Lessons by Sheikh Atiya Salem
دروس للشيخ عطية سالم
शैलियों
دروس الحرم [١]
-
1 / 1
السبق
1 / 2
مشروعية السبق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فعن ابن عمر ﵄ قال: (أن رسول الله ﷺ سابق بين الخيل التي ضمرت من الحفياء وأمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق).
مسجد بني زريق كان وراء مسجد الغمامة من الجنوب الشرقي، وكان موجودًا إلى عهد قريب وشاهدناه، والحيفاء إلى الشمال جهة بئر عثمان، والمسافة ستة أميال.
ما معنى الخيل المضمرة؟ العرب تضمر الخيل للسبق وللحرب، وتضميرها من الضمور، وهو أن تعلف مدة طويلة علفًا زائدًا عن حاجتها لتسمن سمنًا وافيًا، ثم تشمس في مكان قليل الهواء، وتجلل، أي: توضع عليها الجلال ومع ضيق المكان، وعدم وجود الهواء، وكثرة الجلال يكثر عرقها، والعرق يخرج بفضلات الجسم، وتبقى عضلاتها، فهم يسمنونها، ثم يخففون سمنها بإخراج العرق منها، فتكون قد اجتمعت قواها وتخلصت من ثقلها الذي هو رطوبة الجسم، وغير المضمرة تأكل وتنام كعادتها.
فهم يضمرون الخيل ويعدونها للجري؛ لأنها تكون أخف جسمًا وأقوى، وتكون أدعى إلى السبق، وفي الحرب تكون أدعى إلى الصبر على الكر والفر، فهي أمسك من غيرها.
1 / 3
ما يشترط في المسابقة
ومن هنا قال العلماء: يجب في السبق أن يكون الفرسان من نوع واحد، فلا يصح السباق بفرس عربية أصيلة مع فرس غير عربية، ولا مضمرة مع غير مضمرة؛ لأن هذا فيه تفاوت، لكن تكون حقيقة القوة والمعادلة والسبق إذا كانا متساويين.
وكذلك الفارسان اللذان يركبان يجب أن يكونا متقاربين في الوزن والثقل، وبهذا يتم لنا تحديد المسافة ونوعية الخيل، فإذا اختلف واحد من هذا فسد عقد السبق، ولا يجوز ذلك، والإبل ليس فيها تضمير.
وبعض العلماء ألحق بالفرس كل ما له حافر، ويذكرون ذلك عن الشافعية، ويلحقون بالبعير كل ذي خف كالفيلة، ولكن المعهود عند العرب أنهم لا يقاتلون على فيلة، ولا يقاتلون على كل ذي حافر؛ لأن كل ذي حافر لا يصلح للكر والفر كالخيل، قال ﵊: (الخيل معقود بنواصيها الخير).
1 / 4
شروط جواز الجعل للمتسابقين
فإذا كان نوع الخيل واحدًا، والمسافة محددة في كل عقد مع الجنس، فهنا تبقى عملية السبق بينهما إذا جعل أحدهما الجُعل للسابق ولم يدفع الثاني شيئًا، فنفترض أن السبق بين اثنين، فالمال الذي يدفع جائزة للسابق، من أين يأتي؟ إن كان من واحد منهما على أن من سبق منهما أخذه، فلا مانع، فإن سبق الدافع استرجع حقه، وإن سبق الآخر أخذه.
أما إذا دفع كل منهما جزءًا، وقالا: الجميع لمن يسبق، فلا يجوز؛ لأنه قمار! وإذا جاء ثالث غيرهما وقال: تسابقا فمن سبق منكما فجائزته عليَّ، فلا مانع؛ لأنه ليس بين المتسابقين مقامرة إذا كان الأمر كذلك بإيجاد الجائزة من ثالث غير مشترك.
الأئمة الثلاثة يقولون: أي واحد تدخل بينهم وتبرع بجائزة فلا مانع، ومالك يقول: لا يصح هذا التبرع إلا من ولي الأمر؛ لأنه هو الذي من حقه أن يأخذ من بيت مال المسلمين ويعطي، والجمهور يقولون: هو متبرع، وليس في ذلك غضاضة عليه.
إذا لم يكن هناك ثالث تبرع بالجائزة، ولم يقبل واحد من الاثنين أن يدفع الجائزة بمفرده، وقالا: لا بد من مشاركة في الجائزة أنت تدفع النصف وأنا النصف، يقولون: إن جعلا محللًا بينهما جاز، ومن هو المحلل؟ المسابقة الآن على خيل، وكلا الفرسين في الطرفين من جنس واحد، والمحلل شخص ثالث يدخل معهما بفرس من نوع فرسيهما ويكون من عادته السبق، وكلا المتسابقين يظنان أنه قد يسبق، ويعتقدان أنه يمكن أن يسبق، لا أن يكون عاجزًا وهما يعلمان أنه لن يسبق، لأن دخوله حينئذ سيكون شكليًا ما له قيمة؛ لأن السبق سيكون بينهما فقط، والثالث معروف أنه لا يسبق، فهذه حيلة لا تصح.
