وما علمناه الشعر وما ينبغي له ، ولا يكاد يستعمل إلا بصيغة المضارع كما رأيت؛ ولذلك يعده أكثرهم من الأفعال الغير المتصرفة.
ومن هذا القبيل قولهم: هذا العمل يقتضي له كذا من النفقة، وقد جمعت له الأموال المقتضية، فيستعملون هذا الحرف لازما بمنزلة يجب وهو لا يستعمل كذلك البتة؛ لأن اقتضى هنا بمعنى طلب. يقال: افعل ما يقتضيه كرمك؛ أي: ما يطالبك به كما في الأساس. فالصواب أن يقال: هذا العمل يقتضي كذا من النفقة باستعمال الفعل متعديا مسندا إلى ضمير العمل. وقد جمعت له الأموال المقتضاة بصيغة اسم المفعول.
ومثله قولهم: هذا الأمر قاصر على كذا؛ أي: مقصور عليه لا يتعداه إلى غيره، فيستعملون هذا الحرف لازما أيضا لا تكاد تجده في كلامهم إلا كذلك، وهو غريب. قال في لسان العرب: قصرت نفسي على الشيء: إذا حبستها عليه وألزمتها إياه ... وقصرت الشيء على كذا: إذا لم تجاوز به إلى غيره. يقال: قصرت اللقحة على فرسي: إذا جعلت درها له، وناقة مقصورة على العيال يشربون لبنها. ا.ه.
ويقولون: فلان من ذوي الشهامة؛ يعنون المروءة وعزة النفس، وليس ذلك في شيء من كلام العرب، ولكن الشهم عندهم الذكي المتوقد الفؤاد، ويجيء بمعنى السيد النافذ الحكم في الأمور. وقال الفراء: الشهم في كلام العرب الحمول الجيد القيام بما حمل. وكله بعيد عن المعنى الذي يريدونه كما ترى.
وقريب من ذلك قولهم: فلان طاهر الذيل؛ يريدون أنه ظلف النفس منزه عن المطامع الدنيئة والمكاسب الممقوتة. ولا معنى لطهارة الذيل هنا كما لا يخفى، ولكن لهذه الكناية معنى آخر لا يخفى على اللبيب، ومثلها هو عفيف المئزر، ونقي الثياب، وطاهر الحجزة، وطيب معقد الإزار؛ قال النابغة:
رقاق النعال طيب حجزاتهم
يحيون بالريحان يوم السباسب
ويقولون: غصن يانع؛ أي: نضير أو رطب، وكذا زهرة يانعة وروض يانع. ولا يأتي ينع بهذا المعنى، إنما يقال: ثمر يانع وينيع؛ أي: ناضج، وقد ينع الثمر وأينع: إذا أدرك وحان قطافه، واليانع أيضا: الأحمر من كل شيء، وثمر يانع: إذا لون. ومن الغريب أن هذا الوهم ورد في كلام أناس من المتقدمين، وممن وهم فيه الحريري صاحب درة الغواص؛ قال في المقامة النصيبية: «وكان يوما حامي الوديقة يانع الحديقة.» وفسر الشريشي يانع الحديقة بقوله «ناعم الروضة». وجاء للشريشي أيضا في خطبة شرحه: «ولم يزل في كل عصر من حملته بدر طالع وزهر غصن يانع.» ومن كلام القاضي شهاب الدين بن فضل الله: «حتى تدفق نهره وأينع زهره.» رواه صاحب فوات الوفيات، وقال الصفدي:
يا من حواه اللحد غصنا يانعا
وكذا كسوف البدر وهو تمام
अज्ञात पृष्ठ