Letters of Sunna and Shia by Rashid Rida
رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا
प्रकाशक
دار المنار
संस्करण संख्या
الثانية
प्रकाशन वर्ष
١٣٦٦ هـ - ١٩٤٧ م
प्रकाशक स्थान
القاهرة
शैलियों
ـ[رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا]ـ
المؤلف: محمد رشيد رضا ﵀
الناشر: دار المنار، القاهرة
الطبعة: الثانية، ١٣٦٦ هـ - ١٩٤٧ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
هذه النسخة الإلكترونية عليها تعليقات بقلم: محمد أحمد العباد، وقال:
ما كان من تعليقات المؤلف في الحاشية نبهت عليه بوضع حرف (ر) آخر كل تعليق له، وما كان من تعليقات الآلوسي نبهت عليه بوضع حرف (أ)
السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة (حقائق دينية تاريخية اجتماعية إصلاحية) بقلم: السيد الإمام محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى وغفر له الطبعة السابقة للكتاب: كانت في سنة ١٣٦٦ هـ (١٩٤٧ م) تخريج وتعليق: محمد بن أحمد بن محمد العَبّاد اعتراف وشكر وتقدير أتوجه بالشكر الجزيل إلى المشايخ الذين التقيت بهم واستفدت منهم وتعلمت على أيديهم ما أرجو أن ينفعني الله به مما يخص موضوع هذا الكتاب. وعلى رأسهم فضيلة الشيخ عثمان بن محمد الخميس حفظه الله الذي لا يوفي حقه مثل هذه السطور، وكذلك الشيخ محمد سالم الخضر حفظه الله، وخاصة في كتابه القيم " ثم أبصرت الحقيقة ". كما أشكر الشيخ الذي وإن كنتُ وإياه لم نَتعارَفْ ترائيًا، ولم نَتَلاقَ تدانِيًا، إلا أن فضله لديَّ كالمُشاهَد، وشخصه في نفسي غير متباعد إنه الشيخ الفاضل الدكتور طه حامد الدليمي حفظه الله صاحب التصانيف الجامعة والكلمات النافعة ومعه أيضًا الشيخان الفاضلان علاء الدين البصير، وعبد الملك الشافعي حفظهما الله أصحاب المؤلفات ذات الطابع التجديدي غير التقليدي. والاعتراف والشكر والتقدير كذلك متوجه إلى الجهود المبرورة التي يبذلها القائمون على المواقع الإسلامية الحريصة على الدعوة بالحسنى إلى الدعوة الحسنى، ومنها: موقع أنصار آل محمد ﵊:http://www.ansaaar.com موقع الشيخ فيصل نور: www.fnoor.com موقع البرهان: www.alburhan.com كما أشكر جميع الأخوة في الله ممن استحَثَّ خُطاي للإسراع في إخراج هذا الكتاب راجيًا أن يكون العمل خالصًا لوجه الله الكريم وأن يكون عند حسن ظن الإخوة القراء الكرام
مقدمة المعتني: بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾، ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾، ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾، أما بعد: فأضع بين يديك أخي القارئ الكريم أول نتاجٍ لهذه السلسلة - التي أرجو الله سبحانه أن يجعلها مباركة - من مكتبة مؤلفات الإمام محمد رشيد رضا ﵀. ونفتتحها بهذا الكتاب عن " السنة والشيعة " الذي خضع لظروف تاريخية أنتجت لنا هذا الكتاب حول "الخلافات بين السنة والشيعة" للشيخ محمد رشيد رضا. إنها تلك الفترة التي حكم فيها الملك عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية كأول دولة سنية بعد انهيار الخلافة العثمانية، وبالتزامن مع ظهور تيارين معارضين لقيامها هما: التيار العلماني، والتيار الشيعي الرافضي. أما السبب المباشر لتأليف الكتاب، فهو نشر مجلة " العرفان " اللبنانية مجموعة من المقالات، التي حاولت فيها التفريق بين المسلمين السنة والدعوة الوهابية كما تُسمى عند البعض، وصَوَّرت الدعوة الوهابية بما لا يتفق مع الإسلام وعقائده. وكذلك تأليف المرجع الشيعي اللبناني محسن الأمين العاملي رسالة سماها "الحصون المنيعة في الرد على ما أورده صاحب المنار في حق الشيعة" وهي رد على مقال نشره رشيد رضا للرحالة محمد كامل الرافعي البغدادي رصد فيه بعض محاولات علماء الشيعة بث التشيع بين بدو العرب عن طريق إغرائهم بنكاح المتعة. ومع أن رشيد رضا دائم التأكيد على تمسكه بمشروعه الإصلاحي في ما يقول ويكتب، وهو ما يقوم أصلا على محاربة التعصب المذهبي، الأمر الذي لم يدفعه للرد على مجلة العرفان ورسالة العاملي في البداية، إلا انه رأى في الكتاب الثاني للعاملي "الرد على الوهابية" الذي ملأه بالأباطيل على أهل السنة، وانتصر فيه للثقافة القبورية، وهاجم فيه دولة آل سعود السنية الفتية، أمرا يجب التنبيه عليه من صاحب المنار، سيما أنه رأى أن كتابات العاملي ستلحق ضررا كبيرا بعقائد المسلمين إذا تم السكوت عليها. ثم أتبع الشيخ رحمه ذلك بذكر بعض ردود الأفعال تجاه ردِّه وذكر بعض المواقف التي وقعت له مع بعض كبراء الشيعة وعلى رأسهم محمد حسين آل كاشف الغطاء. وسيخلص القارئ لكتاب "الخلافات بين السنة والشيعة" إلى أن تلك العقيدة التي تحدث عنها الكتاب تتكئ اتكاء كبيرا على فكرة المادية النفعية التي حاربها القرآن، وذلك من خلال صياغة نظريات وضعية تكرس الجهل العام والثقافة العدائية التفريقية (١)، كما تكرس الطقوس القبورية والخرافية، وتمارس استفزاز الغرائز والشهوات البشرية لبلوغ أكبر قدر من الحصاد المادي باسم محبة آل البيت. وبناء على هذا البون العقدي الواسع بين السنة والشيعة، يأتي هذا الكتاب بمثابة إعلان يأس رشيد رضا في التوصل إلى أي مقاربة مع الرافضة ضمن مشروعه الإصلاحي، بل ويعلن القطيعة معهم، بعد أن خاض تجربته المريرة مع علماء مجتهدين منهم - كما يقال عنهم - بادروه التقية في مسألة الوحدة الإسلامية بعد انهيار الخلافة العثمانية، ولكن سرعان ما تعصبوا لضلالاتهم وكشفوا عن الوجه العدائي الحقيقي لأهل السنة بعد قيام أول حاضنة عقدية لهم في دولة آل سعود. (٢) وقد كانت آخر طبعة للكتاب - حسب علمي - في سنة ١٣٦٦ هـ (١٩٤٧ م)، فتأمل! فلذلك أحببت إعادة طباعة الكتاب مع التعليق عليه بما - أحسب أنه - يتناسب مع مكانة الكتاب ومؤلفه كما يتناسب ما نعيشه اليوم من أطروحات: ١ - فقمت بتخريج الأحاديث وتوثيق المسائل والأقوال التي حكاها الشيخ ﵀ سواء عن الشيعة من كتبهم ومن المصادر الأصلية، وكذلك ما حكاه عن المستشرقين بل وحتى عن علماء النفس وغيرهم كل ذلك قدر المستطاع. ٢ - قمت ببيان مواضع أقوال المؤلف ﵀ في مجلة المنار في المواضيع التي تم التطرق إليها في الكتاب قدر المستطاع. ٣ - ما كان من تعليقات المؤلف في الحاشية نبهت عليه بوضع حرف (ر) آخر كل تعليق له، وما كان من تعليقات الآلوسي نبهت عليه بوضع حرف (أ) . ٤ - جعلت توثيق الجزء والصفحة أو رقم الرواية التي ذكر المؤلف مصدرها بجانب المصدر بين معكوفتين [] . وأما ما يخص ترجمة المصنف ﵀ فقد أوجزت الكلام حولها في هذه الرسالة إلا أني توسعت فيها في ترتيبي لفتاوى الإمام رشيد رضا الذي سيرى النور عما قريب بحول الله تعالى. وأرجو أن يسامحني أخي القارئ الكريم إن كان يرى أن هذه التعليقات قد أثقلت الكتاب بكثرتها وطولها أحيانًا، إلا أني أرجو أن يكون عذري في هذا تتميم جهد المؤلف ﵀ وفائدة القارئ، خاصة من خلال توثيق كثير من المسائل التي ظن بعض الشيعة الاثنا عشرية الذين ردوا على الشيخ ﵀ أنها لم تكن سوى «محض افتراء إذ لم ينسبها إلى كتاب معتبر» (٣) . لذا فإن من أهم مقاصد المعلق على هذا الكتاب - الذي بين يديك أخي القارئ - الدفاع عن الكتاب ومؤلفه أمام تلك الكتابات التي اتهمته بالكذب والافتراء على الطائفة تارة، وبالنصب وبغض أهل البيت تارات أخرى! فكانت النتيجة هي غمطهم حق الشيخ وقراءة هذا الكتاب بهدف الرد والطعن في المؤلف ﵀. فأرجو الله سبحانه وأسأله بفضله أن ييسر أمر من يتقبل هذه الرسالة ويطالعها بعقل، ويبحث بين أسطرها عن الحق، أو على الأقل عن عيوبه لكي يصلحها. اللهم، رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه: محمد أحمد العباد نبذة موجزة عن المؤلف ﵀: ولد المؤلف في قرية القلمون التابعة لطرابلس الشام بلبنان في سنة (١٢٨٢هـ = ١٨٦٥م)، وهاجر ﵀ من لبنان إلى القاهرة سنة (١٣١٥هـ = ١٨٩٨م) واتخذها مستقرًا له. وقد كان له أثر بالغ في شتى أقطار المسلمين، وكذلك كانت له أسفارٌ وزيارات إلى العديد من الأقطار الإسلامية، ومنها زيارته إلى الكويت حيث كانت تربطه روابطُ - آكدها رابطة العقيدة - إضافة لما تحمله الأرواح المؤتلفة من المودة والمحبة مع العديد من الشخصيات الكويتية. وهنا أدع الشيخ رشيد رضا ﵀ ليحدثنا عن بعض أحداث زيارته للكويت، فيقول (٤): «جَرَت السفينة بنا من "مسقط" ظهر يوم الاثنين، وهي - أي: السفينة - إنكليزية، تقطع في الساعة ١٢ ميلًا فقط، وفي ضحوة اليوم الثاني خرجت بنا عن محاذاة جبال عمان ودخلت في الخليج الفارسي فصرنا نرى بر فارس عن اليمين وبر العرب عن اليسار، ووقفت بنا فجر يوم الخميس في موضع من عرض البحر كان ينتظرنا فيها مركب شراعي كبير أرسله إلينا الشيخ مبارك الصباح صاحب الكويت، وكان عَلِم بأننا نصل إليه في هذا الوقت في هذه الباخرة مما كُتِبَ إليه من بُمْبَي ومسقط، فنزلنا فيه قبل طلوع الشمس فأقلع بنا والريح لينة والبحر رهو. ثم قويت الريح قليلًا في النهار فبلغ بنا الكويت قبل غروب الشمس، وكان رجال الشيخ مبارك حملوا فيه خروفين كبيرين وكثيرًا من الحلوى والمشمش والخيار فأفطرنا وتغدينا فيه. وقد استقبلنا أولاد الشيخ مبارك وبعض الوجهاء في زورق صغير خارج الميناء. أنزلني الشيخ مبارك في قصره الجديد الذي هو قصر الإمارة وتولى مؤانستي ومجالستي في عامة أوقاته في مدارسة العلم ومراجعة الكتب حتى صار له مشاركة جيدة في جميع العلوم الإسلامية، وأقمت في الكويت أسبوعًا كنت كل يوم ما عدا يوم البريد، ألقي فيه خطابًا وعظيًّا في أكبر مساجد البلد فيكتظ الجامع بالناس، وكان يحضر مجلسي كل يوم وليلة وجهاء البلد من أهل التقوى وحب العلم يسألون عما يشكل عليهم من أمر دينهم. وأما الشيخ ناصر (٥) فكان يسأل عن دقائق العلوم في العقائد والأصول والفقه وغير ذلك، على أنه لم يتلقَ عن الأساتذة (٦) فهو من مظاهر الذكاء العربي النادر» . كما كان للشيخ عبد العزيز العتيقي ﵀ (توفي عام ١٣٨٨ هـ) مراسلات مع الشيخ رشيد رضا. (٧) وكذلك له علاقة مع الشيخ المؤرخ عبد العزيز الرشيد حيث قال ﵀ عن مجلة "التوحيد": «جريدة دينية أدبية يصدرها في سنغافورة الأستاذ الفاضل الشهير الشيخ عبد العزيز الرشيد صاحب مجلة الكويت التي كان يصدرها في الكويت من قبل، والأستاذ كاتب عالم معتدل فنتمنى لصحيفته الرواج» . (٨) وقال عن مجلة (الكويت): «مجلة دينية تاريخية أدبية شهرية صدر الجزء الأول من هذه المجلة في مدينة الكويت لمحررها الأديب الفاضل الشيخ عبد العزيز الرشيد المعروف من خيرة أدباء تلك البلاد العربية العزيزة، فألفيناه وقد تناول المواضيع الإصلاحية الدينية بعناية تنم عن مشربه الحسن في الإصلاح الديني. . . فنرجو (للكويت) تقدمًا مضطردًا ورواجًا يليق بهمة وإخلاص منشئها الفاضل» . (٩) ويقول الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ﵀: «وكان لمؤلفات الإمامين الجليلين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومجلة "المنار" الغراء أكثر أثر في إنارة السبيل أمامي وإماطة الستار الذي أبصرت من خلفه الحق واضحًا فتغيرت بعده كل ما ألفته مما لا يتفق مع الدين في شيء» . (١٠) من مؤلفاته وكتبه: لقد استغرقت مجلة المنار معظم جهود الشيخ رشيد رضا، حيث كان يكتب أغلب ما ينشر في المنار، وكان لا يوقع على مقالاته، وبحوثه فيها باستثناء الافتتاحية، ويقرر هو أن كل ما كتب في المنار دون إمضاء فهو من تأليفه. وعلى صفحات المجلة استكمل التفسير الذي بدأه شيخه محمد عبده وتوقف عند الآية (١٢٥) من سورة النساء، ثم واصل التفسير حتى كانت خاتمته الحسنى التي انتهى إليها على ما علمه الخاص والعام في قول يوسف ﵇: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، ويُعدّ هذا التفسير من أجلّ التفاسير على الرغم من عدم اكتماله، وقد استخرج هذا التفسير من المجلة وطبع مستقلًا تحت عنوان تفسير المنار في ١٢ مجلدًا، وله أيضًا: محاورات المصلح والمقلد نداء للجنس اللطيف الخلافة شبهات النصارى وحجج الإسلام. السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة، وهو كتابنا هذا. مناسك الحج، وغير ذلك. وفاته: كان للشيخ رشيد رضا علاقات وثيقة في شتى أنحاء الدول العربية، خاصة مع رجالات العرب ومصلحيها، وذات يوم وهو في رحلة عودته من وداع الأمير سعود بن عبد العزيز بالسويس أصيب بنوبة قلبية توفي على إثرها في ٢٣ جمادى الأولى ١٣٥٤هـ - ٢٢ أغسطس ١٩٣٥م، وقد جاوز السبعين من العمر. وأختم الترجمة الموجزة بعبارةٍ موجزة تؤكد ما ابتدأتُ به حول الأثر العظيم والمهم للمؤلف ﵀ لصالح أمته، والعبارة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني حيث قال ﵀: «السيد محمد رشيد رضا، ﵀ له فضل كبير على العالم الإسلامي، بصورة عامة، وعلى السلفيين منهم بصورة خاصة، ويعود ذلك إلى كونه من الدعاة النادرين الذين نشروا المنهج السلفي في سائر أنحاء العالم بوساطة مجلته المنار،..» (١١) . اهـ _________ (١) وخاصة من خلال معتقد (الإمامة) التي هي الأصل الأعظم من أصولهم، وهي عندهم أعلى مراتب العبودية - بما فيها النبوة - التي يمكن لبشر أن يرتقي إليها، ولا يفوقها في المرتبة سوى مرتبة الربوبية، وهي خاصة بالرب جل وعلا، وعلى هذا الأساس - بجعل هذا المعتقد بهذه المنزلة - قالوا بكفر منكرها في الآخرة مع خلافهم في إسلامه دنيويًا! (٢) انظر: مجلة الراصد عدد: ٧٠ ربيع الثاني ١٤٣٠هـ مقالة بقلم محمد العواودة " باختصار وتصرف " (٣) كما في نظرة في كتاب السنة والشيعة للأميني وغيره (٤) انظر: مجلة المنار مج ١٦ ص ٣٩٦ بعنوان (شكر علني لأهل عمان والكويت) . (٥) يقول الشيخ عبد العزيز الرشيد رحمه في تاريخ الكويت ص٢٢٩ - ٢٣٠ عن الشيخ ناصر ابن الشيخ مبارك ﵏: «ذا تُقى وصلاح وعِفَّة ونزاهة وميلٍ شديد للعبادة حتى لقد كان يُكثر نفل الصلاة وصيام التطوع، وكانت له رغبة في العلوم والمعارف، مما تركَ الكويتيين إذا ذاكَ يَسْتَبْشِرونَ به ويتأملون به خيرًا لوطنهم. . . - إلى أن قال: - فكان بعد أن استنارت بصيرته يرى أن ابن تيمية في الحقيقة هو شيخ الإسلام وإمام الأنام وحامي حرمة الدين، توفي في صفر ١٣٣٦ هـ» . (٦) يقول الشيخ عبد العزيز الرشيد ﵀: «أما أستاذه الحقيقي فهو نفسه الطموحة، وهمته العالية التي كانت ولا تزال إذ ذاك تدفعه إلى التوسع في العلوم والمعارف والبحث والتنقيب، حتى بلغ إلى درجة لا أغالي إذا قلتُ إنه لم ينلها في الكويت من أبناء جنسه أحد..» . تاريخ الكويت ص ٢٢٨. (٧) انظر: علماء الكويت لعدنان الرومي ص ٤٣٤، وأود أن أنبه هنا إلى أنه قد وقع في هذا الكتاب تداخل بين أحداث ترجمتين لشخصين يحملان نفس الاسم، كما أنبه أيضًا إلى أن الشيخ محمد رشيد رضا ذكر هذا الاسم في مواضع من مجلة المنار منها حينما تطرق إلى أحداث الاحتفال بمبايعة أهل الحجاز لسلطان نجد الملك عبد العزيز ﵀ قال في مجلة المنار (مج ٢٦ ص ٧٠٧ - ٧١٢) ما نصه: «ثم تكلم صديقنا الشيخ عبد العزيز العتيقي، فذكر طرفًا من سيرة الأمة زمن السلف الصالح، ولزوم الاستمساك بذلك الحبل المتين، ليرجع للمسلمين ما كان لهم من عز وسؤدد» . (٨) مجلة المنار مج ٣٣ ص ٣١٩. (٩) مجلة المنار مج ٢٩ ص ٢٣٩. (١٠) مجلة الكويت لمنشئها الشيخ عبد العزيز الرشيد (٢ / ٣٣١ ط: دار القرطاس) . (١١) حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه: ١ / ٤٠٠ -، وذكر الشيخ ناصر في المصدر نفسه بعض أخطاء رشيد رضا التي يظل رغم وقوعها عالمًا كبيرًا من كبار علماء أهل السنة، ومن يتحدث عن التجديد في العصر الحديث لا بد أن يذكر مجلة المنار وصاحبها إذا كان جادًا ومنصفًا في بحثه.
السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة (حقائق دينية تاريخية اجتماعية إصلاحية) بقلم: السيد الإمام محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى وغفر له الطبعة السابقة للكتاب: كانت في سنة ١٣٦٦ هـ (١٩٤٧ م) تخريج وتعليق: محمد بن أحمد بن محمد العَبّاد اعتراف وشكر وتقدير أتوجه بالشكر الجزيل إلى المشايخ الذين التقيت بهم واستفدت منهم وتعلمت على أيديهم ما أرجو أن ينفعني الله به مما يخص موضوع هذا الكتاب. وعلى رأسهم فضيلة الشيخ عثمان بن محمد الخميس حفظه الله الذي لا يوفي حقه مثل هذه السطور، وكذلك الشيخ محمد سالم الخضر حفظه الله، وخاصة في كتابه القيم " ثم أبصرت الحقيقة ". كما أشكر الشيخ الذي وإن كنتُ وإياه لم نَتعارَفْ ترائيًا، ولم نَتَلاقَ تدانِيًا، إلا أن فضله لديَّ كالمُشاهَد، وشخصه في نفسي غير متباعد إنه الشيخ الفاضل الدكتور طه حامد الدليمي حفظه الله صاحب التصانيف الجامعة والكلمات النافعة ومعه أيضًا الشيخان الفاضلان علاء الدين البصير، وعبد الملك الشافعي حفظهما الله أصحاب المؤلفات ذات الطابع التجديدي غير التقليدي. والاعتراف والشكر والتقدير كذلك متوجه إلى الجهود المبرورة التي يبذلها القائمون على المواقع الإسلامية الحريصة على الدعوة بالحسنى إلى الدعوة الحسنى، ومنها: موقع أنصار آل محمد ﵊:http://www.ansaaar.com موقع الشيخ فيصل نور: www.fnoor.com موقع البرهان: www.alburhan.com كما أشكر جميع الأخوة في الله ممن استحَثَّ خُطاي للإسراع في إخراج هذا الكتاب راجيًا أن يكون العمل خالصًا لوجه الله الكريم وأن يكون عند حسن ظن الإخوة القراء الكرام
مقدمة المعتني: بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾، ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾، ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾، أما بعد: فأضع بين يديك أخي القارئ الكريم أول نتاجٍ لهذه السلسلة - التي أرجو الله سبحانه أن يجعلها مباركة - من مكتبة مؤلفات الإمام محمد رشيد رضا ﵀. ونفتتحها بهذا الكتاب عن " السنة والشيعة " الذي خضع لظروف تاريخية أنتجت لنا هذا الكتاب حول "الخلافات بين السنة والشيعة" للشيخ محمد رشيد رضا. إنها تلك الفترة التي حكم فيها الملك عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية كأول دولة سنية بعد انهيار الخلافة العثمانية، وبالتزامن مع ظهور تيارين معارضين لقيامها هما: التيار العلماني، والتيار الشيعي الرافضي. أما السبب المباشر لتأليف الكتاب، فهو نشر مجلة " العرفان " اللبنانية مجموعة من المقالات، التي حاولت فيها التفريق بين المسلمين السنة والدعوة الوهابية كما تُسمى عند البعض، وصَوَّرت الدعوة الوهابية بما لا يتفق مع الإسلام وعقائده. وكذلك تأليف المرجع الشيعي اللبناني محسن الأمين العاملي رسالة سماها "الحصون المنيعة في الرد على ما أورده صاحب المنار في حق الشيعة" وهي رد على مقال نشره رشيد رضا للرحالة محمد كامل الرافعي البغدادي رصد فيه بعض محاولات علماء الشيعة بث التشيع بين بدو العرب عن طريق إغرائهم بنكاح المتعة. ومع أن رشيد رضا دائم التأكيد على تمسكه بمشروعه الإصلاحي في ما يقول ويكتب، وهو ما يقوم أصلا على محاربة التعصب المذهبي، الأمر الذي لم يدفعه للرد على مجلة العرفان ورسالة العاملي في البداية، إلا انه رأى في الكتاب الثاني للعاملي "الرد على الوهابية" الذي ملأه بالأباطيل على أهل السنة، وانتصر فيه للثقافة القبورية، وهاجم فيه دولة آل سعود السنية الفتية، أمرا يجب التنبيه عليه من صاحب المنار، سيما أنه رأى أن كتابات العاملي ستلحق ضررا كبيرا بعقائد المسلمين إذا تم السكوت عليها. ثم أتبع الشيخ رحمه ذلك بذكر بعض ردود الأفعال تجاه ردِّه وذكر بعض المواقف التي وقعت له مع بعض كبراء الشيعة وعلى رأسهم محمد حسين آل كاشف الغطاء. وسيخلص القارئ لكتاب "الخلافات بين السنة والشيعة" إلى أن تلك العقيدة التي تحدث عنها الكتاب تتكئ اتكاء كبيرا على فكرة المادية النفعية التي حاربها القرآن، وذلك من خلال صياغة نظريات وضعية تكرس الجهل العام والثقافة العدائية التفريقية (١)، كما تكرس الطقوس القبورية والخرافية، وتمارس استفزاز الغرائز والشهوات البشرية لبلوغ أكبر قدر من الحصاد المادي باسم محبة آل البيت. وبناء على هذا البون العقدي الواسع بين السنة والشيعة، يأتي هذا الكتاب بمثابة إعلان يأس رشيد رضا في التوصل إلى أي مقاربة مع الرافضة ضمن مشروعه الإصلاحي، بل ويعلن القطيعة معهم، بعد أن خاض تجربته المريرة مع علماء مجتهدين منهم - كما يقال عنهم - بادروه التقية في مسألة الوحدة الإسلامية بعد انهيار الخلافة العثمانية، ولكن سرعان ما تعصبوا لضلالاتهم وكشفوا عن الوجه العدائي الحقيقي لأهل السنة بعد قيام أول حاضنة عقدية لهم في دولة آل سعود. (٢) وقد كانت آخر طبعة للكتاب - حسب علمي - في سنة ١٣٦٦ هـ (١٩٤٧ م)، فتأمل! فلذلك أحببت إعادة طباعة الكتاب مع التعليق عليه بما - أحسب أنه - يتناسب مع مكانة الكتاب ومؤلفه كما يتناسب ما نعيشه اليوم من أطروحات: ١ - فقمت بتخريج الأحاديث وتوثيق المسائل والأقوال التي حكاها الشيخ ﵀ سواء عن الشيعة من كتبهم ومن المصادر الأصلية، وكذلك ما حكاه عن المستشرقين بل وحتى عن علماء النفس وغيرهم كل ذلك قدر المستطاع. ٢ - قمت ببيان مواضع أقوال المؤلف ﵀ في مجلة المنار في المواضيع التي تم التطرق إليها في الكتاب قدر المستطاع. ٣ - ما كان من تعليقات المؤلف في الحاشية نبهت عليه بوضع حرف (ر) آخر كل تعليق له، وما كان من تعليقات الآلوسي نبهت عليه بوضع حرف (أ) . ٤ - جعلت توثيق الجزء والصفحة أو رقم الرواية التي ذكر المؤلف مصدرها بجانب المصدر بين معكوفتين [] . وأما ما يخص ترجمة المصنف ﵀ فقد أوجزت الكلام حولها في هذه الرسالة إلا أني توسعت فيها في ترتيبي لفتاوى الإمام رشيد رضا الذي سيرى النور عما قريب بحول الله تعالى. وأرجو أن يسامحني أخي القارئ الكريم إن كان يرى أن هذه التعليقات قد أثقلت الكتاب بكثرتها وطولها أحيانًا، إلا أني أرجو أن يكون عذري في هذا تتميم جهد المؤلف ﵀ وفائدة القارئ، خاصة من خلال توثيق كثير من المسائل التي ظن بعض الشيعة الاثنا عشرية الذين ردوا على الشيخ ﵀ أنها لم تكن سوى «محض افتراء إذ لم ينسبها إلى كتاب معتبر» (٣) . لذا فإن من أهم مقاصد المعلق على هذا الكتاب - الذي بين يديك أخي القارئ - الدفاع عن الكتاب ومؤلفه أمام تلك الكتابات التي اتهمته بالكذب