فيشترط في المحلل الذي يدخل بينهما أن يكون نظيرهما تمامًا، فإذا دفع أحد المتسابقين النصف، ودفع الثاني النصف الآخر، ودخل هذا المحلل على أساس أنه لو سبق أخذ الجائزة التي دفعها الطرفان، وإذا سبق واحد من الاثنين أخذها؛ لأنه يوجد ثالث يمكن أن يفوز بالجائزة، فهنا سلمت من المقامرة، هذا ما يتعلق بالسبق في الخيل والإبل.
أما النصل، وهي: الرمي بالسهام، فيكون بين اثنين أو بين فريقين، خمسة مع خمسة، أو عشرة مع عشرة، أو أكثر أو أقل، فإن كان الرمي بين اثنين فبعض العلماء يقول: يوضع لكل واحد هدفًا مستقلًا، هذا يقف هنا وهدفه أمامه هناك، والثاني هدفه أمامه هناك، وبعضهم يقول: يبقى الهدف واحدًا، ويرميان تباعًا لا في وقت واحد، فإذا حددت مسافة الهدف بين أطراف أصابع القدمين وهدف الإصابة؛ كذا قدمًا أو كذا مترًا تحددت.
كم يكون الرمي مثلًا؟ قال: الرمي عشر مرات، كل واحد منهما يرمي عشرة أسهم، ثم يقولون: من أصاب بأكثر العشرة فهو الفائز، فكل واحد منهما يرمي عشرة أسهم.
وننظر الأول كم أصاب من العشرة، والثاني كم أصاب، فمن كانت إصابته أكثر فهو الفائز.
أو يقولون: الرمي من عشرة أسهم ولكن الفوز من إصابة خمسة، الذي يصيب خمسة من عشرة فهو فائز، فهنا يبدأ الفريق الأول يرمي إذا كان الهدف واحدًا، وإن كانا هدفين فيرميان معًا، فإن أصاب أحد الفريقين الخمسة التي هي نصاب الفوز فاز، وإن أصاب الفريق الثاني الخمسة أيضًا تساويا، فلا جائزة، ولا يقال: نصلح بينهما، فالقرعة لا تدخل هنا، وإن كان الهدف واحدًا فالأول يرمي إلى أن يصل إلى الخمسة، ثم يأتي الثاني ويرمي إلى أن يصل إلى الخمسة، ومن لم يصب خمسة أسهم من العشرة فليس بفائز، ومن أصاب خمسة فأكثر من العشرة فهو الفائز.
وهكذا إذا كانوا جماعة، فريق من عشرة أشخاص، وفريق من عشرة أشخاص، والرمي من عشرة سهام، فكل فريق سيرمي مائة سهم، كم مجموع الفوز من مجموع الفريقين؟ نقول: الفوز بإصابة خمسين، سواء كان الفريق الأول شخصين أو خمسة أو أكثر، على حسب العدد المتفق عليه.
إذا وصل الفريق الأول بإصابة خمسين سهم وصل إلى الفوز بالجائزة، وإذا وصل الفريق الثاني بمجموعه إلى أربعين أو إلى تسعة وأربعين، وليس بلازم أن يكون كل واحد من العشرة يصيب مثل بعض، ولو اثنين أصابوا الخمسين فهذا الفريق قد فاز، هذا ما يتعلق بعموم موضوع السبق بين المتسابقين.
نعود إلى متن الحديث، وهو الحديث الأول: (أن الرسول ﷺ سابق بين الخيل المضمرة من ثنية الوداع إلى الحيفاء ستة أميال)، إذًا: لا مانع من أن يكون هذا المقدار على هذا النوع من الخيل في المسابقة، وسابق بين الخيل غير المضمرة من الثنية إلى مسجد بني زريق، ومسافتها ميل واحد، والله تعالى أعلم.
[وعنه ﵁: (أن النبي ﷺ سبق بين الخيل وفضل القرّح في الغاية)].
سابق ﷺ بين الخيل، وفضل القرّح أي: الخالصة الأصيلة، يقال: ماء قراح، أي: صاف، وكذلك الخيل القرّح هي الأصيلة.
ولأصالة الخيل عند العرب تاريخ، وهواة الخيل يجعلون سجلًا لولادة خيلهم، فإن كان عنده ثلاثون رأسًا من الخيل من ذكور وإناث للتناسل، فعنده سجل يسجل فيه مواليد الإنتاج، ويسجل فيه سلالة الأم وسلالة الأب، الأم هذه من أين؟ أمها ما نوعها؟ وأم أمها من أين؟ ويتبع تاريخها إلى مدى بعيد، فإذا لم يدخلها هجين قيل عنها: قرّح، أي أنها من سلالة خيل صافية، وكذلك الأب، ويغلون أثمانها إذا استوفت الشروط، وهو أن تكون من سلالة خيل صالحة لم يدخل في نسلها هجن، فكان يفاضل ﷺ بينها وبين غيرها؛ لأنها أقوى وأزهى وأنسب للسباق.
