लुघज़ सिश्तार
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
शैलियों
ففي ميلانيزيا بشتى مناطقها، تجمع الأساطير على أن الأم القمرية الكبرى هي خالقة الكون وسيدته، وإلى جانبها يعبد الأهالي ابنيها القمر المتزايد والقمر المتناقص، وليس للشمس في دياناتهم إلا مكانة ثانوية. وفي غينيا الجديدة، يسود اعتقاد مشابه بسيدة القمر وابنيها. وعندما نزل الإسبان في إندونيسيا وجدوا القمر هو المعبود الرئيسي لكثير من قبائلها، وما زالت عبادته قائمة اليوم لدى بعض قبائلها البدائية. وفي بولونيزيا لا تكاد الشمس تلعب دورا مهما في الدين والأسطورة اللذين يتركزان حول القمر. ولدى قبائل الإسكيمو تقوم الشمس مقام الأخت بالنسبة للقمر الذي تدور حوله دياناتهم، ويعتقدون أن نور الشمس وحرارتها قد استمدت منذ القديم من القمر. ويؤمن الهنود الحمر في أمريكا الشمالية بالأم القمرية الكبرى ويدعونها بالمرأة القديمة، والمرأة المتغيرة، والمرأة الأبدية. وفي أمريكا الوسطى والجنوبية، التي يعتبرها البعض الموطن التقليدي للديانات الشمسية، لم تكن هذه الديانات، في حضارات الآزتك والإنكا، إلا من خلق الطبقة الحاكمة الأرستقراطية التي كانت تجبر الناس على بناء هياكل الشمس، أما الطبقات الشعبية فقد بقيت على معتقداتها القمرية السابقة. وفي أفريقيا بقي كثير من القبائل البدائية حتى وقت قريب أمينا للديانات القمرية وسيدتها الكبرى.
مع انهيار الثقافات الأمومية وصعود الثقافات الذكرية، غلبت الشمس القمر، وتوطدت الديانات الشمسية السماوية، وراح آلهة الشمس وآلهة السماء السامية يبنون أمجادهم بعد معارك حاسمة مع سيدة العتم وابنها الثور. فقتل مردوخ الأم تعامة في صورة تنين رهيب، ومثله إندارا في الهند الذي ارتفع على أشلاء تنينه أيضا، وزيوس في الغرب الذي قتل التنين طيفون ابن الأرض، وميترا الفارسي الذي شاعت عبادته في العالم اليوناني الروماني بعد الميلاد والذي قتل الثور السماوي، فأحل نور الشمس محل ضوء القمر. وإلى جانب آلهة الشمس وآلهة السماء السامية، قام الأبطال الشمسيون أنصاف الآلهة بأفعال مشابهة ترمز إلى قيام الطبقات العسكرية الحاكمة الأوليجاركية بإحلال عبادة الشمس محل عبادة القمر عند أعتاب الحضارة. إن أساطير هؤلاء الأبطال بشكلها المزخرف الأخير وبهائها الأدبي لا تخفي أصلها القديم وشكلها الأول الذي صاغه آباء الانقلابات الدينية قبل مطلع عصور الكتابة، وكل أفعالهم تتركز على قهر الرموز القمرية. فهذا جلجامش البابلي حبيب «شمش» إله الشمس، يسير برعاية إلهه وتوجيهه فيقتل مع صديقه أنكيدو تنين غابة عشتار. وتجعل الأسطورة الذكرية من عشتار امرأة لعوبا تقع في حب جلجامش الذي يعرض عنها ويقوم بتحقيرها وتعداد مثالبها، فترسل ضده ثور السماء الذي يقتله جلجامش دون عناء. إن هذه الأسطورة التي دونت مع أسطورة تعامة ومردوخ في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وهو عصر صعود الملك حمورابي وإرساء دعائم الإمبراطورية البابلية، ليست إلا تردادا لأسطورة شفهية قديمة تظهر الصراع بين البطل الشمسي من جهة والأم الكبرى وابنها الثور من جهة أخرى. ولعلها في الأصل ليست إلا صراعا بين شمش نفسه وعشتار.
