفن. هل هذه فرشاة رسم؟)
بالتأكيد، من الطبيعي أن يرى الكثير من معلقي ما بعد الحداثة (مثل أندرياس هويسن) أن الوظيفة «الحقيقية» للحركة الفنية الطليعية هي النقد بالمعنى ما بعد الحداثي؛ إذ ينبغي عليها أن تهاجم المؤسسات الفنية البرجوازية؛ ومن ثم تولي وجهها نحو المستقبل (ربما مستقبل أفضل). بالطبع، لا ينطبق هذا المفهوم بأي حال على جميع الحركات الطليعية في عصرنا أو قبله؛ إذ يطرح منهجا سياسيا لا يتضمن - على سبيل المثال - مفهوم المعماري تشارلز جنكس وزملائه عما بعد الحداثة (فهم يطرحون رؤية شديدة الغرابة لها مقارنة بما يطرحه هذا الكتاب)، وهو الذي يتضح في تأييدهم لارتداد محافظ لما يعترفون بكونه محاكاة ساخرة للواقعية الكلاسيكية الجديدة في مجالي الرسم والعمارة.
شكل 4-2: مكنسة هوفر الرباعية الانثناء الجديدة (1981-1986) للفنان جيف كونز. (أصبح الفن الراقي الذي يميز واجهات العرض المتحفي ينطبق على الأغراض الاستهلاكية العادية.)
وهكذا يتردد صدى المبادئ التي ناقشناها آنفا في فن ما بعد الحداثة بطرق متنوعة للغاية وغير مباشرة عادة، فهو يقاوم رواية الحداثة الكبرى، وسلطة الفن الرفيع التي تستقيها الحداثة نفسها من الماضي، وينشغل بلغته الخاصة. لا يهتم فن ما بعد الحداثة في أغلب الأحيان بالعلاقة بين الأنواع الفنية المصنفة سابقا كأنواع «رفيعة المستوى» أو «منخفضة المستوى» - كما يتضح، على سبيل المثال، في سيمفونيتي «انخفاض» (1992) و«أبطال» (1997) للملحن فيليب جلاس، المستوحاتين من ألبومات ديفيد بوي وبراين إينو الغنائية - وقد يبدو في كثير من الأحيان تافها أو شعبيا أو مبتذلا إلى حد كبير؛ فالتحالف مع الثقافة الشعبية - حسب رؤية ما بعد الحداثة - يتسم بطابع معارض معاد للنخبة وللتدرج الهرمي، ويبث الفوضى في السرد - كما نرى على سبيل المثال في رسومات إريك فيشل وديفيد سال الرمزية - لأن من السهل للغاية على السرد المتماسك أن يتحد برواية كبرى. (لذلك، فإن رسامين مثل أنسليم كيفير - ممن يكرسون أنفسهم لإضفاء طابع فخم على الأعمال الفنية من خلال ربطها «ربطا عميقا» بالتاريخ والأسطورة - هم أبعد ما يكونون عن اتجاه ما بعد الحداثة السائد.) يهتم جزء كبير من فن ما بعد الحداثة بأشكال الهوية والسلوك التي همشت حتى الآن. وهو ما نجده في الأعمال الفنية النسوية الجادة للفنانة ماري كيلي - التي وثقت علاقتها بطفلها الوليد في عمل بعنوان «وثيقة ما بعد الوضع» (1973-1979)، (وتكشف كلمة «وثيقة» هنا عن طبيعة العمل الفني باعتباره نصا ذا مغزى سياسي لا صورة مصممة شكليا كي تبعث متعة بصرية) - وكذلك في عروض المغنية مادونا على المسرح وكتابها «الجنس» (1992)، الذي طرح علاقة مختلفة تماما بمفهوم اللذة، وكان صادما للكثير من أتباع الحركة النسوية لما وصفه من الخضوع «المسرحي» للمؤلفة للممارسات السادية المازوخية باعتبارها «ضحية» للرجال.
يظهر هذا الموقف النقدي غالبا - كما سنرى لاحقا - في شكل معارضات ومحاكيات ساخرة، ومفارقات. ومن هنا، ينبع - على سبيل المثال - عمل جيف كونز الفني الهابط «مكنسة هوفر الكهربائية الجديدة ذات الغطاء القابل للطي» (1980) الذي لا يزيد في الواقع عن آلة تنظيف متوافرة في الأسواق، موضوعة فوق مصابيح فلورية في صندوق من الزجاج الصناعي. يقدم العمل محاكاة ساخرة للأغراض المصنوعة آليا التي عرضها الفنان دوشامب؛ لأنه بالتأكيد يعرض غرضا استهلاكيا «مرغوبا فيه» (لا مجرد مبولة أو عجلة دراجة). لكن الجاذبية الاقتصادية لهذا الغرض تختلط على نحو واسع بجاذبيته الجمالية الزائفة التي تضعها في موضع السخرية، بما أنه قد أصبح الآن «عملا فنيا» يعرض في متحف لا منتج معبأ في صندوق كرتوني جاهز للبيع. أما عمل جيف كونز الفني «مكنسة هوفر الرباعية الانثناء الجديدة»، فيضاعف هذا التأثير أربع مرات.
إن هدف الكثير من الأعمال المنتمية للفنون الطليعية لا يختلف في كثير من الأحيان عن الهدف الحداثي التقليدي - ألا وهو كسر الشعور بالألفة - لكن تحت مظلة نظرية معرفية ما بعد حداثية أكثر تطرفا. فالهدف - في عصر ما بعد دريدا وفوكو وبارت، ممن اكتسحت صيغ مشوشة متنوعة من أفكارهم تصريحات الفنانين منذ سبعينيات القرن العشرين - هو منع المستهلك بصفته تابعا من الشعور ب «الاطمئنان» في العالم؛ إذ سيؤدي ذلك إلى تكيف نفعي محافظ معه ليس إلا.
إن تعطيل أي شكل من أشكال الانجذاب نحو قبول عالم مألوف - بدلا من مواجهة السمات المزعجة للعالم وفقا لمنظور بارت - هو إحدى القضايا المحورية في أعمال والتر أبيش، لا سيما في روايته ما بعد الحداثية النموذجية «إلى أي مدى ينطبق على هذا وصف ألماني؟» (1980). في هذه الرواية، يقع كل من الراوي والنص الذي يصيغه ضحية لشكوك جوهرية - تتعلق بالحبكة، والعلاقات السببية، والموضوع الرئيسي، إلى آخره - وهي الشكوك التي ينقلها الكاتب بلا رحمة إلى القارئ عبر أسلوب تشككي متعجب. فلننظر - على سبيل المثال - إلى الفقرة التالية من قصته «الحديقة الإنجليزية» (التي تطورت منها رواية «إلى أي مدى ينطبق على هذا وصف ألماني؟»)؛ إذ تعج على نحو ماكر بالشراك المعرفية التي ناقشناها من قبل:
अज्ञात पृष्ठ