1 / 5
لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر
[قال: وعن أبي هريرة ﵁ قال: (قال رسول الله ﷺ: لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر)].
فـ (لا سبق إلا)، هذا الأسلوب عند البلاغيين يسمى: النفي والإثبات، وهو أقوى أنواع الحصر.
(لا سبق): نفي جميع أنواع السبق، (إلا): إثبات للمطلوب: نصل، حافر، خف، فـ (لا) نفت جميع صور وأفراد وأنواع السبق، ولو قيل: (لا سبق) ولم يستثن لنفي كل سبق في أي نوع من الأنواع؛ لكن لما جاءت إلا وهي من أدوات الاستثناء، وقع الاستثناء، ويشترط أن يكون متصلًا وألا يفصل بين المستثنى والمستثنى منه بزمن طويل أو أو إلى آخره، فـ (إلا) تثبت بعض أفراد المنفي.
وهذا الأسلوب أقوى أنواع الحصر، كما في كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فلو أن إنسانًا يقول: لا إله، فإنه يكون قد نفى جميع الألوهية، حتى نفى الألوهية عن رب العزة، أي: إذا قال: لا إله، فمعناه أنه لا يعترف حتى بألوهية رب العالمين، لأنه نفى جميع الألوهية، ثم تأتي (إلا) وتثبت الألوهية لله وحده.
فـ (لا) نفي لجميع الآلهة، و(إلا) أثبتت المطلوب، وهو الله الواحد.
فكذلك هنا، والحصر ينفي ما قبل إلا، ويثبت ما بعد إلا، وقد يكون هناك أدوات حصر أخرى مثل: (إنما) كان يقول: إنما السبق في كذا وكذا، والتقديم والتأخير، مثل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥] يعني: لا نعبد غيرك، ولا نستعين بغيرك.
فهنا جاء الحديث بأسلوب النفي والإثبات وهو أقوى أنواع الحصر، فنفى السبق في كل شيء واستثنى من ذلك هذه الثلاث.
إذًا: لا يجوز لأحد أن يدخل مع صاحبه في سباق لم يأت به نص، والنص إنما جاء بهذه الثلاث، فلا سبق في غيرها.
كلمة: (لا سبق) عامة، بجعل وبغير جعل، لكن المراد هنا ما فيه المحظور وهو الذي بالجعل، أي: لا يجوز السبق بجعل إلا في هذه الثلاثة، وأما بدون الجعل في السباحة، أو في الجري، وفي جميع أنواع الرياضيات؛ فلا مانع في ذلك.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد.
1 / 6
دروس الحرم [٢]
2 / 1
الجزية والفيء والغنائم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فمن الموارد المالية للدولة الإسلامية الجزية التي تؤخذ من الكفار إذا لم يسلموا، واختاروا دفع الجزية بدلًا من قتال المسلمين، وقد اختلف العلماء هل تؤخذ الجزية بغير اسمها؟ فأجاز ذلك كثير من العلماء واستدلوا بقصة نصارى بني تغلب مع عمر بن الخطاب ﵁، فإنهم قالوا له: فرضت علينا الجزية، واعترفنا بها، وصالحنا عليها، إلا أننا نأنف من تقديمها؛ لأن تقديمها كما قال تعالى: ﴿عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة:٢٩]، والعرب تأنف من ذلك؛ قالوا: فخذ منا كما تأخذ من المسلمين، لأن ما يأخذه من المسلمين في الزكاة أكثر مما يأخذه من أهل الذمة في الجزية.
فامتنع عمر، فزادوه، فقالوا: خذ منا ضعف ما تأخذه من المسلمين من أموالهم، فأرادوا أن يدفعوا ضعف الجزية باسم الزكاة ولا تكون باسم الجزية، قالوا: وإلا فدعنا نرحل إلى أرض الشرق، ونخرج من الجزيرة، فشاور عمر من حضره، فقالوا له: يا عمر! اقبل منهم، وأبقهم تحت يدك بدلًا من أن يخرجوا عن طاعتك فيكونون عليك بعد أن كانوا لك وفي قبضتك، فقبل منهم، وأضعف عليهم العشر كما يقال، وأبقاهم على ما هم عليه، باتفاق بينهم وبينه.
هذه هي الجزية على الكفار، والزكاة تكون على المسلمين في الأموال.
2 / 2
اجتهاد عمر ﵁ بعدم قسمة الأراضي المغنومة
ومن الموارد: الخراج، والعشر، والخراج مختص بالأرض المزروعة، ولا علاقة له بالأشخاص، والجزية مختصة بالرقاب والأشخاص ولا علاقة لها بالأراضي.
