Lessons by Sheikh Yasser Burhami
دروس للشيخ ياسر برهامي
शैलियों
جهود إبراهيم ﵇ في دعوة أبيه إلى الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﵌.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: فيقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم:٤١ - ٥٠].
فإذا اتخذت إلى الله ﷾ سبيل الأنبياء والدعوة إلى الله ﷿، فلا بد وأن تكون سائرًا بطريقتهم وعلى منهاجهم، ومستعدًا لعدم قبول دعوتك؛ فإن القلوب لا يملكها إلا الله، فهذا الخليل إبراهيم ﵇ استعمل أرفع الأساليب، واستعمل الحجج العقلية، والمؤثرات الوجدانية التي تربط بين الابن وأبيه، وأحسن الأدب مع أبيه، وترفق به أعظم ترفق، وترقق له وأحسن إليه، وأبوه آزر يصد عن ذلك كله، وقلبه مغلق لم ينفتح لأي حجة عقلية، كما في قوله: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم:٤٢].
ولا لوجدانية عاطفية لما قال له: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [مريم:٤٥]، يذكره برحمة الله، ويخوفه من عقاب الله، يرجيه ويخوفه ومع ذلك لا يتذكر، يخوفه من عاقبة طاعته للشيطان وعبادته له، وألا يقترب منه فيكون له وليًا، وبذلك يشقى الشقاء الذي لا سعادة معه ولا بعده أبدًا.
إن القلوب بيد الله ﷾ يقلبها كيف يشاء، كما قال النبي ﷺ: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فأيما قلب يريد أن يقيمه أقامه، وأيما قلب يريد أن يزيغه أزاغه).
فليس بالضرورة أن تظهر ثمرة الدعوة في استجابة المدعو مباشرة، ولا حتى بعد حين، ولو كان حتى من الأقربين، فالنور الذي عند إبراهيم ﵇ يكفي لهداية البشرية، وقد امتد نوره عبر الزمان والمكان، وانتشرت دعوة التوحيد التي جعلها الله ﷿ منسوبة إليه، ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل:١٢٣] ومع ذلك لم يصل هذا النور إلى قلب أبيه، ولله ﷾ الحكمة البالغة في ذلك، وكم من حكمة بالغة في عدم إيمان أبي إبراهيم؛ وذلك ليعلم العباد أن الله ﷿ يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
1 / 2