والافتراء على الطائفة تارة، وبالنصب وبغض أهل البيت تارات أخرى! فكانت النتيجة هي غمطهم حق الشيخ وقراءة هذا الكتاب بهدف الرد والطعن في المؤلف ﵀. فأرجو الله سبحانه وأسأله بفضله أن ييسر أمر من يتقبل هذه الرسالة ويطالعها بعقل، ويبحث بين أسطرها عن الحق، أو على الأقل عن عيوبه لكي يصلحها. اللهم، رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه: محمد أحمد العباد نبذة موجزة عن المؤلف ﵀: ولد المؤلف في قرية القلمون التابعة لطرابلس الشام بلبنان في سنة (١٢٨٢هـ = ١٨٦٥م)، وهاجر ﵀ من لبنان إلى القاهرة سنة (١٣١٥هـ = ١٨٩٨م) واتخذها مستقرًا له. وقد كان له أثر بالغ في شتى أقطار المسلمين، وكذلك كانت له أسفارٌ وزيارات إلى العديد من الأقطار الإسلامية، ومنها زيارته إلى الكويت حيث كانت تربطه روابطُ - آكدها رابطة العقيدة - إضافة لما تحمله الأرواح المؤتلفة من المودة والمحبة مع العديد من الشخصيات الكويتية. وهنا أدع الشيخ رشيد رضا ﵀ ليحدثنا عن بعض أحداث زيارته للكويت، فيقول (٤): «جَرَت السفينة بنا من "مسقط" ظهر يوم الاثنين، وهي - أي: السفينة - إنكليزية، تقطع في الساعة ١٢ ميلًا فقط، وفي ضحوة اليوم الثاني خرجت بنا عن محاذاة جبال عمان ودخلت في الخليج الفارسي فصرنا نرى بر فارس عن اليمين وبر العرب عن اليسار، ووقفت بنا فجر يوم الخميس في موضع من عرض البحر كان ينتظرنا فيها مركب شراعي كبير أرسله إلينا الشيخ مبارك الصباح صاحب الكويت، وكان عَلِم بأننا نصل إليه في هذا الوقت في هذه الباخرة مما كُتِبَ إليه من بُمْبَي ومسقط، فنزلنا فيه قبل طلوع الشمس فأقلع بنا والريح لينة والبحر رهو. ثم قويت الريح قليلًا في النهار فبلغ بنا الكويت قبل غروب الشمس، وكان رجال الشيخ مبارك حملوا فيه خروفين كبيرين وكثيرًا من الحلوى والمشمش والخيار فأفطرنا وتغدينا فيه. وقد استقبلنا أولاد الشيخ مبارك وبعض الوجهاء في زورق صغير خارج الميناء. أنزلني الشيخ مبارك في قصره الجديد الذي هو قصر الإمارة وتولى مؤانستي ومجالستي في عامة أوقاته في مدارسة العلم ومراجعة الكتب حتى صار له مشاركة جيدة في جميع العلوم الإسلامية، وأقمت في الكويت أسبوعًا كنت كل يوم ما عدا يوم البريد، ألقي فيه خطابًا وعظيًّا في أكبر مساجد البلد فيكتظ الجامع بالناس، وكان يحضر مجلسي كل يوم وليلة وجهاء البلد من أهل التقوى وحب العلم يسألون عما يشكل عليهم من أمر دينهم. وأما الشيخ ناصر (٥) فكان يسأل عن دقائق العلوم في العقائد والأصول والفقه وغير ذلك، على أنه لم يتلقَ عن الأساتذة (٦) فهو من مظاهر الذكاء العربي النادر» . كما كان للشيخ عبد العزيز العتيقي ﵀ (توفي عام ١٣٨٨ هـ) مراسلات مع الشيخ رشيد رضا. (٧) وكذلك له علاقة مع الشيخ المؤرخ عبد العزيز الرشيد حيث قال ﵀ عن مجلة "التوحيد": «جريدة دينية أدبية يصدرها في سنغافورة الأستاذ الفاضل الشهير الشيخ عبد العزيز الرشيد صاحب مجلة الكويت التي كان يصدرها في الكويت من قبل، والأستاذ كاتب عالم معتدل فنتمنى لصحيفته الرواج» . (٨) وقال عن مجلة (الكويت): «مجلة دينية تاريخية أدبية شهرية صدر الجزء الأول من هذه المجلة في مدينة الكويت لمحررها الأديب الفاضل الشيخ عبد العزيز الرشيد المعروف من خيرة أدباء تلك البلاد العربية العزيزة، فألفيناه وقد تناول المواضيع الإصلاحية الدينية بعناية تنم عن مشربه الحسن في الإصلاح الديني. . . فنرجو (للكويت) تقدمًا مضطردًا ورواجًا يليق بهمة وإخلاص منشئها الفاضل» . (٩) ويقول الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ﵀: «وكان لمؤلفات الإمامين الجليلين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومجلة "المنار" الغراء أكثر أثر في إنارة السبيل أمامي وإماطة الستار الذي أبصرت من خلفه الحق واضحًا فتغيرت بعده كل ما ألفته مما لا يتفق مع الدين في شيء» . (١٠) من مؤلفاته وكتبه: لقد استغرقت مجلة المنار معظم جهود الشيخ رشيد رضا، حيث كان يكتب أغلب ما ينشر في المنار، وكان لا يوقع على مقالاته، وبحوثه فيها باستثناء الافتتاحية، ويقرر هو أن كل ما كتب في المنار دون إمضاء فهو من تأليفه. وعلى صفحات المجلة استكمل التفسير الذي بدأه شيخه محمد عبده وتوقف عند الآية (١٢٥) من سورة النساء، ثم واصل التفسير حتى كانت خاتمته الحسنى التي انتهى إليها على ما علمه الخاص والعام في قول يوسف ﵇: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، ويُعدّ هذا التفسير من أجلّ التفاسير على الرغم من عدم اكتماله، وقد استخرج هذا التفسير من المجلة وطبع مستقلًا تحت عنوان تفسير المنار في ١٢ مجلدًا، وله أيضًا: محاورات المصلح والمقلد نداء للجنس اللطيف الخلافة شبهات النصارى وحجج الإسلام. السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة، وهو كتابنا هذا. مناسك الحج، وغير ذلك. وفاته: كان للشيخ رشيد رضا علاقات وثيقة في شتى أنحاء الدول العربية، خاصة مع رجالات العرب ومصلحيها، وذات يوم وهو في رحلة عودته من وداع الأمير سعود بن عبد العزيز بالسويس أصيب بنوبة قلبية توفي على إثرها في ٢٣ جمادى الأولى ١٣٥٤هـ - ٢٢ أغسطس ١٩٣٥م، وقد جاوز السبعين من العمر. وأختم الترجمة الموجزة بعبارةٍ موجزة تؤكد ما ابتدأتُ به حول الأثر العظيم والمهم للمؤلف ﵀ لصالح أمته، والعبارة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني حيث قال ﵀: «السيد محمد رشيد رضا، ﵀ له فضل كبير على العالم الإسلامي، بصورة عامة، وعلى السلفيين منهم بصورة خاصة، ويعود ذلك إلى كونه من الدعاة النادرين الذين نشروا المنهج السلفي في سائر أنحاء العالم بوساطة مجلته المنار،..» (١١) . اهـ _________ (١) وخاصة من خلال معتقد (الإمامة) التي هي الأصل الأعظم من أصولهم، وهي عندهم أعلى مراتب العبودية - بما فيها النبوة - التي يمكن لبشر أن يرتقي إليها، ولا يفوقها في المرتبة سوى مرتبة الربوبية، وهي خاصة بالرب جل وعلا، وعلى هذا الأساس - بجعل هذا المعتقد بهذه المنزلة - قالوا بكفر منكرها في الآخرة مع خلافهم في إسلامه دنيويًا! (٢) انظر: مجلة الراصد عدد: ٧٠ ربيع الثاني ١٤٣٠هـ مقالة بقلم محمد العواودة " باختصار وتصرف " (٣) كما في نظرة في كتاب السنة والشيعة للأميني وغيره (٤) انظر: مجلة المنار مج ١٦ ص ٣٩٦ بعنوان (شكر علني لأهل عمان والكويت) . (٥) يقول الشيخ عبد العزيز الرشيد رحمه في تاريخ الكويت ص٢٢٩ - ٢٣٠ عن الشيخ ناصر ابن الشيخ مبارك ﵏: «ذا تُقى وصلاح وعِفَّة ونزاهة وميلٍ شديد للعبادة حتى لقد كان