والزمن الذي كان السير سكوت لا يقبل كل رأي يشار عليه به من الوكالة الإنكليزية في التشريع والقضاء، ويقول إن النظامات القضائية لا تحكي بناء القناطر، وتشييد الجسور قد ذهب بذهابه، وجاء الزمن الذي يضع فيه أساس الإدارة الداخلية في البلاد كلها، ويقول بضرورة الانقلاب العام، وإحلال العنف فيها محل العدل من كان قبل بضع سنوات ضابطا عسكريا صغيرا يؤدي وظيفة عسكرية محضة.
نحن لا نطعن على كفاءة عامل، ولكن نقول بالإجمال إن الذين يتولون إدارة البلاد الآن أعوانا للورد كرومر تنقصهم تجارب كثيرة، وخبرة كبيرة بأحوال البلاد، حتى يكونوا بعد ذلك منظمين مصلحين، ولا يمكن أن يكون اللورد عاملا بذاته في كل مصلحة؛ لأن
المراقبة الخاصة. فإذا حدثت حادثة غير منتظرة في البلاد، حالت بينهم قلة الخبرة وبين تكييفها بحقيقتها، فأعطوها غير حكمها، وبنوا على حدوثها تغييرا وتبديلا في النظامات، قد يبعدان بها عن محجة الصواب بعدا شاسعا. وكلما سأل جناب اللورد واحدا من أولئك الأعوان عن سبب حادث ما، أجابه بقدر ما يعلم بالرأي الفطير، فأمره بناء عليه بما يأمر الطبيب ممرضا يخطئ في أعراض سير المرض والطبيب غير مسئول.
فالبلاد سائرة والحالة هذه بآراء أولئك الأعوان على غير خبرة كافية منهم، وبالأوامر المطاعة من جناب اللورد كرومر. وحيث اختلفت حواس السمع والبصر والبيان، اختلفت نتائج الحكم على الأشياء.
هذا هو سبب الاختباط الحاصل الآن في إدارة البلاد، وعيوب هذه الإدارة تزداد وضوحا يوما بعد يوم، فيوجد في عناصر السياسة المصرية الآن فراغ كبير من حسن النظر والحكمة هو الذي يراد سده بالعنف، والخروج عن منهج الدستور الذي تحكم به البلاد.
ومن سوء الحظ أن الدستور وجد ناقصا في ذاته نقصا يقولون إن طبيعة البلاد اقتضته، وللورد كرومر في هذا المعنى فلسفة طويلة عريضة في عدة أبواب من تقريره الأخير، حكم فيها حكما قاسيا على استعداد الأمة، وقلة استعدادها للنظامات الدستورية الكاملة.
وأضف إلى ذلك الاختباط وسائط شتى تحيط بالوكالة الإنكليزية وكبار موظفي الإنكليز، جعلت همها تأويل كل حادثة في مصر بما يوسع مسافة الخلف بينهم وبين المصريين، وتحريف كل كلمة تكتب في الصحف المصرية بما يسوء سمعه، حتى تبقى لهم وظيفتهم على الدوام مصدر نعمة وخير.
فلو وجد محللون كيماويون سياسيون خبيرون يحللون عناصر الحوادث التي تحصل في مصر - ويكون لها سوء تأثير عند المحتلين - تحليلا حقيقيا يردون به كل جوهر إلى أصله، وكل معلول إلى علته، وكل نتيجة إلى مقدمتها، ولو وجد من الإنكليز في وظائفهم من لا يخدعهم تحريف المحرفين - والمحتلون أكثر الناس انخداعا بزخارف المموهين كما قال المرحوم الشيخ محمد عبده؛ مفتي الديار المصرية سابقا - لما انعكست آية ما بين أبناء البلاد وأولئك المسيطرين. •••
انعكست تلك الآية إلى حد أن يظنوا أن حادثة دنشواي أثر من آثار التعصب الديني القائم الآن بين المصريين والأوروبيين، وهو ظن باطل إن لم يكن خطأ مقصودا بالذات؛ لتخفيف شناعة ما فعله رجال الاحتلال في هذه الحادثة لدى الرأي العام الإنكليزي.
والقارئ لما نشرناه نقلا عن جريدة التيمس، يرى كيف كان مركز ناظر الخارجية حرجا في البرلمان وهو يسأل عن نقط كيفية تنفيذ الحكم على الصورة الفظيعة التي حصل بها، فلا يجد له جوابا سوى أن يعد بالجواب فيما بعد على هذه النقط.
अज्ञात पृष्ठ