ومثل جلجامش هرقل، البطل الإغريقي ابن زيوس من امرأة بشرية، الذي يوجه معظم أعماله الخارقة ضد الرموز القمرية. يقتل هرقل «هيدرا» التنين ذا الرءوس السبعة، ويمرغ أنف الإلهة أرتميس في التراب عندما يقبض على أيلها البري المقدس الذي لم يقدر عليه أحد من قبل، ويقبض على الخنزير البري الشرس، وهو من الرموز التقليدية للأم الكبرى، ويصرع الثور الإلهي المتوحش، ويتغلب على قبيلة النساء الأمازونيات. وبعده يأتي «ثيسيوس» ابن الإله بوسيدون من امرأة بشرية، الذي يقتل الميناتور، الثور الكريتي ساكن قصر التيه. إن أسطورة قتل الميناتور ليست في الحقيقة سوى صياغة أسطورية لواقعة تاريخية تتعلق بهجوم القبائل البطريركية اليونانية على كريت، وتقويض ثقافتها الأمومية وهدم هياكلها القمرية، وتحطيم تماثيل الإله الثور الابن وإحلال عبادة الآلهة الآباء. ومن الشواهد الباقية في الأساطير اليونانية على الصراع القديم بين الآلهة الشمسية والآلهة القمرية، تلك القصص التي تروى عن صراع آلهة الأوليمب مع العمالقة؛ فكل إله أوليمبي كان له معركة مع عملاق أو أكثر، تنتهي بانتصاره المؤزر الذي يعزز مكانته في مجمع الآلهة العلوية. إن المعنى الكامن وراء هذا الصراع ضد العمالقة لا يتضح إلا إذا رجعنا إلى الأصول اللغوية لكلمة العملاق. فالكلمة الدالة على العملاق في اللغة اليونانية واللغات الأوروبية الحديثة هي (giant)
جيانت المستمدة من «جايا» الأم-الأرض. فالعملاق والحالة هذه هو ابن الأرض جايا، التي كانت تصور في بعض المشاهد وقد انبثقت من الأعماق لتحمي ابنها من عدوان الإله الأوليمبي.
35
لقد أخذت الميثولوجيا الشمسية ببناء نفسها على الأسس السابقة للميثولوجيا القمرية، وأخذ الآلهة الشمسيون يتبنون خصائص وصلاحيات الأم القمرية وابنها. كما استطاعت الميثولوجيا الشمسية تحويل بعض الآلهة القمرية إلى آلهة شمسية. فمردوخ-بل، سيد آلهة بابل ليس إلا بعل الكنعاني، الإله القمر بالأصل الذي أتت به سلالة حمورابي السورية. كما أن بعل قد تحول إلى إله شمسي في كثير من مناطق عبادته الأصلية، وذلك كبعلبك وتدمر حيث أقيمت له هياكل الشمس على أنقاض هياكل القمر. وزيوس الإغريقي أعتى الآلهة الذكور وسيد البانثيون الإغريقي، ليس إلا زيوس الثور، ابن الأم الكريتية الكبرى الذي حمله معهم الآخيون إلى أرض اليونان عقب دمار الحضارة المينوية. ولعل التعمق في دراسة شخصية ومنحى تطور بعض الآلهة التي اعتبرت شمسية منذ ظهورها، يوصلنا إلى أصلها القمري القديم. وهذه نقطة لا نستطيع التوسع في بحثها هنا.
القمر والخصوبة
وجد الإنسان القديم علاقة بين القمر وخصب الأرض ونمو الزرع، قبل أن يكتشف العلاقة الفعلية بين الشمس والحياة النباتية. فضوء القمر الأصفر اللين، وطراوة الليل الذي تترك أردانه، قبل أن ينجلي، ندى يمد أوراق النبات بالحياة، ورطوبة تنعش الأرض، كانت في تصور الإنسان أكثر ملاءمة لحياة الزرع من أشعة الشمس الحارقة ونور النهار الساطع. ومن ناحية أخرى؛ فقد لاحظ الإنسان أن تتابع الفصول هو الذي يهيئ الشروط لتستكمل الدورة الزراعية غايتها، وأن تتابع الفصول بدوره نتاج دورة القمر الشهرية التي تضع علامات الزمن. فكان القمر بالنسبة للإنسان خالق الزمن وسيده، ورب الفصول التي تتوج حركتها بفصل الربيع الذي يحيي الأرض بعد سباتها.
وقد عبرت الأعمال التشكيلية للحضارات الأولى في ثقافات الشرق القديم عن علاقة القمر بخصب الأرض ونمو الزرع والشجر، مدفوعة إلى ذلك بالأفكار التي ورثتها عن الثقافات النيوليتية، فنجد في كثير من الرسوم أن القمر والشجرة يندمجان في وحدة تشكيلية جمالية؛ ففي الشكل
3-4 ، يبدو القمر وكأنه جزء عضوي من أجزاء الشجرة التي رسمها الفنان البابلي بأسلوب زخرفي تبسيطي جميل.
अज्ञात पृष्ठ