Lessons by Sheikh Muhammad Hassan
دروس للشيخ محمد حسان
शैलियों
فضل الدعاء من القرآن والسنة
والله لو لم يكن في فضل الدعاء من القرآن إلا آية سورة البقرة لكفى بها فضلًا ورحمة، ألا وهي قول الله جل وعلا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:١٨٦] إن هذه الآية -أيها الأحبة- آية عجيبة تسكب في قلب المؤمن اليقين والثقة، ويعيش منها المؤمن في جناب رضا الله عنه، وفي ود مؤنس، وفي حالة من الأمن والأمان، والسكينة والهدوء والاطمئنان.
وفي هذه الآية لفتة عجيبة ينبغي أن ننتبه وأن نلتفت إليها: أولًا: ما سئل النبي ﷺ عن سؤال إلا وكان الجواب من الله تعالى على رسوله ﷺ بقوله جل وعلا: قل يا محمد كذا وكذا قال الله: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة:١٨٩] ﴿وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة:٢١٩] ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة:٢١٧] ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً﴾ [البقرة:٢٢٢] ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال:١] ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب:٦٣] إلا في هذه الآية، فلم يقل ربنا جل وعلا لنبيه ﷺ: وإذا سألك عبادي عني فقل، لا والله، وإنما تولى الله جل وعلا بذاته العلية الإجابة على عباده، فقال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة:١٨٦] ولم يقل: قل: يا محمد إني قريب، لماذا؟ حتى لا تكون هناك واسطة بين العبد وبين الله جل وعلا، ولو كانت هذه الواسطة هي رسول الله ﷺ، لا واسطة بين العبد وبين الله، ادع الله جل وعلا في أي وقت شئت، ارفع أكف الضراعة إلى الله، لا تسأل نبيًا ولا تسأل وليًا، وإنما سل الله الواحد القهار، ارفع أكف الضراعة إليه في أي وقت شئت، بل وفي أي مكان شئت، لترى الله جل وعلا سميعًا بصيرًا مجيب الدعاء.
: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة:١٨٦] لا سؤال إلا منه، ولا طلب إلا منه، ولا رجاء إلا فيه، ولا توكل إلا عليه، ولا تفويض إلا إليه، ولا استعانة إلا به، ولا استغاثة إلا به، ولا ذبح إلا له، ولا نذر إلا له، ولا حلف إلا به، ولا طواف إلا ببيته جل وعلا، فلتكن عقيدتك وليكن توحيدك وإيمانك، أن ترفع إلى الله أكف الضراعة، بقولك: اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين، ومن الرهبة إلا لجلالك العظيم: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله).
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
: (من لم يسأل الله يغضب عليه) والحديث رواه الترمذي وغيره، وهو حديث حسن، وحسنه شيخنا الألباني في صحيح الجامع.
الله أكبر! الله يريد منك أن تتذلل إليه، وأن تعلن عجزك وفقرك وحاجتك، وأن تلجأ إلى الله الغني القوي العزيز الحكيم؛ لأن: (الدعاء هو العبادة) والحديث صحيح صححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث النعمان بن بشير أنه ﷺ قال: (الدعاء هو العبادة) لأن الدعاء تذلل إلى الله، تضرع إلى الله، أن تلقي بحاجتك عند الله جل وعلا، وأن تسأل الله حاجتك: (الدعاء هو العبادة) بل: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) أسمعتم يا عباد الله؟! والحديث رواه أحمد ورواه الإمام البخاري في الأدب المفرد، وهو حديث صحيح.
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
لأنه الفقير وإن كان غنيًا؛ العاجز وإن كان في عرف الناس قويًا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر:١٥ - ١٧].
أيها الإنسان! ما غناك إلى جوار غنى الله؟ ما قوتك إلى جوار قوة الله؟ ما عزك إلى جوار عز العزيز الحكيم؟ ما سلطانك وما ملكك إلى جوار ملك الملوك جل وعلا؟ أيها الإنسان! اعلم بأنك الفقير إلى الله: ﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الانفطار:٦ - ٧] ذلكم هو الدعاء (إن الدعاء هو العبادة) (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء).
واسمعوا معي إلى هذا الحديث الذي يسكب الود والأمن والطمأنينة في قلوب المؤمنين سكبًا، يقول النبي ﷺ والحديث رواه أحمد وأبو داود، وحسنه شيخنا الألباني في صحيح الجامع أن النبي ﷺ قال: (إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين) الله يستحي منك وأنت لا تستحي من الله؟! لا إله إلا الله! فارفع أكف الضراعة إلى الله جل وعلا، وقل لربك وخالقك ورازقك:
بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر ضعيفًا يحتمي بحماكا
إني ضعيف أستعين على قوى ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوب ما لها من غافر إلاكا
دنياي غرتني وعفوك غرني ما حيلتي في هذه أو ذاكا
رباه قلب تائب ناجاكا حاشاك ترفض تائبًا حاشاكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
الجأ إلى الله جل وعلا، واعلم بأن الله سميع قريب يجيب الدعاء، يسمع دبيب النملة السوداء، تحت الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة:١] تقول أمنا عائشة ﵂: [والله لقد كنت في جانب الغرفة فما سمعت حوار المجادلة، وسمعه الله من فوق سبع سماوات] نعم إنه السميع القريب المجيب: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة:١] ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه:٤٣] خطاب الله إلى موسى وهارون: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:٤٣ - ٤٦].
الله جل وعلا يسمع، الله جل وعلا يرى، الله جل وعلا يجيب، هذه صفات من صفات الله فلا تعطلوها، ولا تكيفوها ولا تمثلوها، ولا تقولوا بأن الله يسمع بكيفية كذا، ويرى بكيفية كذا، فكل ما دار ببالك -يا عبد الله- فالله بخلاف ذلك: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] لا تدركه العقول، ولا تكيفه الأذهان: ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:١٠٣] جل عن الشبيه والمثيل والنظير، لا ند له ولا كفء له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا مثيل له ولا شبيه: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:١ - ٤] جل ربنا ﵎ عن المثيل وعن الشبيه وعن النظير.
ادع الله ﷿، والجأ إلى الله جل علا، واعلم أن الله سميع بصير قريب مجيب الدعاء.
وأختم هذا العنصر الأول في فضل الدعاء بهذا الحديث العظيم الجليل الكريم الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري ﵁، يقول: (كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فجعل الناس يرفعون أصواتهم بالتكبير، فقال النبي ﷺ -المعلم والمربي والإمام والقدوة بأبي هو وأمي ﵊ أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا، والذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته-: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:١٦]- يقول أبو موسى الأشعري ﵁: وأنا خلفه ﷺ، أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فالتفت إليه النبي ﷺ، وقال: يا عبد الله بن قيس! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله، فقال ﷺ: لا حول ولا قوة إلا بالله) وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وصححه شيخنا الألباني في صحيح ا
9 / 3