يُكثر نفل الصلاة وصيام التطوع، وكانت له رغبة في العلوم والمعارف، مما تركَ الكويتيين إذا ذاكَ يَسْتَبْشِرونَ به ويتأملون به خيرًا لوطنهم. . . - إلى أن قال: - فكان بعد أن استنارت بصيرته يرى أن ابن تيمية في الحقيقة هو شيخ الإسلام وإمام الأنام وحامي حرمة الدين، توفي في صفر ١٣٣٦ هـ» . (٦) يقول الشيخ عبد العزيز الرشيد ﵀: «أما أستاذه الحقيقي فهو نفسه الطموحة، وهمته العالية التي كانت ولا تزال إذ ذاك تدفعه إلى التوسع في العلوم والمعارف والبحث والتنقيب، حتى بلغ إلى درجة لا أغالي إذا قلتُ إنه لم ينلها في الكويت من أبناء جنسه أحد..» . تاريخ الكويت ص ٢٢٨. (٧) انظر: علماء الكويت لعدنان الرومي ص ٤٣٤، وأود أن أنبه هنا إلى أنه قد وقع في هذا الكتاب تداخل بين أحداث ترجمتين لشخصين يحملان نفس الاسم، كما أنبه أيضًا إلى أن الشيخ محمد رشيد رضا ذكر هذا الاسم في مواضع من مجلة المنار منها حينما تطرق إلى أحداث الاحتفال بمبايعة أهل الحجاز لسلطان نجد الملك عبد العزيز ﵀ قال في مجلة المنار (مج ٢٦ ص ٧٠٧ - ٧١٢) ما نصه: «ثم تكلم صديقنا الشيخ عبد العزيز العتيقي، فذكر طرفًا من سيرة الأمة زمن السلف الصالح، ولزوم الاستمساك بذلك الحبل المتين، ليرجع للمسلمين ما كان لهم من عز وسؤدد» . (٨) مجلة المنار مج ٣٣ ص ٣١٩. (٩) مجلة المنار مج ٢٩ ص ٢٣٩. (١٠) مجلة الكويت لمنشئها الشيخ عبد العزيز الرشيد (٢ / ٣٣١ ط: دار القرطاس) . (١١) حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه: ١ / ٤٠٠ -، وذكر الشيخ ناصر في المصدر نفسه بعض أخطاء رشيد رضا التي يظل رغم وقوعها عالمًا كبيرًا من كبار علماء أهل السنة، ومن يتحدث عن التجديد في العصر الحديث لا بد أن يذكر مجلة المنار وصاحبها إذا كان جادًا ومنصفًا في بحثه.
अज्ञात पृष्ठ
مقدمة رسائل السنة والشيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ (الأنعام: ١٥٩)، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (الروم: ٣٠-٣٢) .
1 / 3
بَرَّأَ اللهُ ورسولَه محمدًا خاتم النبيين ﷺ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا ونهى عباده المؤمنين من هذه الأمة المحمدية وحذَّرهم أن يكونوا من المشركين الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعًا، ولكن التفرق في الدين إلى الشيع والأحزاب كالتفرق في السياسة سنة من سنن الاجتماع تابعة لدأبهم في الاتباع والابتداع.
***
تاريخ التشيع ومذاهب الشيعة
كان التشيع للخليفة الرابع علي بن أبي طالب ﵁ مبدأ تفرق هذه الأمة المحمدية في دينها وفي سياستها، وكان مبتدع أصوله يهودي اسمه عبد الله بن سبأ (١) أظهر الإسلام خداعًا للمسلمين ودعا إلى الغلو في علي كرَّم الله وجه لأجل تفريق هذه الأمة وإفساد دينها ودنياها عليها كما فعل أمثاله في النصرانية قديمًا وحديثًا، وسبب ذلك ما كان من العداوة والقتال بين قومه اليهود وبين النبي صلوات الله وسلامه عليه وكانوا هم المعتدين فيه، وقد انتهى ذلك بنصر الله تعالى لرسوله
_________
(١) نقل القمي (ت ٣٠١هـ) في كتابه المقالات والفرق ص ٢٠ أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادّعى أن عليًا أمره بذلك، وقد بُحِثت شخصية ابن سبأ بتوسع في عدة كتب منها: (عبد الله بن سبأ حقيقة لا خيال، د. سعدي مهدي الهاشمي)، (بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود، عبد الله الجميلي)، (كتاب عبد الله بن سبأ وإمامة علي ﵁، علي عبد الرحمن السلمان)
1 / 4
عليهم وإخراجهم من جواره في مدينته ودار هجرته، ثم أجلى عمر بن الخطاب الخليفة الثاني بعده من بقي منهم في أرض الحجاز.
ابتدع هذا اليهودي بدعته، وأعانه عليها آخرون من أهل ملته، أظهروا الإسلام نفاقًا ليقبل المسلمون أقوالهم الخادعة، ومنها وضع الأحاديث وغش رواة التفسير بالخرافات الإسرائيلية وغير ذلك.
بيد أن العداوة بين المسلمين واليهود لم تطل عليها الأمد؛ لأن اليهود كانوا مظلومين مُضطهدين في وطنهم القديم في البلاد المقدسة وما جاورها، وفي البلاد التي تفرقوا فيها، فلما فتح المسلمون الأمصار في الشرق والغرب رفعوا عنهم الظلم الذي أرهقهم من نصارى الروم والقوط وعاملوهم بالعدل والرحمة كالمسلمين وغيرهم فكفوا عن الكيد لهم وفضلوا سلطانهم على كل سلطان. (١)
ولكن بدعة التشيع كانت قد سرت وانتشرت في المسلمين
_________
(١) للاستزادة يُراجع كتاب: (العنصرية اليهودية وآثارها في المجتمع الإسلامي والموقف منها، للدكتور: أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي) .
1 / 5
بالدعاية السرية، وكانت أقوى الأسباب في العداوة السياسية بين كبراء الصحابة ﵃ بما كان مما يسمى في عرف هذا العصر بسوء التفاهم وحسن النية، ومن راجع أخبار واقعة الجمل في تاريخ ابن الأثير مثلًا يرى مبلغ تأثير إفساد السبئيين لذات البَيْن، وحَيْلُولَتهم بالمكر والفساد دون ما كاد يقع من الصلح (١) .
لولا أن خلف زنادقة الفرس هؤلاء السبئيين، في إدارة دعاية التفريق بين المسلمين، بالتشيع والغلو في علي وأولاده وأحفاده الطاهرين ﵃ لزال خطرها بعد ترك اليهود لزعامتها السرية، ولكن الخليفتين الجليلين أبا بكر وعمر ﵁ حاربا الفرس وتم للثاني فتح جُلّ بلادهم وثَلُّ عرش كسرى والقضاء على ديانتهم المجوسية، فأحفظ ذلك قلوب أمرائهم وزعمائهم من رجال الدين والدنيا، وليس لذي
_________
(١) راجع ص ٩٥، ٩٦، ١٠٣ من الجزء الثالث، وفي هذه الصفحة أنهم طعنوا على عليٍّ وهم الدعاة إلى القول بألوهيته. (ر)
1 / 6
العجز عن الثأر بالقوة الحربية إلا المكايد السرية، فتولى مهرة رجال الفرس أمرها وكانوا أجدر بها وأهلها، فمنهم من تولى السعي لإفساد دين العرب الذي انتصروا بتعاليمه وجمعه لكلمتهم على الفرس وغيرهم، ومنهم من تولى السعي للإفساد السياسي بتحويل الخلافة إلى العلويين، ولما لم يجدوا منهم لزهدهم في الدنيا من يواتيهم على كل عمل ولو غير مشروع في الدين حولوها إلى العباسيين، ثم صاروا يكيدون للعباسيين بما كان أغرب طرقهم فيه ما قام به البرامكة من جعل جميع إدارة ملك الرشيد الواسع وسياستهم في أيديهم، حتى تنبَّه لذلك فبطش بطشته الكبرى بهم، وكانوا قد ملكوا عليه سويداء قلبه، مع قبضهم على أزمة ملكه. (١)
وكان أذكى من فطن لدسائس البرامكة وإلحاد الشيعة الباطنية ووقف على كثير من دقائقه العلامة المحقق القاضي أبو بكر بن العربي الأندلسي كما نوَّه به في رحلته وفي كتاب العواصم والقواصم، ويليه حكيم الإسلام ابن خلدون فقد أشار إليه في مقدمة تاريخه.