وقد تقدم أن عمر رضي الله تعالى عنه أوقف قسمة الأراضي المغنومة على الغانمين، ولما عارضه بلال وابن الزبير وقالا له: اقسم علينا كما قسم رسول الله خيبر وبني النضير، قال: إن الرسول فتح مكة ولم يقسمها.
وقال: إنني رأيت رأيًا وأستشيركم فيه، إننا لو قسمنا كل ما فتحه المسلمون على الغازين، فسيأتي وقت ويأتي أجيال فيما بعد فلا يجدون من الغنائم شيئًا، وإننا في الوقت الحاضر في حاجة إلى المال بصفة مستمرة للمصالح العامة، لنمون الثغور، ونجهز الجيوش، ونطعم الأيتام والأرامل والمحتاجين، فمن أين نأتي بالمال لهذا كله إذا كنا نقسم كل قرية فتحت على الغانمين؟ ولو فعلنا ذلك لم يبق عندنا شيء، فإني أرى أن نقسم ما كان منقولًا من الثياب والأموال والحيوانات على الغانمين قسمة غنيمة، ونبقي الأرض ونجعل عليها خراجًا لمن هي تحت أيديهم.
وهذا الخراج بمعنى أجرة، جزية، جُعل، غرامة، وكل هذا يقول به بعض العلماء، وإذا جئنا إلى استعمال القرآن لكلمة خراج أو خرج لوجدنا أنها تدور بين الجُعل وبين الإجارة، كما في قصة أصحاب السد: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ [الكهف:٩٤] فـ (خرجًا) هنا بمعنى: أجرة على هذا العمل، وبعضهم يقول: إن هذا الخراج الذي فرض على الأراضي أجرة تؤخذ ممن هي تحت أيديهم.
وكيف يقدر الخراج على الأراضي المختلفة في النتاج والغلة؟ قالوا: أرسل عمر رضي الله تعالى عنه خبيرًا، فجعل على النخل ثمانين درهمًا، والعنب ستين درهمًا، وما عداهما من الأرض البيضاء والحبوب والخضروات عشرين درهمًا، أي أنه وضع نسبًا مختلفة لأرض النخيل ولأرض الأعناب، وعلى الأرض البيضاء كذلك.
قيل: وجعل الخراج على الأرض البيضاء والسوداء أيضًا، والبيضاء هي: التي لم تزرع، والسوداء هي: المزروعة المسودة بخضرة الزرع الذي هو فيها، قيل: جعل الخراج على السوداء والبيضاء ليهتم أصحاب القرية بإحياء الموات، ولا يبقى بياض في الأرض.
وهناك من يقول: إنما جعل الخراج على الأراضي السوداء التي تنتج، وترك الأرض البيضاء لولي الأمر ليمنح منها، ويقطع الإقطاع منها لمن يريد، أو تركها لمن يحيي مواتًا منها فهي له، وهكذا كان الخراج على الأرض تختلف النسبة فيه بنوع الثمرة والغلة، فعلى النخيل أكثر مما على العنب، وعلى العنب أكثر مما على الخضروات.
2 / 3
إرسال عمر ﵁ للمعشرين
وكان عمر رضي الله تعالى عنه يرسل إلى الحدود وإلى ثغور بلاد الإسلام المعشرين، فإذا مر بهم تاجر يريد أن يدخل أرض الإسلام لتجارة نظر المعشر لشخصيته، سواء كان مسلمًا جاء من أرض أخرى إلى أرض جوار أرضه، أو كان ذميًا أتى بتجارة إلى أرض المسلمين، أو كان حربيًا له عهد أو في وقت هدنة وأتى بمال إلى أرض المسملين.
كل هؤلاء يسمح لهم بدخول بلاد المسلمين، فالمسلم يدخل الأرض الإسلامية، والذمي يدخل الأرض الإسلامية، والحربي بالمعاهدة وبالصلح يدخل الأرض الإسلامية، فكان المعشر يأخذ من المسلم ربع العشر على تجارته، ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر، وهكذا تحصل الأموال بالتعشير على اختلاف الأشخاص بصرف النظر عن نوعية التجارة التي أتى بها، والتي يريد أن يروجها في أرض المسلمين.
ثم كان يقع الظلم على أهل الأموال عند تعشيرها، فكان أحدهم يمر على هذا المعشر فيأخذ منه، ثم في طريقه يمر على غيره فيأخذ ولا يصدقه بأنه قد دفع، فأنشئت السندات؛ ففي أول معشر يمر به ويدفع له العشر أو نصفه أو ربعه يعطيه سندًا على أنه عشر ماله، بحيث لو مر على عدة معشرين لا يكرر عليه أخذ مال منه.
واتفقوا على أن من تكرر مجيئه في السنة الواحدة لا يكرر عليه العشر قبل الحول، إلا الحربي، فإذا أتى وباع تجارته، ثم رجع إلى بلده، ثم جاء مرة أخرى عُشِّر ماله ولو كان قبل الحول.
