وقال عباس: الله يبارك فيك يا خالتي.
وضحكت ليلى وهمست في تساؤل: قلت الله؟!
لم يكن المجال متسعا ليناقش؛ فقد عاجله رضوان أفندي بالتهنئة وتقدم إليه لطفي يقبله. وقال عباس وهو بين أحضان لطفي: وأنت نجحت يا لطفي طبعا، إنك لا تتنازل عن مرتبة الامتياز.
وقالت ليلى: وأنا نجحت بجيد فقط، أصبح لطفي أحسن مني. زمن!
وقال لطفي: لو أحسنت المذاكرة لما كنت في حاجة إلى الحسد.
وقالت الأم في جد: ماذا جرى لك يا ليلى؟! ستحسدينه. سأرقيك يا لطفي يا بني، ما يحسد المال إلا أصحابه.
وضحكت ليلى قائلة: لا تخافي يا نينا سأحضر له أنا خرزة زرقاء.
ودار الحديث وأحس عباس أنه مطمئن غير قلق، وأنه في المكان الذي يجب أن يكون فيه. ولم يكن هذا الشعور جديدا عليه؛ فقد تعوده في هذه الجلسة، بل تعوده! نعم لقد تعوده كلما نظر في عيني ليلى. إنه يرى الاطمئنان ينثال من عينيها فيعصف بالقلق الذي لا يزايل قلبه. ويرى في وجهها الأبيض الناصع نورا يرود نفسه المظلمة فيمحق الظلام في نفسه، وبراح إلى لون من الهدوء والأمن هما غاية ما يصبو إليه فلا يجده.
ماذا تحاول الفلسفات جميعا أن تصنع؟ بل ماذا تحاول الأديان كلها؟ أي غرض للأنظمة السماوية وغير السماوية إلا أن تشيع الأمن في نفوس الناس وتجعلهم يقبلون على الحياة إقبالة مطمئن؟ كفرت بالدين وآمنت بنفسي لأن الدين كان يتمثل في نفسي قلقا وخوفا من أبي. وكفرت بنفسي وأصبحت أومن بالعلم لأن نفسي خذلتني ولم تستطع أن تقف إلى جانبي حين احتجت لها أن تقف إلى جانبي.
يوم تركتني إيفون في مقعدي بالحديقة أحسست أنني الإنسان الضعيف، لا أستطيع أن أفعل ما يجب علي أن أفعل، وإنما تسيرني الأهواء، ويرسم لي المجتمع طريقي لا أستطيع عنه حولا. واليوم بماذا أومن؟ بالآلة، إنها الشيء الذي يسير في طريقه المرسوم، لا تؤثر عليها عوامل الحب والكرة، أو الخوف والجرأة، أو الرغبة والعزوف ، إنما هي تسير طريقها فتجتاح العالم وتسيطر على مسالك الحياة فيه. ولكني مع ذلك أخاف هذا الإيمان الجديد. أنا لا أجد الأمن إلا في وجه ليلى. إنها مطمئنة دائما. أراها فأطمئن. هادئة دائما. أراها فأهدأ. ما الذي ألقى في نفسها هذا الهدوء وهذا الاطمئنان؟ أهو فلسفتها البسيطة من إيمانها بالسماء، ومن أن المعجزات مقبولة ما دام الإنسان لم يستطع أن يصل إلى سر نفسه؟ لعل الأمر كذلك، فما لي لا أفعل مثلها؟ ولكن كيف؟ كيف أومن بما لم أر، وما أراه جبارا شاهقا؟ الإنسان يصك جبين القمر ويسير آلته حول الأرض، وأنا أسير وراء هؤلاء القوم الطيبين الذين لا يرون شيئا إلا قالوا في خدر وسذاجة: «سبحان الله! علم الإنسان ما لم يعلم.» ولكني أطمئن حين أرى ليلى، فلألتمس من وجهها الهدوء، وليكن لها رأيها وليكن لي رأيي، وأي ضير في ذلك؟
अज्ञात पृष्ठ