_________
(١) أقول: هذا أحد الآراء والاحتمالات الواردة في تفسير ما أوقعه الخليفة العباسي هارون الرشيد من قتل للبرامكة بسبب تآمرهم الشعوبي - حسب هذا الرأي - على كيان دولته بإشاعة التهتك وتدمير الاقتصاد بل وربما الزندقة. انظر للاستزادة: تاريخ الإسلام لذهبي (١٠ / ٢٤ - ٣٠، ١٦ / ٤٧٦)، تاريخ ابن خلدون (٣/٢٧٩)، محاضرات تاريخ الأمم الاسلامية للخضري (الدولة العباسية ص ١١١) .
1 / 7
كان من تعليم غلاة الشيعة بدعة عصمة الأئمة الذين استخدموا أسماءهم وشهرتهم لترويج سياستهم، وبدعة تحريف القرآن والنقص منه بفريتهم ثم البدع المتعلقة بالقائم المنتظر محمد المهدي وكونه هو الذي يظهر القرآن التام الصحيح الذي يزعمون أن عليًّا كتبه بيده بعد وفاة النبي ﷺ. (١)
وفتحهم أبواب التأويلات لنصوصه بما لا يتفق مع شيء من قواعد اللغة، فكان قدوة سيئة لجميع المبتدعة، دع قول بعضهم بألوهية بعض أئمة أهل البيت الموروثة عند الإسماعيلية وغير الموروثة عند غيرهم من الباطنية، ثم دع كون غايتهم بعد الوصول إلى آخر درجات الدعوة الكفر الصريح كما تراه مبسوطًا في خطط المقريزي [٣ / ٤٢١ - ٤٢٤ ط: مدبولي] وغيره.
وأهم ما يجب بيانه في هذه المقدمة:
أنه كان بين من أطلق عليهم لَقَبُ الشيعة أو وَصْفُ التشيع على اختلاف تعاليمهم وعقائدهم الظاهرة والباطنة أناس من أهل السنة والجماعة وكانوا يرون أن عليًّا ﵁ أحق بالخلافة من غيره، ومنهم
_________
(١) يقول محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في " المسائل السروية " ص٨١-٨٨: «إن الخبر قد صح عن أئمتنا ﵈ أنهم قد أمروا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه إلى أن يقوم القائم فيقرئ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين»، ويقول آية الله الخراساني صاحب كتاب " الإسلام على ضوء التشيع " ص ٢٠٤: «كل إمام يحتفظ عليه - يعني القرآن - كوديعة إلهية إلى أن ظل محفوظًا عند الإمام المهدي القائم» .
وانظر بعض الروايات التي تنص على هذا المعتقد في: كتاب الإرشاد للمفيد ص٣٦٥ ط: الثالثة مؤسسة الأعلمي، تاريخ ما بعد الظهور لمحمد صادق الصدر ص ٦٣٧، ٦٣٨، يوم الخلاص لكامل سليمان ص ٣٧١، ٣٧٢.
1 / 8
من يرى أنه أفضل من سائر الصحابة أو يفضله على من دون الشيخين، ويرون أنه أحق بالخلافة من عثمان لا من أبي بكر وعمر، ولكن لم يقل أحد من هؤلاء ببطلان خلافة الثلاثة، وكان عدد هؤلاء قليلًا من السلف والخلف، ولكن السواد الأعظم من أهل السنة سلفهم وخلفهم يعتقدون أن معاوية كان باغيًا على الإمام الحق أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وإن قدر بدهائه وسياسته على تأليف قوة عظيمة له، ولكن الجمهور تأولوا له بأنه كان مجتهدًا أخطأ في اجتهاده.
والغرض من ذكر هذا أن اسم الشيعة كان يطلق على:
- بعض أهل السنة والجماعة.
- وعلى كثير من المبتدعة الذين حافظوا على أركان الإسلام الخمسة.
- وعلى فرق زنادقة الباطنية حتى إن بعض كبراء علماء الإمامية حاول جعل فرقة الشيعة ٧٣ فرقة وفسر بذلك الحديث الذي ورد بافتراق هذه الأمة إليها ليخرج أهل السنة والجماعة التي هي السواد الأعظم من أمة محمد ﷺ. (١)
_________
(١) قال الذهبي ﵀ في الميزان (١/ ٦): «فالشيعي الغالي في زمان السلف وَعُرْفِهم: هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليًا ﵁، وتَعَرَّض لِسَبِّهم.
والغالي في زماننا وعرفنا: هو الذي يُكَفِّرُ هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضًا، فهذا ضالٌّ مُعَثَّرٌ» . اهـ
وأما التفاوت الواقع بين متقدمي غلاة الشيعة وبين المتأخرين منهم فسببه حجة غريبة مفادها: أن المذهب يتطور ويتغير، فيصبح ما يعتبر عند القدامى غلوًا هو اليوم من ضروريات المذهب الشيعي! فصارت مقاييسهم تتغير من عصر إلى عصر! تبعا لتغير المذهب وتطوره! كما قال المامقاني في تنقيح المقال (٣/٢٣ ط: الحجرية): (إن القدماء - يعني من الشيعة - كانوا يعدون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب الشيعة غلوًا وارتفاعًا، وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال كما لا يخفى على من أحاط خبرًا بكلماتهم)
1 / 9
وقد انقسم الشيعة الذين يحافظون على أركان الإسلام إلى:
غلاة أطلق عليهم اسم الرافضة.
وإلى معتدلين وهو الذي خص أكثرهم باسم الزيدية لاتباعهم للإمام زيد بن علي ﵁ الذي أبى على الغلاة البراءة من أبي بكر وعمر ﵄ فرفضوه ويوجد معتدلون في غيرهم أيضًا.
ومن الغريب أن يشتبه أمر زنادقة الباطنية على كثير من مسلمي الشيعة حتى أهل العلم والذكاء منهم كالشريف الراضي المشهور باعتداله في شيعيته الذي قال:
ألبس الذل في ديار الأعادي ... وبمصر الخليفة العلوي
من أبوه أبي ومولاه مولاي ... إذا ضامني البعيد القصيّ
لف عرقي بعرقه سيد الناس ... جميعًا محمد وعلي
إن ذلي بذلك الجو عز ... وأوامي بذلك النقع ريّ (١)
فالمراد بالأعادي عنده الخلفاء العباسيون أبناء عمومته وكان الخليفة العباسي يعامله معاملة الأقران حتى إنه كان يفتخر عليه
_________
(١) قال ابن الجوزي في المنتظم (٧ / ٢٨١): «لما كتب أصحاب الأخبار بهذه إلى القادر، غاظه أمرها، واستدعى القاضي أبا بكر محمد بن الطيب، وأنفذه إلى الشريف الطاهر أبي أحمد برسالة في هذا المعنى، فقال القاضي أبو بكر في الرسالة: «قد علمت موضعك منا ومنزلتك عندنا..، وقد بلغنا أنه - يعني الشريف الرضي - قال شعرًا هو كذا، فيا ليت شعرنا على أي مُقامِ ذُلٍّ أقام، وما الذي دعاه إلى هذا المقال، وهو ناظر في النقابة والحج فيما في أجل الأعمال وأقصاها علوًا في المنزلة..»
ثم استدعى الشريف ابنيه المرتضى والرضي، وعاتب الرضي العتاب المستوفي.
فقال له: ما قلت هذه الأبيات ولا أعرفها، فقال له: إذا كنت تنكرها فاكتب خطك للخليفة بمثل ما كنت كتبت به في أمر صاحب مصر، واذكره بما أذكره به من الادعاء في نسبه.
فقال: لا أفعل، فقال له: كأنك تكذبني بالامتناع عن مثل قولي.
قال: ما أكذبك، ولكني أخاف الديلم ومن للرجل من الدعاة بهذه البلاد، فقال: يال العجب! تخاف من هو منك على بلاد بعيدة وتراقبه، وتُسخط من أنت بمرأى منه ومسمع وهو قادر عليك وعلى أهلك!
وتردد القول بينهما حتى غلط الرضي في الجواب ... وآل الأمر إلى إنفاذ القاضي أبي بكر وأبي حامد الاسفرائيني، وأخذا اليمين على الرضي أنه لم يقل الشعر المنسوب إليه، ولا يعرفه واندرجت القصة على هذا» .
1 / 10
مخاطبًا له بمثل الأبيات التي أنشدها الخليفة القادر بالله في آخر قصيدة يمدحه بها:
مهلًا أمير المؤمنين فإننا ... في دوحة العلياء لا نتفرق
ما بيننا يوم الفخار تفاوت ... أبدًا كلانا في المفاخر معرق
إلا الخلافة ميزتك فإنني ... أنا عاطل منها وأنت مطوّق
فلهذا الاختلاط ترى في تراجم المحدثين والعلماء والأدباء والشعراء أسماء رجال كثيرين وصفوا بالتشيع؛ إذ كان هذا الوصف يطلق كثيرًا على من عرفوا بالمبالغة في حب آل البيت النبوي ﵈ ومدحهم وذم الظالمين لهم، وإن لم يكن أحد منهم على مذهب أحد من الشيعة المعتدلين كالزيدية ولا روافض الإمامية، فضلًا عن كونهم من زنادقة الباطنية، بل منهم المجتهد المستقل والمنسوب لأحد مذاهب أهل السنة.