واتفقوا على أنه لا يعشر مال أقل من نصاب الزكاة، وهو مائتا درهم من الفضة، وعشرون مثقالًا من الذهب.
هذا ما يتعلق بالأموال التي تدخل على المسلمين بطريق المعشرات.
والغنيمة هي: المال المأخوذ بغلبة السيف، فما فتح عنوة من القرى فهي وما فيها غنيمة، والغنيمة تخمس ثم يقسم ما عدا الخمس على المجاهدين، إلا أن عمر أوقف قسمة الأراضي على المجاهدين وقال لهم: أوقف قسمة تلك الأراضي من أجل أن يستمر خراجها لسد حاجة المسلمين الآن ولمن يأتي بعد ذلك، ثم أعلن لهم وقال: وجدت حجته من كتاب الله، وذكر قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ﴾ [الحشر:٨]، ثم ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ﴾ [الحشر:٩]، ثم ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر:١٠]، واستقر الأمر على ذلك.
فالفيء طريقه مثل طريق الغنيمة، ولكنه ما أخذ بدون قتال كما قال تعالى: ﴿فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ﴾ [الحشر:٦].
2 / 4
مشروعية النفل من الغنيمة
النّفل: النفل جزء من الغنيمة ينفله قائد الجيش لمن رآه أهلًا لذلك، فمثلًا: أرسل سرية من جيشه إلى جهة من الجهات أو كما يقولون: إلى جيب من جيوب العدو، فذهبت السرية وانتصروا، وغنموا منهم غنائم، فلقائد الجيش أن ينفل تلك السرية مما غنموه زيادة لهم، والباقي يضمه إلى أموال غنيمة الجيش؛ لأن عموم الجيش يشاركهم في غنيمتهم، وهم يشاركون عموم الجيش في غنائمه.
والخراج هو: ما جعل على الأرض.
والجزية هي: ما جعلت على الأشخاص.
هذا ما يتعلق بالأموال التي تؤخذ من غير المسلمين عند القتال في سبيل الله.
2 / 5
مقدار الجزية
الجزية مصدرها الأشخاص، وكم مقدارها؟ هناك من يقول: هي محددة بدينار على كل محتلم، وهناك من يقول: أربعة دنانير، وهناك من يقول: على الموسر ثمانية وأربعون درهمًا، وعلى المتوسط: أربعة وعشرون، وعلى العامل: اثنا عشر درهمًا.
والظاهر أنه حسب اجتهاد الإمام وحالة من يدفع الجزية، وهذا محل اجتهاد، وليس توقيفًا.
هذه الأموال تساق إلى بيت مال المسلمين لتصرف في مرافق المسلمين بصفة عامة.
2 / 6
أخذ الجزية من المجوسي
[عن عبد الرحمن بن عوف ﵁ (أن النبي ﷺ أخذها -يعني: الجزية- من مجوس هجر)]: قال عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه هذا حينما توقف عمر في أمرهم، وقال: ما أدري ماذا أفعل بهم؟ فقال قائل: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) أي: في الجزية، وابن عوف يقول: إن الرسول أخذها من مجوس هجر، فالرسول أخذها وخفي ذلك على عمر، أو نسي عمر، المهم أن الجزية أخذها رسول الله وفعلها عمر مع وجود الصحابة، وكانت الجزية موجودة من قديم، وجاء الإسلام وعدل فيها بالرفق والشفقة.
عرفنا أن أهل الكتاب هم: اليهود والنصارى، فمن المجوس؟ عرف العلماء المجوس كما في كتاب الملل والنحل للشهرستاني أو لـ ابن حزم، وكذلك عرّفهم الشوكاني في نيل الأوطار.
المجوس: أمة كان لها كتاب، سئل علي رضي الله تعالى عنه عنهم فقال: أنا أعرف الناس بهم، كانوا أمة لهم كتاب، لكن كتابهم رفع!! نزع الله كتابهم منهم، فأصبح الكتاب ورقًا أبيض ليس فيه كتابة، وانتزع من صدروهم ما كان محفوظًا منه من صدورهم، والذي كان مكتوبًا محاه الله من صحفهم، وأصبحوا بدون كتاب.
ومن هنا كان فيهم شبه بأهل الكتاب؛ لأنهم باعتبار ما كان أهل كتاب، فقال: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب).
إذًا: الجزية من أهل الكتاب مفروغ منها؛ لأنها بنص القرآن الكريم، والجزية من غيرهم ثبتت بالسنة، أعني بالحديث الفعلي والقولي من رسول الله ﷺ.
الجزية تكون على الأشخاص، والخراج يكون على الأرض.
والخراج يكون باجتهاد الإمام على حسب إنتاج الأرض، والآن هناك الأراضي التي فيها القطن أو القصب، وفيها مزروعات ما كانت موجوة من قبل، فيكون خراجها على حسب رأي الإمام.
