71

मा बाअद अय्याम

ما بعد الأيام

शैलियों

وفي شهور الصيف يفكر طه حسين في السؤال الذي ألقاه عليه الشباب، وقد بذل جهده وأتم تفكيره وبحثه وأعد الرد المطول عليهم، وهو لا ينسى مقابلته لمصطفى النحاس وما أبداه أثناء المقابلة من الاهتمام بكيفية تحقيق نهضة البلاد في كل الميادين بما فيها ميدان الثقافة والتعليم.

ولهذا يقرر طه حسين أن يقدم إلى رئيس الحكومة نتائج هذا التفكير والبحث، فيبدأ في أوائل شهر يوليو 1937 إملاء خطاب

6

طويل إليه يقول فيه:

سيدي صاحب المقام الرفيع

تعود الناس منذ عهد بعيد أن يكتبوا إليك وأن يكتبوا عنك، أكثرهم يحمد ويثني وأقلهم ينقد ويعيب، ولكني أريد أن أكتب إليك على نحو جديد لم يصطنعه الناس فيما كتبوا إليك أو كتبوا عنك إلى الآن ... أكتب إليك في المنفعة العامة التي تمس حياتنا في الغد والتي سيكون لها أكبر الأثر في تكوين الأجيال المقبلة.

أنت رئيس الحكومة القائمة، وأنت زعيم الكثرة التي ستكون إليها أمور مصر دهرا طويلا إن شاء الله، وأنت بعد هذا وذاك أقدر الناس على أن تسمع لي، وتقبل مني، وتفكر فيما أرفع إليك من رأي فتقبله عن رضا ومودة، أو ترده عن اقتناع ومودة أيضا ... وإني لأذكر أني تشرفت بزيارتك بعد رجوعك فائزا بإلغاء الامتيازات وإنزال مصر منزلتها الكريمة بين الأمم الحرة المستقلة في عصبة الأمم ... ولست أخفي عليك أني خرجت من عندك راضيا كل الرضا، قد امتلأت نفسي رجاء، وقد فتحت لي آمالا عراضا، وكنت أتحدث إلى نفسي واثقا بأننا سنبدأ في إقامة حياتنا الجديدة من العمل الصادق النافع على أساس متين.

والموضوع الذي أريد أن أرفعه إليك أدير فيه الحديث عن مستقبل الثقافة في مصر، التي ردت إليها الحرية بإحياء الدستور وأعيدت إليها الكرامة بتحقيق الاستقلال ...

ولكن الملك فاروق يصل إلى سن الرشد في 29 يوليو 1937، فيعين علي ماهر باشا رئيسا للديوان، دون أن يأخذ رأي رئيس وزرائه. وبعد شهور، في الثالث من ديسمبر من نفس العام، وقبل أن يقدم طه حسين تقريره ذاك المطول إلى رئيس الحكومة، يقرر الملك إقالة الوزارة، ويطلب إلى محمد باشا محمود تأليف وزارة جديدة، فيعدل طه حسين عن تقديم تقريره إلى رئيس الوزارة، ويقرر أن ينشره في كتاب يهديه إلى الشباب.

يصدر كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» في الصيف في جزأين، يرى طه حسين أن الكتاب في صورته هذه «سيذاع في الناس وسيقرءونه، سواء منهم من إليه أمر من أمور السلطان، ومن لا ناقة له في السلطان ولا جمل كما يقول الشاعر القديم، وسيقرؤه الجامعيون وغير الجامعيين، وسيجدون فيه صورة للواجب المصري في ذات الثقافة بعد الاستقلال كما يراه مصري، مهما يقل فيه ومهما يظن به فلن يتهم في حبه لمصر وإخلاصه للشباب المصريين.»

अज्ञात पृष्ठ