والشيعة الإمامية منهم معتدلون قريبون من الزيدية،
1 / 11
ومنهم غلاة قريبون من الباطنية، وهم الذين لقحوا ببعض تعاليمهم الإلحادية، كالقول بتحريف القرآن وكتمان بعض آياته، وأغربها في زعمهم سورة خاصة بأهل البيت يتناقلونها بينهم حتى كتب إلينا سائح سني مرة أنه سمع بعض خطبائهم في بلد من بلاد إيران يقرؤها يوم الجمعة على المنبر وقد نقلها عنهم بعض دعاة النصرانية (المبشرين) . (١)
فهؤلاء الإمامية الاثني عشرية ويلقبون بالجعفرية درجات، وينقسم جمهورهم إلى أصوليين وإخباريين:
فالأصوليون: هم الذين يعرضون ما يروى من أخبار الأئمة على أصول وضعها المتقدمون فينقلون منها ما وافقها ويردون ما خالفها.
والإخباريون: هم الذين يتلقون جميع تلك الأخبار بالقبول، وإن خالفت المعقول، وما عند أهل السنة والجماعة من المنقول، وهدمت الفروع مع الأصول.
وحدث في المتأخرين
_________
(١) وكذلك فعل قديمًا دعاة النصرانية في أزمان متقدمة كما ذكر ذلك ابن حزم ﵀ في الفِصل رادًا على من استند من النصارى على قول أولئك العلماء في مذهب الإمامية في تحريف القرآن على المسلمين. انظر: الفِصل في الملل والنِّحَل ٢ / ٢١٣.
1 / 12
منهم مذاهب أخرى كالكشفية (١)
، ولهم في الدين فلسفة غريبة، ويرد عليهم الشهاب الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) .
ولهذا الاستعداد في الإمامية للغلو وقرب الكثيرين منهم من زندقة الباطنية ظهرت منهم وراجت فيهم بدعة البابية ثم البهائية الذين يقولون بألوهية البهاء ونسخه لدين الإسلام وإبطاله لجميع مذاهبه.
وقد نقل الإمام (المقبلي) في العلم الشامخ (٢) عن بعض العلماء أنه قال:
ائتني بزيدي صغير أُخْرِج لك منه رافضيًّا كبيرًا، وائتني برافضي صغير أخرج لك منه زنديقًا كبيرًا، قال: يريد أن مذهب الزيدية يجر إلى الرفض، والرفض يجر إلى الزندقة. اهـ (٣)
والمقبلي سلم هذا في أفرادٍ من الزيدية رَدَّ عليهم، لا في جملتهم.
***
_________
(١) أصل هذه الفرقة (الكشفية) هو أن الشيخ أحمد الأحسائي من شيوخ الاثنا عشرية (المتوفى سنة ١٢٤١هــ) أنشأ فرقة عرفت فيما بعد بالشيخيَّة، ثم جاء تلميذة كاظم الرشتي (المتوفى سنة ١٢٥٩هـ) فأنشأ فرقة الكشفية، وقال الشيخ المؤلف ﵀ في مجلة المنار (مج ١٧ ص ٢٢٤): «ما أفسد دين الشيخ أحمد الأحسائي وأصحابه وأثار في أدمغتهم هذه الخيالات إلا التشبع بما أثروه عن فرق الباطنية، وما رأوه من إقرار الناس لبعض زعماء الباطنية بالإمامة ولبعضهم بالألوهية، وعلمهم بأن أهل زمنهم أجدر من المتقدمين بالتقليد، للإعراض عن القرآن والسنة والجهل بهما وبلغتهما، ولما كان قبل من التمهيد. والظاهر أن كلا من الإحسائي والرشتي والكرماني كان يطمع أن يكون في شيعة العراق والفرس، كإمام بل إله الإسماعيلية في الهند، ولكن كان منتهى شوط أباطيلهم التمهيد للباب ثم للبهاء، اللذين كانا دونهم في الفلسفة والفصاحة والذكاء، وما سبب رواج كفر الباطنية وشركهم المخترع - على اختلاف فرقهم من إسماعيلية ودروز ونصيرية وبكداشية وبابية وبهائية - إلا الغلو في تعظيم آل البيت (وكذا غيرهم من العلماء والصالحين)، والتقليد في الدين، فهذان السببان هما اللذان أعدا الأذهان لقبول هذا الكفر والطغيان، ولما كانت فرقة الشيعة الإمامية أشد غلوًّا من سائر فرق المسلمين في تعظيم آل البيت جعلها واضعو هذه الأضاليل مباءة لها، وسلمًا لمقاصدهم منها» .
ولكل من هذه الفرق صراع مرير مع بقية المرجعيات لا يكاد ينتهي. انظر: الشيخية نشأتها وتطورها ومصادر دراستها - محمد الطالقاني، أصول مذهب الشيعة للقفاري ١/١٣٦.
(٢) قال الشيخ المؤلف ﵀ في مجلة المنار ١٦ / ٦٥: «الشيخ صالح مهدي المقبلي المتوفى سنة ١١٠٨، وكان في الأصل على مذهب الزيدية ولكنه قرأ كتب الكلام والأصول وعرف مذاهب الفرق كلها وكتب التفسير والحديث وسائر العلوم، وطلب بذلك الحق ومرضاة الله تعالى، فانتهى به ذلك إلى ترك التمذهب وقبول الحق الذي يقوم عليه الدليل، وقد شهد له الإمام الشوكاني بالاجتهاد المطلق، وهو يشرح في هذا الكتاب أمهات المسائل التي وقع الخلاف فيها بين المذاهب الشهيرة كالأشعرية والمعتزلة وأهل السنة والشيعة الزيدية والإمامية وكذا الصوفية. ويبين ما يظهر له أنه هو الحق ولا يتعصب لمذهب على مذهب، وهذا هو مراده الذي يدل عليه اسم كتابه.
فيخالف كل مذهب من المذاهب في بعض المسائل، وإن لم يخرج عن مجموعها في شيء، وهو شديد الحملة على ما يعتقد بطلانه، قوي الإنكار لا يتحامى التشنيع والنبذ بالألقاب المنكرة. . .» .
(٣) جاء في مجلة المنار ١٦ / ٧٤٥ ضمن مقالة للعلامة جمال الدين القاسمي ﵀ يقول فيها عن الزيدية: «هم إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الرافضة؛ لأنهم ينازعون الرافضة في إمامة الشيخين وعدلهما وموالاتهما، وينازعون أهل السنة في فضلهما على علي، والنزاع الأول أعظم، ولكن هم المرقاة التي تصعد منه الرافضة، فهم لهم باب» .
1 / 13
سعينا للتأليف بين أهل السنة والشيعة
كان من قواعد الإصلاح التي وضعها حكيم الإسلام في هذا العصر وموقظ الشرق السيد جمال الدين الأفغاني رحمه الله تعالى وجوب السعي لجميع المسلمين والتأليف بين فِرَقهم التي يجمعها الإيمان بالقرآن المجيد المعصوم ورسالة محمد خاتم النبيين ﷺ، والاستعانة على ذلك بالسياسة التي كانت السبب الأول لهذا التفرق الذي ألبس بعد ذلك لباس الدين، ولكن كما يلبس الفرو مقلوبًا (١)، فكانت سبب ضعف جميع الفرق، ومن أهم أسباب ضعفهم وسلب الأجانب لملكهم.
ولا أعرف أحدًا عُني بعد السيد المصلح ﵀ بهذا السعي كما عُنِيَ به هذا العاجز (منشئ المنار) في أسفاره ومقامه في هذه البلاد الحرة أدام الله عمرانها، وأتم لها استقلالها،
_________
(١) هذا التشبيه مروي عن أمير المؤمنين علي كرَّم الله وجهه. (ر)
1 / 14
وفي المنار كثير من الدلائل والشواهد على هذا، منها تقريظ له من أحد علماء الشيعة الفضلاء في سورية نشر في الجزء الثاني من مجلده السابع الذي صدر في ١٦المحرم سنة ١٣٢٢ ص ٦٦ - ٦٨ كتم اسمه في ذلك الوقت لتشديد الدولة في منع المنار من بلادها وعقاب من يوجد عنده، ومما قال في المنار:
***
أقوال العلماء الشيعة وساستهم في المنار وصاحبه حسنة هذه الأيام، ونتيجة سعد هذا الدور (منار الإسلام) بل الساطع في كافة الأنام، والماحي بلألائه حنادس الظلام، ولا بدع إذا انبثق من فرع زيتونة يكاد زيتها يضيء ولو لم يمسسه نار، وغصن شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ومن طابت أرومته، وزكت جرثومته فهو الجدير بأن يحلو جناه، وتعرب عن طيب أصله أقواله وسجاياه.