هل مقدار الجزية بالتوقيف أو باجتهاد؟ باجتهاد، وقيل: على الغني ثمانية وأربعون درهمًا، وعلى المتوسط أربعة وعشرون، وعلى العامل بيده اثنا عشر درهمًا.
وقد بينا نظام العشر على التجارة، وممن يؤخذ، وكم مقدار المأخوذ، سواء كان المال من الحديد أو الحبوب أو القماش.
والتجار ثلاثة أصناف: مسلم، وذمي، وحربي، فالمسلم يدفع ربع العشر زكاة، والذمي: نصف العشر ضعف ما يدفعه المسلم، والحربي: العشر كاملًا.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد.
2 / 7
دروس الحرم [٤]
3 / 1
كتاب الأيمان والنذور
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: كتاب الأيمان والنذور عن عبد الرحمن بن سمرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها؛ فكفر عن يمنيك وائت الذي هو خير)، متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: (فائت الذي هو خير وكفّر عن يمينك)، وفي رواية لـ أبي داود: (فكفّر عن يمنيك ثم ائت الذي هو خير)، وإسنادما صحيح.
وعن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله؛ فلا حنث عليه) رواه أحمد والأربعة، وصححه ابن حبان].
3 / 2
من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليأتِ الذي هو خير
الشرح: قال ﵀: عن عبد الرحمن بن سمرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمنيك وائت الذي هو خير) متفق عليه.
هذا الحديث يعتبر بابًا بذاته، وهو كيف يخرج الإنسان من عهدة اليمين ويسلم الحنث فيما بينه وبين الله؟ أي: ليس يتعلق بها حقوق للآخرين، وليست في معرض القضاء والدعاوى، وليست في معرض الصلح والإصلاح، ولكن في حلف الإنسان نفسه ومنهجه في تعامله، كما لو قال: والله! لا أكلم فلانًا.
فهذا يمين، ولكن قوله: لا أكلم فلانًا.
إن التزم بهذا اليمين وطال به المدى؛ فقد يؤدي ذلك إلى قطيعته لأخيه المسلم ونحو ذلك، فقد يكون سبب اليمين مشكلة بينه وبين هذا الشخص، أو عللًا قائمة، أو مزاحمة ومنافسة، أو خصومة، أو حسدًا، أو أي شيء آخر سَبَّبَ هذه اليمين فحلف على أن لا يكلمه، ثم بعد مدة ذهبت تلك العلة، وصفا الجو، ورأى أن يكلمه، فلأن يكلم أخاه خير من أن يبقى على خصومته، كما جاء في الحديث: (لا يحق لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام).
وهذا الحالف أراد أن يخرج من عهدة هذه اليمين، ويعود إلى كلامه مع صاحبه، ماذا يفعل؟ أعرض مسألة عرضت على بالي، وأنا أتهيب من المسائل التي لا أجد لي فيها سلفًا ذكرها واعتمدها في هذا الموضوع.
إذا جئنا إلى كتاب الله، وجئنا إلى كفارة الظهار، ماذا نجد؟ ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ﴾ [المجادلة:٢] ماذا؟ ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة:٣]، (يعودون) أي: يريدون العودة إلى الحياة الزوجية فيعود المظاهر إلى زوجته بإمساكها، لأن المظاهر هو بين أحد أمرين: إما أن يمضي ويتركها في ظهارها ولا تحل له بعد ذلك، أو أنه يَحلُّ يمين الظهار، وجاء القرآن فماذا قال؟ ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّاِ﴾ [المجادلة:٣].
ما معنى الظهار؟ معناه: أن يقول لزوجته: (أنت عليّ حرام كظهر أمي).
إذًا الظهار يُحرِّم وطء الزوجة.
وهنا: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة:٣] ولكن الله حييٌ يكني ولا يصرّح، كقوله في سورة أخرى: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء:٤٣].
وقوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فهنا نص صريح بأن يكفّر عن يمين الظهار من قبل أن يطأها، ولم يقل: يتماسا ثم يكفر، فنجد هنا أن النص القرآني الكريم يقدم الكفارة على المماسة ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة:٤]، فيصوم شهرين حتى تتم الكفارة بالصيام، ولا يقرب زوجته حتى تتم الكفارة، ومن لم يطق الصيام فليطعم ستين مسكينًا، وهذا فيه تفصيلات لا يتسع المجال لذكرها.
والذي يهمنا: التنصيص على أنه يكفّر (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)، فلو أخذنا هذه الآية الكريمة وجعلناها شاهدًا أو قرينة لا نقول: نصًا، فذاك موضوع وهذا موضوع، لكن التنصيص على تقديم الكفارة في نظيرها، ويستأنس به في تقديم الفعل -تقديم الكفارة- ووجدنا القرآن يقدم الكفارة على الفعل، ووجدنا (ثم) ترجح تقديم الكفارة على الفعل.
يقول القرطبي ﵀: لا يجوز له أن يعود في الظهار قبل أن يكفر، فإن عاد قبل أن يكفر عصى الله.
