लब्ब तारीख उम्म
لب التاريخ العام فيما صدر من غابر الأعوام
शैलियों
وحسبه شرفا إيداع مجمله
كتب الإله؛ لهذا اشتاقه الناس
فمنه للمرتقي آفاقه سطعت
شمس النهى، وتسامى منه نبراس
فانعش بأرواحه أرواحنا طربا
ففيه ما لم تحزه الراح والكاس
التاريخ هو العماد الأقوى لارتقاء الأمم وتقدم الممالك، به تدرك الألباب مزايا الفضائل فتتنافس في السبق إليها، وبهداه تعتصم من غي الخطأ فترقى ذرى الكمالات، وبنور كواكبه تستضيء الأكوان فيهتدي كل إلى السبل الواضحة، وتحفظ الأجيال لأبنائها والأبناء لآبائها جميل الذكر ورفيع القدر، ويمهد بما استكنت صدوره، وطوت سطوره، لمن استمد بأنوار عرفانه، وشموس حقايقه أسباب الفوز بما تحن النفوس الشريفة لإحرازه، وتهيم الألباب المطهرة لإدراكه، فهو بهذا السر الجليل مرآة يرى فيها الناظرون صور الأعمال وحقائق الأحوال، فيتهيمون بمحاسن ما تبديه، ويتباعدون عما يشين مجد الفتى ويزريه؛ ولذا كان المجدون في كشف غوامضه أحرص الناس على إعلاء منار المعارف، وأقومهم عزما في تعميم مزايا التهذيب، وتقريب ما عساه أن تحيد عنه الألباب القاصرة والهمم الفاترة.
نعم، إن رجال هذا الفن الشريف قد تدفعهم الغايات لما تنطمس دونه أقماره النيرة، فيحبط مسعاهم ولا تحسن عقباهم. ولكن يقظة المتأخرين وفطنة الخبيرين لم تجعل لتلك الأغراض على مصنفاتهم سرادق، فكانت بين هاتيك التآليف كالبدر بين الكواكب، والضياء الوهاج يمحو الغياهب، فأزالت ما كان اعترى وجه التاريخ من الغمم، وأزاحت عن رياضه الزاهرة جنح الظلم، وبذا ارتقى نيره الأعلى، وعم الوجود نفعه الأجلى، فتسابقت الأمم لاجتناء ثماره، واستنشاق عبير أزهاره. ولم تكتف أمة بالاطلاع على أنبائها، وسير أمرائها، بل صار الكل حريصا على سعة الاطلاع، وازدياد الثمرة، وتعميم الانتفاع، فعلمت آل المشارق شئون من بالمغارب، ولاح للمستبصرين في أعمال الجميع كل ساطع وغارب، وحينئذ أصبح العلم بتلك المكنونات لجميع المخلوقات من آكد المندوبات، وأوجب الضروريات.
وليس بين أولئك المطلوب من يمنعه عن إظهار الحقائق حجاب؛ رغبة في تبرئتهم مما نسب لسابقيهم، وليكون فضل تصنيفهم قدوة للاحقيهم؛ إذ كان من سلفوا يجعلون المصنفات وصلة للغايات؛ فمنهم من كان يسلك الخرافات؛ لجهل قومه، أو لسوء فهمه، فضل وأضل، واستضعف واعتل؛ ومنهم من خشي السطوة، وحاذر من المعاملة بالقسوة، فنوه ولم يتفوه، وأوهم وأيهم، وورى ووارى، وأضمر وتطير، فجاءت خطوط يراعهم ناطقة بانعكاس طباعهم؛ ومنهم من سلك بين ذلك قواما، ونال بالاحتيال للتخلص من الأذى مراما، فتداولت الأيدي ما سطره، ووعت الأسماع ما أظهره، وقدمه وأخره، ونمقه وحبره. ولكل في هذه الأحوال منهاج ومنوال.
أما مؤرخو هذا العصر، فقد برأتهم التجارب من هذا الوزر، وأيقنوا أن التواريخ ليست إلا بمثابة شاهد عدل بأعمال من قبل، وأن للمطلعين حق الحكم والاحتكام في صدق ما تسطره الأقلام، وتجول في ميادينه الأفهام، فإن طابقت المقدمة النتيجة، وتضوعت بشذاها رياضهم الأريجة، ساغ لديهم جناها، وحمدت سرائره سراها.
अज्ञात पृष्ठ