كيفية التعامل مع الأدلة الشرعية بعض الناس لا يحسن التعامل مع النصوص الشرعية، فقبل أن تصدر حكمًا شرعيًا لابد أن تجمع في المسألة كل النصوص، لا أن تأتي بدليل واحد، فتجمع كل النصوص، وإن ظهر التعارض بين بعضها فتحاول أن توفق وتجمع بينها، فإن استحال الجمع نظرنا إلى الناسخ والمنسوخ، ثم نلجأ إلى الترجيح، فالتعامل مع الأدلة الشرعية يكون على خطوات. ١ - جمع الأدلة. ٢ - محاولة الجمع والتوفيق. والشيخ الشنقيطي ﵀ صاحب كتاب أضواء البيان له كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، مثل قوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا﴾ [الجمعة:٩]، والنبي ﷺ يقول: (إذا أقيمت الصلاة فأتوها وأنت تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون). فالنبي ﷺ نهى عن السعي والآية تأمرنا بالسعي، فقال العلماء: السعي في الآية يختلف عن السعي في الحديث، إذ السعي في الآية معناه: جمع الهمة، يعني: اترك التجارة واجعل همك الصلاة، والسعي في الحديث معناه: إسراع الخطا، وكقول ربنا ﷿: ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد:١]، وفي موضع آخر قال: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ﴾ [التين:١ - ٣]، ففي الموضع الأول قال: لا أقسم، وفي الثاني قال: وهذا البلد، فلا أقسم الأولى يعني: أقسم. فهذه الآيات والأحاديث ظاهرها التعارض، وهي بحاجة إلى جمع وإلى توفيق، وكثير من العلماء جمعوا بين ما ظاهره التعارض؛ لأنه يستحيل أن تتعارض آيات ربنا ﷿، وعلينا أن نتهم أنفسنا بعدم الفهم لا أن نتهم الأدلة بالتعارض أو بالبطلان، كما رد الدكتور مصطفى محمود حديث البخاري الذي فيه أن موسى فقأ عين ملك الموت، وقال: أنا لا أقبل هذا الحديث، وكذب البخاري وكذب الرواة وكذب الدنيا كلها وطعن في الصحيح؛ لأنه لم يفهم الحديث، وكان عليه أن يتهم فهمه قبل أن يتهم البخاري بالكذب. وهذا الحديث له معان، منها: أن ملك الموت جاء إلى موسى وتسلق الجدار فدخل بدون إذن في صورة بشرية، ويجوز لك في الشرع إذا دخل عليك الدار أحد دون أن يستأذن ونظر في بيتك أن تفقأ عينه، ثم لما عرف أنه ملك الموت اختار الموت. ففقه الحديث مهم. وهناك الآن مدرسة تسمى بالمدرسة العقلانية، وهناك أعلام من العلماء يتبعون هذه المدرسة، وهذه المدرسة تقول: نعرض الحديث على العقل، فإن قبله العقل قبلناه، وإن رفضه العقل رد، حتى وإن كان في الصحيح. فنقول لهم: اتقوا الله في سنة رسول الله ﵊. وفي مسألة الشفاعة هناك آيات أثبتت الشفاعة وآيات نفتها، فعلينا أن نوفق بينها، فإن استحال التوفيق، فالنسخ، فإن لم نجد نسخًا عملنا بالترجيح، ويرجح بأكثر من مائة مرجح كما عند علماء الأصول، منها: أن ما رواه البخاري ومسلم مقدم على ما انفرد به البخاري، وما رواه البخاري مقدم على ما رواه مسلم، والدليل القولي مقدم على الدليل الفعلي، والمثبت مقدم على النافي، وغيرها من القواعد المعمول بها عند العلماء. فالمسألة ليست حسابات بسيطة، بل هي مسألة علماء، فهناك آيات قالت: إن هناك شفاعة، كقول ربنا ﷿: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء:٢٨]. وكقول ربنا ﷿: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم:٨٧]. وقول ربنا ﷿: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة:٢٥٥]. فهذه تثبت الشفاعة بشروط. وهناك آيات نفت الشفاعة، كقوله تعالى: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر:١٨]. فـ (حميم) يعني: صديق، وفي قول ربنا ﷿: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدثر:٤٨]. والتوفيق موجود هنا ومعمول به ومقر؛ لأن الأدلة من السنة تبين هذا المعنى، فالشفاعة المنفية في القرآن هي الشفاعة للمشركين والكفار، فقوله: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ﴾ [غافر:١٨] يعني: ما للكافرين، فالظلم أحيانًا يأتي بمعنى الكفر، وهناك ألفاظ في القرآن لكل لفظ منها أكثر من عشرة معان، مثل: لفظ النكاح، يأتي بمعنى عقد الزواج، وبمعنى البناء، وبمعنى بلوغ الرشد. ففي قول ربنا: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء:٦] النكاح هنا المقصود به الرشد، وفي قول ربنا سبحانه: ﴿وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء:٢٢] المقصود به العقد، فإن عقد الأب على المرأة يحرمها على الابن حتى وإن