أول الألفاظ الإدارية التي استحدثت في الدولة العربية «الخليفة»، فإنها كانت تدل في الأصل على من يخلف غيره ويقوم مقامه بدون تخصيص، ثم انحصر معناها فيمن يخلف النبي وأول الخلفاء أبو بكر، ومنها صارت تؤدي معنى «السلطان يحكم بين الخصوم، والسلطان الأعظم، والمحكم الذي يستخلف من قبله.» ويقال نحو ذلك في سائر مناصب الدولة، كالوزارة والإمارة والنقابة والكتابة والحجابة والشرطة ونحوها.
فإن الوزارة كانت تدل على المعاونة، ثم تغير معناها باختلاف الدول واختلاف حال الوزراء فيها، ويشتق دار مستتر لفظ الوزير من أصل فارسي قديم (بهلوي) هذا نطقه «ويجيرا»، ومعناه حكم أو أقر. •••
ومثل ذلك «الكاتب»، فقد رأيت فيما تقدم أن الأصل في دلالة «كتب» الحفر على الخشب أو الحجر لأنهم كانوا يكتبون بالحفر، فلما كتبوا بالمداد صار معناها الكتابة المعروفة. ولما ظهر الإسلام احتاجوا إلى من يكتب السور فكان الذين يكتبونها يسمون كتبة الوحي، وكان بعضهم يكتبون بين الناس في المدينة. فلما تولى أبو بكر استخدم كاتبا يكتب له الكتب إلى العمال والقواد، ولما تولى عمر ودون الدواوين استخدم الكتبة لضبط أسماء الجند وأعطياتهم، فصار الكاتب يدل على الكتابة والحساب. ولما استبد الكتاب في الدولة المصرية وغيرها صار الكاتب بمعنى الوزير، ويراد بالكاتب الآن العالم المنشئ.
ومن ذلك لفظ «الدولة»، فقد كانوا يريدون «انقلاب الزمان، والعقبة في المال، والفتح في الحرب»، ثم دلوا به على الملك ووزرائه ورجال حكومته، ولم يكن لها هذه الدلالة قبلا.
و«الحجابة» تدل في الأصل على السر والمنع فالحاجب الساتر أو المانع، فكان حاجب الخليفة من أصغر رجال الدولة. فلما ضعف الخلفاء واستبد الحجاب صار معنى الحاجب عندهم مثل معنى الوزير. •••
وقس على ذلك سائر مناصب الدولة، كالإمارة والشرطة والقضاء والحسبة والنقابة والإمامة، وغيرها من اصطلاحات الجند كالمسترزقة والمتطوعة والعلوفة والعسكر، وضروب الحرب وأبواب الهجوم كالزحف والكر والفر والبيات والكفاح والغرة، وصنوف الأسلحة كالدبابة والكبش والعرادة وغيرها. ناهيك باصطلاحات الدواوين على إجمالها، كقولهم الثغور والعواصم والإقليم والقصبة والعمل والولاية والضياع والحكومة والسكة والتوقيع والوظيفة والخراج والجزية والعشور والمرافق والصوافي والجوالي والجباية والوقف والمصادرة والمستغلات والصدقة والمكوس والمراصد ودار الضرب والضمان والدفاتر والجرائد والخرائط والإيغار والراتب والجاري والعطاء والبيعة والدعوة والختم والخطط والمطالعة والمؤامرة، وغير ذلك كثير جدا.
فالألفاظ المذكورة عربية الأصل وأكثرها معروف قبل الإسلام، ولكن مدلولاتها تغيرت بتغير أحوال المسلمين بعد إنشاء دولتهم، إذ حدث بإنشائها معان جديدة اضطروا في التعبير عنها إلى ألفاظ جديدة، فنوعوا ما عندهم إما عمدا أو عفوا فصارت إلى ما هي عليه.
ف «الخراج» مثلا كان معناه في الجاهلية الكراء والغلة، ويدل ذلك على معنى ضرب الخراج في الإسلام، فإنهم كانوا يعدون الأرض ملكا لهم وقد سلموها لأهلها على سبيل الإيجار بالكراء، فصار معنى الخراج بعد ذلك «ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها»، ثم صار الخراج مقاسمة أو مساحة أو سيحا أو سقيا، وأكثرها ألفاظ جديدة لمعان جديدة.
و«الحكومة» كانت تدل في الجاهلية على الفصل بين المتخاصمين لأنها مصدر حكم أي قضى، وتلك كانت أعمال صاحب الحكومة في الجاهلية، ثم تحول معناها إلى «أرباب السياسة أو رجال الدولة».
و«السكة» في الأصل الحديدة المنقوشة التي كانوا يضربون عليها النقود، ثم سميت النقود بها، واشتقوا منها الأفعال والأسماء لهذا المعنى. •••
अज्ञात पृष्ठ