وفي لبنان أيضا وفي «علايا» يلتقي بأمير الشعراء أحمد شوقي بك وبالموسيقي الشاب الأستاذ محمد عبد الوهاب.
كان طه حسين يقيم في «ملحق أوتيل طانيوس» بعلايا، وكان أحمد شوقي ومحمد عبد الوهاب يقيمان على مقربة في «أوتيل شاهين»، وكان أحمد شوقي قد دعا عددا من صفوة أهل لبنان لحضور حفل يغني فيه محمد عبد الوهاب، ولكن جريدة المقطم تصل في صباح اليوم السابق ليوم الاحتفال وفيها نعي والد الموسيقي الشاب الذي يطلع على الصحيفة والنعي فيشتد به الحزن، ويحزن الشاعر شوقي لحزنه، يعزيه ويؤكد له أنه سيقوم منه مقام الوالد، وهو يلازمه طوال اليوم لا يتركه لأحزانه ويعرض عليه أن يزورا في المساء الدكتور طه حسين في فندقه ومعهما الأستاذ فكري أباظة المحامي والكاتب المعروف، وفي أثناء الزيارة يقول طه حسين لعبد الوهاب إنه يترقب سماعه غدا فيعلم أن الاحتفال قد ألغي ويعلم سبب الإلغاء، فيقدم عزاءه صادقا للفتى المحزون الذي كان يعجب بفنه وبأدائه كل الإعجاب.
ويسود الصمت فترة ثم يقطعه طه حسين بسؤاله لعبد الوهاب: «ولماذا لا تغني؟»
ويرد فكري أباظة يقول: «وكيف يغني وهو حزين؟!»
ويسود الصمت مرة ثانية ثم يقطعه طه حسين من جديد يسأل: «وهل الغناء لهو وفرح فقط؟ هل الموسيقى تسلية وتطريب؟
أليست الموسيقى الحقيقية تعبيرا عن مشاعر الإنسان فرحا وحزنا؟ أليس المهم في الموسيقى هو أن تعبر بصدق عن النفس، وأن تنقل هذا التعبير الصادق إلى السامعين؟»
ويلتفت طه حسين إلى شوقي بك يسأله: «ألست أنت القائل: وأنبغ ما في الحياة الألم؟»
وينشط المجلس الذي كان الحزن قد ألقى عليه الصمت، ليتحدث الحاضرون عن الموسيقى وحقيقتها وعن صدق الشعور وصدق الأداء.
ويخرج عبد الوهاب وقد قرر أن يغني، فيكون غناؤه في تلك الليلة في تلك القرية القائمة في منعطف من منعطفات الجبل في لبنان، من أجمل غنائه وأبقاه أثرا في النفوس.
أحس جمهوره صدق شعوره وهو يتغنى بما كتبه له شوقي من الشعر، فيه من الشجى والشجن ما يردد ما كان يملأ صدره هو من الأشجان، أحس الجمهور بصدق ذلك الشعور وبروعة الأداء فتأثر به أبلغ تأثير. ويقول الأستاذ عبد الوهاب إنه منذ تلك الليلة قد آمن بالصدق أساسا لفنه وأدرك أن الجمهور سيستجيب دائما لصدق الإحساس بالمشاركة والقبول، بالاستحسان والإعجاب. •••
अज्ञात पृष्ठ