والتفت الرفاق إلى مصدر الصوت ونظروا إلى عباس، وقال عباس في سرعة: عن إذنكم.
ولم ينتظر إجابة منهم، بل قصد في خطوات متسارعة إلى إيفون: ماذا يا إيفون؟ ما الذي جاء بك؟
وقالت في حزم: أريدك. - تعالي!
ومشيا. كانت أول مرة يسيران معا في طريق، وكان عباس يتلفت حواليه كأنما يخشى أن يراه أحد. وكان قسم أبيه المغلظ ما يزال يطن في أذنيه فتموج له نفسه في رعب، وأحست إيفون خوفه وتلفته فصمتت قليلا، ثم قالت: ماذا يخيفك يا عباس؟
فأفاق من خوفه ليقول في لعثمة: أنا ... أنا ... لا أبدا ... أنا غير خائف.
وقالت: أين نستطيع أن نتكلم؟ - كما تشائين. - أريد أن أحادثك حديثا طويلا.
فقال بعد تردد: في جنينة الأورمان.
ووجدا مكانا خاليا في الحديقة وجلسا. وقالت: ماذا تنوي أن تفعل؟ - فيم؟ - ألا تعرف فيم؟ في مستقبلنا. - ألم تعرفي ماذا فعل أبوك؟ - نعم أعرف. - ماذا بيدي أن أفعل؟ - ماذا بيدك أن تفعل؟! أهذا كل ما تستطيع أن تقدمه لي؟! ماذا بيدك أن تفعل؟! - لقد حرم علي أبي أن أراك بناء على طلب أبيك. - ألم تكن تتوقع هذه المعارضة؟ - كنت أتوقع ألا يجد أبي مناصا من قبول الزواج. - أفكرت في أبيك وحدك ولم تفكر في أبي أنا؟! - لم أكن أتوقع أن يعارض هذه المعارضة القاسية. - ألم تتوقع أن تعتمد أنت على نفسك؟ ألم يدخل في حسبانك أن تحتمل أنت مسئولية ما؟ - ماذا أستطيع أن أفعل؟ - عباس، حين جئت إليك لم أكن أعتقد أنني سأناديك باسم الواجب أو المسئولية، وإنما كنت أعتقد أن الحب بيننا هو الذي سيصنع كل شيء.
وصمت عباس قليلا، ثم قال: وماذا جرى؟
فقالت في حسم: إنك لم تعد تحبني. - من قال هذا؟ - رأيته على وجهك صريحا واضحا. - أنا! ... على وجهي؟ - رأيت الدهشة في عينك حين رأيتني، وكنت أرجو، بل كنت أعتقد أنني سأجد الحب. ورأيت تلفتك في الطريق وكنت أعتقد أنني سأجد اللهفة على مكان تجلسني فيه. ورأيت نفسي أنا من أسألك أن تجد مكانا ولم تكن أنت من فكرت.
अज्ञात पृष्ठ