وعليه أن يكفر خلافًا لمن يقول: سقطت الكفارة؛ لأن الله قال: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة:٣]، أفإذا وطأها من قبل أن يتماسا سقطت الكفارة؟ يعني: أعتدي وتسقط الكفارة؟ لا، بل يكون قد ارتكب إثمًا وعليه الكفارة قضاء؛ لأن محلها قبل المجيء، إذا حلفت على يمين ووجدت غيرها خيرًا منها، فلا تكن عنيدًا مصرًّا على القطيعة، فهذا صديقك وهو أخوك وبينكما عشرة و(عيش وملح) وصداقة.
وهذا الحلف له ما يفكه، وهذا من فضل الله ﷾ أن جعل للإنسان من كل ضيق مخرجًا، وكنت -منذ زمن- أقول: لا يوجد في الإسلام طريق مسدود.
افرض أنه في ساعة غضب، حلف هذه اليمين، ثم بعد ذلك تأسف وندم، فهل يظل حبيس يمينه أو نجد له مخرجًا؟
الجواب
نجد له مخرجًا.
والثانية أيضًا: قضية اللعان، رجلٌ رأى بعينه ما لا يصبر عليه الحيوان، ولكن السيف على رأسه، إن أتى ببينة أربعة شهود، وإلا جُلد ظهره، إن سكت سكتَ على غيظ، وإن تكلم خاف السوط على ظهره فماذا يفعل؟ قال سعد بن عبادة: (أتركه وأمضي وأذهب وآتي بالشهود؟! -ويعود وقد حاجته ومضى- والله لئن رأيت لأضربن بسيفي)، وبعض الروايات: (بين فخذيها)، والذي يكون هناك يحصل السيف.
إذًا: الطريق -فعلًا- مسدود، ولكن الله ﷾ جعل للزوج الذي شاهد المكروه من أهله مخرجًا، ولهذا لا يكون اللعان إلا بين الزوجين، أما إنسان اتهم بالزنا وقال: أنا ألاعن! لا، أو امرأة ادعت الزنا وقالت: أنا ألاعن، لا؛ لأنه لا يلحق الزاني أو الزانية معرة ما يلحق الزوج في زوجته.
إذًا في هذا الحديث: إيجاد نافذة يخرج منها الإنسان فيما عليه في يمين ووجد ما هو خير له، ولا يحرم من الخير ولا يلزم بتلك اليمين، بل يأتي بما يفكها ويكفر عنها، وبهذا يكون قد تحلل منها، والله تعالى أعلم.
3 / 3
الاستثناء في اليمين بقول: (إن شاء الله)
قال ﵀: وعن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه)، رواه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان.
الشرح هذا الحديث جار على أسلوب العربية؛ لأن القرآن -وهو أصل هذا الدين الكريم- عربي، فأسلوبه يتمشى مع الأساليب العربية، وكذلك السنة، وقد قال ﷺ: (أنا أفصح العرب والعجم بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد بن بكر)، يعني: جمع أطراف الفصاحة في أفصح قبائل العرب.
كلمة (إن شاء الله) عند علماء اللغة دالة على الاستثناء، ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف:٢٣ - ٢٤]، لأنك لا تدري ما الذي سيحصل؟ والاستثناء عند علماء العربية له شروط: أولًا: أن يكون وقوع الاستثناء متصلًا بالكلام، كما لو قال شخص: والله لا أكلم فلانًا إن شاء الله.
وإذا كان الفصل بشيء لا يؤثر غالبًا، كأن يأخذ نفسًا، أو يبلع ريقه، أو كحة، أو عطاس وغيرها من الأمور التي لا تأثير لها، ولا تعتبر فاصلة بين حديث وحديث، فهذا الاستثناء يظل معتبرًا.
لكن إن دخل حديث أجنبي عن موضوع المستثنى والمستثنى منه وفصل بين المستثنى والمستثنى منه؛ كقول أحدهم: والله! لا أكلم زيدًا، أتدرون لماذا؟ لأنه فعل كذا وفعل كذا، وحاولت معه ووسّطت فلانًا، وكذا وكذا إن شاء الله، هل جاء هذا الاستثناء متصلًا بالمستثنى منه، أم أن بينهما فاصلًا أجنبيًا عنه؟ فصل بينهما بأجنبي عنه، هذا واحد.
الثاني: أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه.
إذا قال: عليّ لزيد، مائة دينار إلا خمسة دنانير، فالمستثنى من جنس المستثنى منه.
