ويتحدث الطلاب في حماس عن جامعتهم التي يعلقون بها آمالا كبيرة لتحقيق النهضة المأمولة، ويذكرون أن المرسوم بإنشائها ينتظر أن يصدر بعد أسابيع وعندئذ ستصبح شهاداتهم معترفا بها، وكل هذا خير، ولكنهم يرجون ألا يمس هذا التغيير شخصية الجامعة وألا ينال من حرية أساتذتها.
ويتحدثون عن هؤلاء الأساتذة؛ أن أكثرهم سيواصل دروسه ومحاضراته التي كان يلقيها في الجامعة الأهلية في الأعوام السابقة، لكن الأستاذ طه حسين سيترك تدريس التاريخ القديم، لقد أصبح منذ أول هذا العام أستاذا للأدب العربي.
أستاذ الأدب العربي
في خريف عام 1925 يعود طه حسين إلى الجامعة التي ارتبطت حياته بها طالبا ومبعوثا وأستاذا، يعود إليها وقد أصبحت جامعة رسمية ليدرس فيها مادة جديدة حبيبة إليه هي الأدب العربي.
عندما كان طالبا دون الخامسة والعشرين من العمر كان عليه أن يقدم للجامعة الأهلية رسالة للحصول على درجة الدكتوراه، أو الدكتورية - كما كان عبد الخالق ثروت باشا يسميها في تلك الأيام - وقد فكر عند ذاك في موضوعات مختلفة لرسالته؛ فكر في أدب الجاحظ وفي أدب الخوارج وفي أثر الفرس في الأدب العربي، ثم انتهى إلى الشاعر أبي العلاء المعري فعكف على دراسته وكتب عنه رسالته، وسافر طه حسين بعد ذلك إلى فرنسا فدرس علم التاريخ ودرس علم الاجتماع، وكتب رسالته عن ابن خلدون وفلسفته الاجتماعية، وعاد إلى مصر وإلى الجامعة أستاذا للتاريخ القديم، ولكن الأدب العربي كان دائما هواه، خصص لدراسته وللحديث عنه الفصول التي كان ينشرها في جريدة السياسة بعنوان «حديث الأربعاء» كل أسبوع.
ولكن أحاديث الأربعاء كانت أحاديث متفرقة، وقد اتجه بها إلى عامة القراء، أما الآن فإن عليه أن يدرس الأدب العربي دراسة منظمة متصلة مع طلابه الجامعيين، وهو يرجو في المستقبل أن يدرس الحضارة العربية والإسلامية من نواحيها السياسية والعقلية والأدبية دراسة متعمقة مع زملائه الأساتذة في الجامعة.
إن عليه الآن أن يدرس هذا الأدب العربي كيف بدأ، وأين بدأ، وكيف تطور وارتقى، وهو يريد أن يدرس هذه الحضارة كيف تجاوزت حدود الجزيرة العربية لتصبح حضارة كل البلاد التي فتحها الله على المسلمين، ثم لتصبح الحضارة العالمية المسيطرة فترة عظيمة من فترات التاريخ.
عندما يتحدث إليه زملاؤه الأساتذة في انتخابه وكيلا لكلية الآداب يعتذر إليهم بأنه مشغول بهذه الدراسات التي أخذ نفسه بالعكوف عليها.
وعندما يتحدث إليه أصدقاؤه في جريدة السياسة عن ترشيح نفسه في الانتخابات العامة التي ستجري قريبا لانتخاب نواب الشعب يعتذر إليهم بالعذر نفسه.
يبدأ دراسته للأدب العربي بدراسة الشعر؛ لأنه يفترض أن الشعر أسبق في حياة الأمم الأدبية من النثر الفني، وهو يرى أن أول واجباته هو أن يبدأ بتحقيق نصوصه وتمحيص مصادره، يريد أن يبني دراسته الجديدة للأدب العربي شعره ونثره على أرض صلبة، ليرتفع عليها البناء المنشود قويا متين الدعائم، وهو في هذه الدراسة يرى نفسه مضطرا لأن يذعن لمناهج البحث العلمي، ويرى أن ما يسوقه في هذه الدراسة من أدلة ينبغي أن يكون مما يقبله مؤرخو الأدب والحضارة أينما كانوا في أي بلد ومن أي مذهب أو دين؛ لأنه واثق من أن الأدب العربي هو أدب عالمي يجب أن يعنى بدراسته العلماء في كل مكان.
अज्ञात पृष्ठ