7
وينهض النائب الوفدي عباس محمود العقاد للحديث، لا يمنعه انحيازه للوفد من الدفاع عن طه حسين، يقول: «إن اللجان التي تلا حضرة النائب بعض فقرات من قراراتها لا يمكن أن تبلغ شأن الأستاذ الذي وضع الكتاب من حيث المعرفة بالآداب العربية، ولا يمكن أن نجد بسهولة رجلا يقوم بتدريس الأدب العربي مثلما يقوم به صاحب الكتاب ولو على درجة قريبة منه.»
ويتم الاتفاق بين رئيس المجلس سعد باشا ورئيس الوزراء عدلي باشا على الاكتفاء بأن يقوم النائب صاحب الاقتراح بإبلاغ النيابة إن شاء.
إن طه حسين مدعو الآن إلى الصمت، إن هجوم المهاجمين لم يكن مقصورا عليه بل كان يمتد إلى الجامعة نفسها، وهي ناشئة لم تقف على قدميها بعد، سكوت طه حسين في ذلك الوقت كان يتطلب من القوة أكثر مما يتطلبه النضال بالقلم واللسان.
ويأتي صيف 1926، ويسافر طه حسين مع أسرته كعادته، وهو يقول لزوجته: «لو أردت أن أقارن نفسي بشيء ما لقارنتها بهذه الأرض الرطبة على شاطئ النيل في صعيد مصر؛ ما إن يمسها المرء حتى يتفجر منها الماء.»
8
ونفس طه حسين لم تمس في ذلك العام فحسب، بل أثخنت بالطعان؛ لقد تصاعدت الصرخات بأنه جاهل، زنديق، كافر، ملحد، مفسد للشباب، من الضالين، من المضللين، تهم يلقيها في ذلك الوقت من لم يدرس، بل لم يقرأ كتبه في أغلب الأحيان، وهي تهم سوف يعود ليلقيها بعد وفاته من يدفعه الجهل والتطاول إلى مهاجمة الرجل وهو في قبره، ممن يغريهم البحر الزاخر بإلقاء الحجارة فيه.
ولكن رجالا مثل عبد العزيز فهمي، مصطفى عبد الرازق، علي عبد الرازق، عبد الخالق ثروت، أحمد لطفي السيد، محمد حسين هيكل، عباس محمود العقاد، حافظ إبراهيم، دسوقي أباظة، إسماعيل صدقي، وآخرين مثل علي الشمسي باشا، الذي كان من أقرب المقربين إلى سعد زغلول، قد وقفوا إلى جانب أستاذ الأدب العربي الشاب، كما وقف إلى جانبه طلابه وقراؤه المعجبون به في كل مكان. •••
وفي قرية صغيرة من قرى إقليم سافوا العليا في فرنسا نزل طه حسين ثقيل القلب دفين الألم، يقيم «مغيظا محنقا على هؤلاء الناس الذين يتخذون الدين والسياسة وسيلة للكيد.» ... ويريدهم أن يعلموا «أن الدين أثبت وأمكن من أن يعرضه للخطر رجل كائنا من كان.»
لعله كان يسأل نفسه: لماذا العناء؟
अज्ञात पृष्ठ