فقال وهو يحدجه بنظرة وقحة: لم أتقن في حياتي إلا حرفة واحدة.
فتساءل كالمنزعج: أترجع إلى اللصوصية؟ - هي مجزية جدا كما تعلم!
فصرخ بحدة: «كما تعلم»؟! من أين لي أن أعلم؟!
فرمقه بدهشة قائلا: لم تغضب هكذا؟ قصدت أن أقول كما تعلم عن ماضي، أليس كذلك؟
وخفض رءوف عينيه كأنما يقنع نفسه بقوله، ولكن وضح أنه لم يعد في الإمكان أن يعود وجهه إلى صفائه الطبيعي، وقال بلهجة من يرغب في الإجهاز على الحديث: سعيد، ليس اليوم كالأمس، كنت لصا وكنت صديقا لي في ذات الوقت لأسباب أنت تعرفها، ولكن اليوم غير الأمس، إذا عدت إلى اللصوصية فلن تكون إلا لصا فحسب!
فانتتر واقفا في عصبية وهو يواجه اليأس في صراحته القاسية، ولكنه خنق انفعاله بإرادة من حديد، فعاد إلى الجلوس وهو يقول بهدوء: اختر لي عملا مناسبا! - أي عمل، تكلم أنت وأنا مصغ إليك!
فقال بسخرية خفية في الأعماق: يسعدني أن أعمل صحفيا في جريدتك! أنا مثقف، وتلميذ قديم لك، قرأت تلالا من الكتب بإرشادك، وطالما شهدت لي بالنجابة.
فهز رءوف رأسه في ضجر حتى لعب الضوء فوق شعره الأسود الغزير وقال: لا وقت للمزاح، أنت لم تمارس الكتابة قط، وأنت خرجت أمس فقط من السجن ، وأنت تعبث وتضيع وقتي بلا طائل!
فقال بامتعاض: إذن، علي أن أختار عملا حقيرا؟ - لا عمل حقير على الإطلاق ما دام شريفا.
غلبته المرارة بعد اليأس، فلم يعد يبالي شيئا، وبسرعة جرى ببصره في أنحاء البهو الأنيق، ثم قال فيما يشبه التحدي: ما أجمل أن ينصحنا الأغنياء بالفقر!
अज्ञात पृष्ठ