ولو قال: عليَّ لزيد ألف دينار إلا إردبًا من التمر، فالمستثنى ليس من جنس المستثنى منه، وجمهور علماء اللغة يقولون: هذا الاستثناء باطل ويلزم بالمائة كاملة؛ لأنه استثنى ما ليس من جنس الذي اعترض به، وبعض مُنصفي علماء العربية يقول: يصح ونقدر قيمة ما استثناه ونخصمه مما اعترف به، فلو قال: له عليّ مائة دينار إلا بعيرًا، فالبعير ليس من الدنانير، فيقول هذا القائل من أهل اللغة: نقدر كم قيمة البعير؟ فمثلًا: قيمة البعير خمسة دنانير، فيكون استثنى خمسة دنانير من المائة، لكن جمهور علماء العربية يقولون: لا، لأن المستثنى من غير جنس المستثنى منه.
الشرط الثالث: ألاّ يكون المستثنى أكثر من الباقي من المستثنى منه، كما لو قال له: علي مائة إلا ستين، فاستثنى من المائة ستين وصار الباقي أربعين، وهذا لا يصح؛ لأن الاستثناء وضع لرفع الأقل تداركًا.
وعلى هذا: إذا تمت شروط الاستثناء كان صحيحًا واعتبر وعمل به، هذا من حيث الناحية اللغوية، والكتاب والسنة على هذا المبدأ، وإذا قال شخص: والله! لأعطين زيدًا كذا أو لآخذن منه كذا إن شاء الله، فكلمة: (إن شاء الله) هنا أعطته مفتاح الباب، إن شاء بقي على ما حلف، وإن شاء فتح، وخرج من عهدة هذا اليمين؛ لأنه استثنى وعلقه على المشيئة، وهذا راجع لعلم الله وراجع لذات الله سبحانه ونحن ما عرفنا: شاء الله أو لم يشأ الله؟! لكن هل حنث في يمينه أو لم يحنث؟ فإذا شاء الله أن يفعل وقع الفعل بالذات، وعرفنا أن الله قد شاء الفعل، وإذا طالت المدة ولم يفعل، عرفنا أن الله لم يشأ له أن يفعل.
فعلى كل لا يهمنا في هذا الحديث أن الاستثناء في اليمين إذا استوفى شروطه نفعه، إلا أن بعض العلماء يقول: لا يصح الاستثناء في اليمين إلا بالمشيئة، لكن في بقية الحقوق لا مانع، فإن قال: له عليّ كذا إلا كذا، فهذا معتبر في المعاملات وفي الحقوق، لكن في الأيمان التعبدية والمنعقدة بين العبد وبين ربه تختص بالمشيئة.
والله ﷾ أعلم.
3 / 4
صفة يمينه ﷺ
قال ﵀: وعن ابن عمر ﵄ قال: (كانت يمين النبي ﷺ لا ومقلب القلوب)، رواه البخاري.
الشرح: هذا بحث في صحة اليمين بصفات الله؛ لأنه مقلب القلوب هو الله ﷾، ومعنى تقليب القلب، هل هو مثل ما تقلب السلعة أو تقلب الحبل أو تقلب المروحة؟ لا، وإنما هو تصريفه؛ لأن القلب كما يقولون عضو صنوبري معلق في الصدر، فليس هناك تقليب، وإن كان لديه حركة لكن في محله لا ينقلب، ولكن الغرض من تقليب القلوب هنا، إنما هو التصريف المعنوي.
وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
3 / 5
دروس الحرم [٦]
4 / 1
الجزية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال ابن حجر ﵀ في بلوغ المرام: باب الجزية والهدنة: [عن عبد الرحمن بن عوف ﵁: (أن النبي ﷺ أخذها -يعني الجزية- من مجوس هجر) رواه البخاري، وله طريق في الموطأ فيها انقطاع.
وعن عاصم بن عمر عن أنس وعثمان بن أبي سليمان ﵃: (أن النبي ﷺ بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذوه، فأتوا به فحقن له دمه وصالحه على الجزية) رواه أبو داود.
قال: وعن معاذ بن جبل ﵁ قال: (بعثني النبي ﷺ إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل حالم دينارًا أو عدله معافريًا) أخرجه الثلاثة، وصححه ابن حبان والحاكم.
وعن عائذ بن عمرو المزني ﵁ عن النبي ﷺ قال: (الإسلام يعلو ولا يعلى) أخرجه الدارقطني.
وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) رواه مسلم.
وعن المسور بن مخرمة ومروان ﵄: أن النبي ﷺ خرج عام الحديبية، فذكر الحديث بطوله، وفيه: (هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض) أخرجه أبو داود وأصله في البخاري.
وأخرج مسلم بعضه من حديث أنس، وفيه: (أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا: أتكتب هذا يا رسول الله؟! قال: نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجًا ومخرجًا).
وعن عبد الله بن عمر ﵄ عن النبي ﷺ قال: (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا)].
أشرنا إلى تداخل هذا الباب مع أبواب عديدة فيما يتعلق بالأموال التي يحصل عليها المسلمون من غيرهم، سواء كانوا مشركين أو أهل كتاب أو ممن ألحق بأهل الكتاب.
ومجموع هذه الأموال قد ذكرنا الفرق بينها.
4 / 2