226

Lessons of Sheikh Mohammed Al-Duwish

دروس الشيخ محمد الدويش

शैलियों

أنه لا يطغى عليه خلق فيخرجه عن الحق فيه
الجانب الثاني: إن الكثير من البشر حين يُرزق خلقًا فإنه أحيانًا قد يطغى عليه في مواقف كثيرة ويخرجه عن الحق، خذ مثلًا من رزق الرحمة، وصار صاحب قلب رحيم يتحدث الناس عن رحمته، لا شك أنه يفعل خيرًا كثيرًا ويحسن للناس ويرق قلبه لما يراه من أحوال الناس، لكن ألا ترى أن هذا الرجل قد يأتي موطن يتطلب منه سوى ذلك فلا يستطيع فتغلبه تلك الشفقة والرحمة فتخرجه عن الحق.
وقل مثل ذلك فيمن رزق السخاء والجود فصار لا يطيق أن يمسك مالًا يرى الناس يحتاجون إليه، ألا ترى أنه قد يتحول ذلك أحيانًا إلى ترف وتبذير للمال في غير محله؟ أو ذاك الذي رُزق الشجاعة فصار الناس يغدون ويروحون بالحديث عن أخبار شجاعته وبطولاته، ألا ترى أن هذه الشجاعة تتحول إلى باب من أبواب التهور؟ أو قل على الأقل قد تخرجه عن الحق في موقف من المواقف وموطن من المواطن.
أما النبي ﷺ فلا، إنه ﷺ الذي لا يرد سائلًا والذي لا يرد شافعًا، إنه الرحيم ﷺ بأمته، بل لا يبلغ أحد رحمته ﷺ، وهو ﷺ الذي يقبل شفاعة الأمة وشفاعة العبد، وشفاعة الصغير والكبير، وهو الذي يرحم الصغير والكبير، ها هو ﷺ في موقف يتطلب منه الحق خلاف ما قد يسلكه بعض الرحماء، فنرى منه ﷺ أن هذه الرحمة وأن هذا التقدير للناس وقبول شفاعتهم لم يخرجه ﷺ عن الحق، إنه ﷺ الذي يقبل شفاعة الأمة ويأتي يكلم زوجها، يأتي ﷺ يشفع لرقيق من الأرقاء لدى أسياده.
بل يأمر ﷺ أصحابه أن يشفعوا فيقول: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)، حين سرقت امرأة في مكة ذات جاه، وثقل على الناس أن تُقطع يدها أرادوا أن يشفعوا لدى النبي ﷺ فقالوا: من يتجرأ عليه ﷺ إلا أسامة حبه ﷺ وابن حبه، فجاء أسامة إلى النبي ﷺ فغضب النبي ﷺ وقال: (أتشفع في حد من حدود الله) ثم قام ﷺ فصعد المنبر فقال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
إنها فاطمة ﵂ التي يؤلم النبي ﷺ ما يؤلمها، والتي كان من شأن النبي ﷺ حين حدث أنه ستكون لها ضرة ما كان من شأنه ﷺ، ومع ذلك لو أنها سرقت لقطع ﷺ يدها، ويرد النبي ﷺ شفاعة أسامة وهو حبه وابن حبه ويغضب ﷺ لهذا الموقف.
وهكذا فإنه ما من خلق يُمدح به النبي ﷺ إلا وتراه تحت دائرة الحق لا يخرجه عن الحق، وهذا أمر ينبغي لأولئك الذين طُبعوا وجُبلوا على خلق كريم أن يضبطوا أنفسهم بهذا الضابط، وألا يخرجهم هذا الخلق عن حدود الشرع، إن من جبله الله على الحياء، أو على الكرم، أو على الشجاعة، أو على الجود، أو على الصبر، أو على هذا الخلق وذاك ينبغي أن ينظر لنفسه مرارًا، أن يكون هذا الخلق داخل دائرة ما يرضي الله ﵎، فإذا شعر أنه سيخرجه عن الحق فإنه حينئذ يصبح خلقًا مذمومًا.

8 / 12