ومما استعذبته منه - وكله عذب سائغ - تأليفكم بين فرق
1 / 15
الإسلام ورفع الوحشة التي نشأت عليها أحداث الأمة في الأعصر الأواخر وفشت بين العامة والخاصة حتى فتت في عضد الاجتماع وحلت عرى الارتباط..» إلخ.
ثم قال في آخره: «وحقيق بحملة العلم في كل قطر أن ترفع أيدي الابتهال إلى ذي العزة والجلال بالدعاء لكم بدوام التأييد والمجد، والتوفيق لنصر الدين وإيضاح الحق ودَحْض الباطل وإرشاد الضال، وجمع الكلمة وإحكام الألفة بين المسلمين إنه على ذلك قدير بالإجابة جدير، آمين آمين» .
ولما أعلن الشاه مظفر الدين حكومة الشورى النيابية في إيران نوَّهْنَا بعمله في (م٧، ٨ من المنار) وفضلناه بها على سائر ملوك المسلمين، وإن عارض ذلك بعض علمائهم المتعصبين الجامدين (١)
، إذ بيَّنا أن حكومة الشورى هي حكومة القرآن، فإذا نفذتها حكومة إيران تكون هي الحكومة الإسلامية الوحيدة.
ثم نشرنا في ج١٢م٩ رسالة جاءتنا من طهران فيما كان من تأثير ما كتبه المنار في تلك العاصمة ذكر فيها مرسلها
_________
(١) للاستزادة حول تلك الحقبة انظر ما كتبه طلال مجذوب في كتاب "إيران من الثورة الدستورية إلى الثورة الإسلامية" ص ٨٠، وكذلك ما كتبه الشيعي أحمد الكاتب في المبحث السادس من الفصل الثالث في كتابه "تطور الفكر السياسي الشيعي ".
وقد ذكر الأخير - أعني أحمد الكاتب - أن الفكر السياسي الشيعي في هذه المرحلة كان أكثر واقعية وتطلعا نحو الأفضل بعد تخليه عن نظرية (الإمامة الإلهية) المثالية التي لم يكن لها وجود في الخارج، ورفضه لوليدتها ولازمتها وهي: نظرية (الانتظار للإمام الغائب) مما فتح الطريق أمام الأخذ بالنظام الشوري.
1 / 16
أن الجرائد الفارسية ترجمت مقالتنا (الشورى في بلاد إيران) فاعترض عليها سفير الدولة العثمانية الأمير شمس الدين بك وكتب بذلك إلى وزير الخارجية (علاء السلطنة) كتابًا أغلظ فيه، وزعم أن ما نقلته الجرائد عن المنار أسباب يلقيها أعداء الدولة لإيقاع النفاق بين الدولتين، وإحداث الشقاق بين الفريقين إلخ، وذكر أن وزير خارجية إيران أجاب السفير التركي بأن كاتب المقالة ليس من رعيتهم حتى يؤاخذوه ... إلخ.
ومما قاله صاحب هذه الرسالة في أولها: إن أول من ترجم مقالة المنار هو ذكاء الملك في جريدته (تربيت) فنبه علماء الفرس وسواسهم وذكر لهم بعد الترجمة (أن منزلة ومقام حضرة حكيم الإسلام وفيلسوفه السيد محمد رشيد رضا عند جميع أهل الأقطار من المسلمين وخصوصًا العرب الكرام بمنزلة مائة عالم مجتهد من أهل التشيع، فاغتنموا الفرص وفكروا أيها السواس في مقالة هذا الحبر واقرءوها على المنابر وفي المعابر) .
1 / 17
وذكر صاحب الرسالة أن صاحب جريدة (مجلس) نقل الترجمة وما قالته جريدة (تربيت) في جريدته، وإنها جريدة يقرؤها في طهران وسائر إيران الكبير والصغير والذكر والأنثى، وإن مديرها السيد محمد صادق نجل السيد محمد الطباطبائي المجتهد الشهير.
وذكر أيضًا أنه حضر في إثر ذلك مجلسًا غاصًّا بطلاب العلوم الدينية في طهران فتذاكروا في المسألة وما جرى بين السفير التركي ووزير خارجيتهم فقام أحدهم خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه وكان مما قاله:
(انفتحت علينا أوربة وأتانا أهلها من كل حَدَب ينسلون: هذا تاجر وهذا سائح وهذا حكيم والآخر داعٍ إلى دينه والقصد من الكل ابتلاعنا معاشر أهل الإسلام، فإن تيقظتم وإلا فأنتم صبوحهم ونحن غبوقهم لا سمح الله بذلك.
أيها الترك! تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، ولا نتخذ المستبدين أربابًا من دون الله طاعتهم كطاعته ومعصيتهم كمعصيته، بل نجادلهم بالسيف
1 / 18
والسنان، والقلب واللسان، فإن توليتم فنشهدكم بأنا مسلمون ونبرأ إلى الله من المستبدين الخائنين، ومستمسكون بقوله عز من قائل في وصف المؤمنين: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: ٣٨) وهم الذين قال فيهم: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: ٤١]» . اهـ
هذا مثال مما كنا ندعو إليه ونسعى له سعيه من جمع كلمة المسلمين، وتأييد المحسنين منهم وتفنيد المسيئين، ولا نزال كذلك إن شاء الله تعالى حتى يأتينا اليقين، ولكن هذا الذي أرضى عنا جماعة المسلمين المنصفين، قد أغضب علينا المتعصبين المفرقين، وإنما اشتد علينا غضبهم في هذه السنين، بعد أن أظهر الله تعالى دولة السنة باستيلاء إمامها عبد العزيز آل سعود على مهد الإسلام، وقيامه بإحياء السنن، وهدم مباني البدع، فأيدناه ودافعنا عنه كما يجب علينا شرعًا، وكما شرعنا من قبل في تأييد دولة الشاه مظفر الدين الشيعية فيما كنا ندعو إليه الدولة العثمانية،
1 / 19
من إقامة حكومة الشورى الإسلامية، على ما بين الحكومتين من البَوْن البَيِّن، وما بين الشعبين من الفرقان المبين وليس بهين، فكان خصومنا في تأييد دولة السنة فريقين: دعاة الإلحاد وغلاة الروافض.
***
تعصب صاحب مجلة العرفان
للشيعة مجلة عربية اسمها (العرفان) كنا نَعُدُّ صاحبها من المعتدلين ونحسبه من أصدقائنا وأعواننا على جمع كلمة المسلمين، على ما نرى من احتذائه في تأييد مذهبه وأهل فرقته الإمامية، حذو مجلة المشرق اليسوعية في تأييد الكاثوليكية، وقد كان كتب إلينا في ٣٠ رمضان سنة ١٩٢٧ رسالة ينكر فيها ما عزوناه إلى الشيعة من إباحة الجمع بين تسع نسوة (١)، واستطرد فيها إلى الطعن في رسالة عالم من ثقات العلماء أرسلها إلينا من بغداد ذكر فيها بثَّ الشيعة لمذهبهم في بدو العراق، وهي الرسالة التي ذكرت في الفصل الأول من مقصد رسالتنا هذه، ولكنه
_________
(١) لم أقف على إباحة ذلك في النكاح العادي المعروف مطلقًا بل إن الأقوال في كتب الشيعة الاثنا عشرية بخلاف ذلك، ولعل الأمر قد التبس على البعض بسبب كون الشيعة الاثنا عشرية يرون إباحة نكاح المتعة بأكثر من أربع، فيروون عن أبي بصير قال: سئل أبا عبد الله (ع) عن المتعة أهي من الأربع؟ فقال: «لا. ولا من السبعين!»، ويروون عن زرارة عن أبي عبد الله ﵇ قال: ذكرت له المتعة، أهي من الأربع؟ فقال: «تزوج منهن ألفًا فإنهن مستأجرات» . انظر: الفروع من الكافي ٢/٤٣، التهذيب ٢/١٨٨، الاستبصار ٣/١٤٧.
1 / 20
على شدة لهجته في الإنكار، لم يكن قد بلغ من شدة التعصب ما بلغه في هذه الأعوام، بل كان متحليًا بشيء يعتد به من الأدب والإنصاف، فقد افتتح رسالته بقوله:
(كتابي إلى مولاي الأستاذ الحكيم، بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كتاب معجب بما له من الأيادي البيضاء في إصلاح الأمة ورفع (منار) الإسلام وإرشاد المسلمين إلى الطريق الأقوم والصراط السوي، بيد أني أعتقد أنه لا بد لجواد أن يكبو، وللصارم أن ينبو) .
ثم ذكر المسألة التي أنكرها، وأحسن ما قاله في هذه الرسالة إنكاره نقل المخالف في المذهب، ووجوب أخذ أقوال كل طائفة من كتبها دون كتب المخالفين لها، وقوله في ذلك:
(فإني رأيت كثيرًا ما ينسب السنة إلى الشيعة ما يتبرءون منه وما لم يوجد في كتبهم المعتبرة، وكذلك يفعل علماء الشيعة، وخذ لذلك مثالًا ما ينسبه أكثر المسلمين إلى الوهابية من المقالات الشنيعة والاعتقادات الفاسدة، ولو راجعنا كتبهم لألفيناهم
1 / 21