ولا لبس بين القلب بما يحتويه من الحدس والشعور والعاطفة، وبين القلب من قلب الشيء يقلبه إذا أريد به تغيير وضعه أو موضوعه.
ولا لبس بين الموضوع بمعنى الفكرة التي نبحثها وندرسها، وبين الموضوع من الوضع في مكان محسوس.
وسليقة اللغة الشاعرة هي التي تجعل السامع العربي يفهم المعنى المقصود على الأثر إذا سمع واصفا يصف حسناء بأنها بدر على غصن فوق كثيب؛ لأن ذهن السامع العربي تعود النفاذ في الصورة الحسية إلى دلالتها النفسية، فهو لا يرسم في ذهنه قمرا وغصن شجرة وكومة من الرمل حين يستمع تلك العبارة، ولكنه يفهم من البدر إشراق الوجه ومن الغصن نضرة الشباب ولين الأعطاف، ومن الكثيب فراهة الجسم، ودلالتها على الصحة وتناسب الأعضاء.
وإن سهولة استخلاص المجاز الشعري من الألفاظ المحسوسة لهي السليقة الشاعرة، التي يحار لها أبناء اللغات المحرومة من هذه المزية، فيختلط الأمر على نقادهم، ويحارون كيف يوفقون بين الصور التي تنقلها إليهم الألفاظ المسموعة، وتبقى في أذهانهم وأخيلتهم لاصقة بأجسامها المنظورة أو الملموسة بلا فكاك من قيود المعجمات.
إن السامع العربي يسمع التمثيل المشهور في قول القائل: «رأيت أسدا في الحمام»، فلا تتمثل له غير صورة البطل الشجاع كما يكون الإنسان المتصف بالبطولة والشجاعة.
وبهذه السليقة الشاعرة تتصل المفردات اللغوية بأشكالها المحسوسة أو تنفصل عنها، ولا تبقى لها غير معانيها المجازية؛ لأنها مفردات في لغة شاعرة يعمل فيها الخيال والذوق، كما تعمل فيها الأبصار والأسماع، وسنزيد هذا المعنى بيانا في الفصول التالية. (3) الإعراب
من الأسئلة الشائعة بين مؤرخي الفنون واللغات؛ سؤال عن الشعر والنثر أيهما أسبق إلى الظهور، وأيهما أقدم في تاريخ الأدب؟
والذين يسألون هذا السؤال لا يجهلون أن الكلام المنثور سابق للكلام المنظوم، فلا محل للخلاف إذا كان مداره على ترتيب ظهور النطق بالكلام للتفاهم بين الناس في شئونهم المشتركة، وترتيب ظهور الكلام المنظوم الذي ينفرد بنظمه الشعراء وأصحاب الغناء.
ولكن السؤال على ذلك الوجه يدور على ترتيب التفاهم بأصوات الإيقاع ودلالة الحركات، ثم التفاهم بالكلمات المتناثرة التي احتوتها لغة الإنسان الأولى.
فعلى هذا الوجه يكون محل الخلاف ظاهرا؛ لأنه خلاف بين القائلين: بأن التفاهم بأصوات الإيقاع سابق لتطور اللغة الأولى، وبين القائلين: بأن اللغة تطورت إلى غايتها من التمام قبل أن يعتمد الناس على التفاهم بالأصوات الموقعة على حسب العواطف، أو على حسب دلالة الحركات والإشارات.
अज्ञात पृष्ठ