وذهب ليلة فلم يجد إلا الجارية الشابة .. البهو هو البهو ولكن المائدة خالية .. وتساءلت عيناه في حيرة دون أن ينبس، فقالت الجارية: إنها مريضة وقد كلفتني بالاعتذار.
خفق قلبه وبرقت عيناه وابتسم، فقالت: ينبغي أن أرجع مسرعة.
فقال بلهفة: إنها شديدة الثقة!
وتقدم خطوتين فاحتواها بين ذراعيه، فقالت دون أن تبدي مقاومة تذكر: من يدري؟ - ولكن الفرصة لن تفلت من يدنا. - يا لها من مغامرة! - إنك حرة مثلها .. لا شك أنك شقيقتها.
تخلصت منه بعذوبة وجاءت بالطعام والشراب .. أقبلا على الشراب بإفراط ليبددا مناخ التوتر والفكر .. وتذاوبا في رغبة متأججة .. واعتليا قمة التحدي، فغابا عن الوجود .. واستيقظ مبكرا .. قام يترنح برأس ثقيل .. أزاح الستار فتدفق ضوء المصباح .. حانت منه التفاتة إلى ذكريات الليلة الماضية ففرت من فيه آهة وجحظت عيناه .. رأى الجارية الجميلة مذبوحة! .. صفي دمها تماما، واستقر بها الموت .. متى .. من .. كيف .. هل يهرب؟ ما أثقل رأسه! .. كأنما شرب في الخمر بنجا .. التهمة معلقة فوق رأسه .. فكر سريعا .. وبلا منطق .. الحديقة .. دفن الجثة .. إزالة آثار الدماء .. هل في الدار من يراقبه؟ عليه أن يعمل وأن يسلم نفسه للمقادر .. لا وقت للتفكير .. تقوض البناء كله .. ما كان كان .. لازمه شبح المرأة الأخرى طيلة الوقت.
وعندما ألقى على المكان نظرة أخيرة، رأى عقدا ذا فص من الماس ملقى أسفل السرير، فتناوله وهو لا يدري ماذا يفعل، ودسه في جيبه .. تسلل إلى الخارج وهو يقول: ستكون معجزة إذا نجوت.
5
مضى عجر يتخبط في زنزانة كربه المقيم .. الجريمة تحاصره وتبسط قبضتها المتشنجة لتخنق عنقه .. أعاهدك يا ربي على التوبة إذا أنقذتني .. رآه ابنه علاء الدين فسر بعودته على حين كشرت فتوحة زوجته عن أنيابها، قال دون مبالاة: غلبني النعاس في غرزة.
لعنته .. الحياة بينهما تجري مكتظة بالنقار والمودة .. فتح دكانه متأخرا عن ميعاده .. استقبل الرءوس واللحى بعقل شارد يهيم في وديان الرعب .. كان ثمة شخص ثالث هو القاتل بلا ريب .. لكن لماذا قتل الشابة الجميلة؟ .. الغيرة؟ غيرة رجل مجهول أم غيرة امرأة؟ دائما تطارده صورة الأخت الكبرى .. قوية وفاجرة وقادرة على الكبائر .. هل تكتشف الجثة؟ هل علم أحد بتسلله الليلي؟ هل يساق ذات يوم إلى السياف ليضرب عنقه؟ أعاهدك يا ربي على التوبة إذا أنقذتني .. وفكر لحظات في الهرب .. العقد المستقر فوق بطنه يعد ثروة ولكن عرضه للبيع قد يوقعه في شر أعماله .. كلا .. إنه لم يقتل ولن يهرب والعناية الإلهية لا تنام .. أجل إن العناية الإلهية لا تنام، ولكن من هذا؟ نظر بصدر منقبض إلى «المجنون» وهو يدخل الدكان فيقتعد الأرض في بساطة وهو يأكل مشمشة .. وكان يشذب لحية الطبيب عبد القادر المهيني فقال للمجنون: ماذا جاء بك في النهار على غير عادة؟
فقال المجنون ببساطة: نهارك ليل يا عجر. - أعوذ بالله من شر الكلام.
अज्ञात पृष्ठ