Lessons by Sheikh Muhammad Hassan Abd Al-Ghaffar
دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار
शैलियों
ألطاف الله برسوله محمد ﷺ
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤًا أحد، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر:١]، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر:١٩]، لا تواري عنه سماء سماء، ولا أرض أرضًا، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره، يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء، ويرى مخ سوقها سبحانه جل في علاه، ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:١٠٣].
أما بعد: فإن رسول الله ﷺ قد علمنا أسماء الله الحسنى، وكيف نتعبد بها، ثم حثنا على حفظها والعمل بها وتعليمها، حيث قال ﷺ: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة)، أي: من تعبد الله بها دخل الجنة، ومن تدبرها دخل الجنة، وقد تدبرها قبلنا رسول الله ﷺ وطبقها واقعًا، فأتته المبشرات نتيجة لهذا التطبيق الواقعي في حياته ﷺ.
انظر إلى ألطاف الله مع رسول الله ﷺ، تكالبت الدنيا بأسرها عليه، فهذه قريش والعرب أجمعون رموا رسول الله ﷺ ومن معه عن قوس واحدة، أجج اليهود نار الحرب بين رسول الله ﷺ وبين العرب أجمع، فاليهود هم الذين عاثوا في الأرض فسادًا، وأرادوا نارًا مؤججة على رسول الله حقدًا عليه وحسدًا، ألبوا قريشًا وألبوا العرب جميعًا على رسول الله ﷺ، فجاءوا بخيلهم ورجلهم، وجاءوا بصناديدهم وسيوفهم وحديدهم، فالتفوا حول المدينة وأحاطوا برسول الله ﷺ شر إحاطة، ثم بعد ذلك نزل الكرب الشديد على أصحاب رسول الله ﷺ، وزلزل المؤمنون زلزالًا شديدًا، حيث صور لنا الله الموقف تصويرًا بديعًا، وصفهم أنهم جاءوا من فوقهم ومن أسفل منهم، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وقال المؤمنون: ما وعدنا الله ورسوله إلا صدقًا وحقًا، أما المنافقون فقد ضربوا رسول الله من الداخل، جاء الطابور الخامس يرجفون في المدينة ويشيعون الإشاعات بأن رسول الله مهزوم حتمًا، كانوا يقولون: هذا محمد الذي كان يعدنا بالنصر على الأعداء، ويعدنا بالتمكين في الأرض، ويعدنا بكنز كسرى وقيصر، يعدنا بهذا كله وأحدنا لا يأمن أن يخرج لقضاء حاجته، أين النصر الذي وعدنا به؟! فهؤلاء هم الذين ضربوا رسول الله ﷺ من داخل المدينة، أما من الخلف فقد جاء اليهود فنقضوا العهود؛ لأنهم لا عهد لهم ولا وعد، فقد قام بنو قريظة بنقض العهد مع رسول الله ﷺ، فاشتد الكرب على رسول الله، وقال لـ سعد بن عبادة: (اذهب فأخبر لنا خبر القوم، فإذا علمت أنهم فعلوا ذلك فالحن لي لحنًا، حتى لا تفت في عضد أهل الإسلام، فذهب فوجد أن القوم قد نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسل)، انظر أخي الكريم! إلى هؤلاء الكفار كيف أحاطوا برسول الله ﷺ وأصحابه من جميع الجهات، وهم قلة ضعاف لا يستطيعون حربًا ولا يستطيعون قتالًا، لكن ألطاف الله جل في علاه، وتدبير الله في كونه من فوق عرشه ﷾، فقد أدرك الله رسوله ﷺ ومن معه من صحابته الكرام في المدينة بألطافه، فإنه يدبر من حيث لا يحتسبون، فكلنا يعلم أن نعيم بن مسعود أسلم بعدما كان أشد الناس عداوة لرسول الله ﷺ وأصحابه، فقد قلب اللطيف قلبه إلى الإسلام، فأسلم وجاء إلى رسول الله ﷺ يسأله ماذا يفعل من أجل أهل الإسلام، فقال له رسول الله ﷺ: (خذل عنا الناس ما استطعت)، فقام نعيم بتدبير الله ولطفه ففرق بين اليهود والكفار، فقد ذهب إلى قريش فألبهم على يهود بني قريظة، وذهب إلى يهود بني قريظة فألبهم على قريش، وانفض الحصار من حول رسول الله ﷺ، ورد الله الكافرين بغيظهم لم ينالوا خيرًا، ألطاف الله جل في علاه برسوله ﷺ حينما حفر الخندق، وهو في هم وغم وحزن مما يحدث له ولأصحابه، ومع ذلك يضرب صخرة وهو مستيقن باللطيف الخبير الذي يدبر الأمر من فوق العرش، فيقول ﷺ: (أبشروا! فتحت لي كنوز كسرى وقيصر، أعطيت الكنزين: الأحمر والأصفر)، والله الذي لا إله إلا هو إنا مستيقنون بربنا كما استيقن رسول الله ﷺ بربه، وإنا سنعطى الكنزين: الأحمر والأصفر، وإن الله جل وعلا سيمكن لدينه في الأرض، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:٢١]، وإني مصدق في قول رسول الله ﷺ: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ)، وقوله ﷺ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم)، وبشر رسول الله ﷺ -مع هذا الكرب العظيم وهذه الشدة التي نزلت به- ابنته فاطمة فقال: (أبشري يا ابنتي! والله لن يترك هذا الدين بيت مدر ولا وبر إلا دخله بعز عزيز وذل ذليل).
8 / 7