لا هو وجه جمصة البلطي ولا وجه عبد الله .. وجه قمحي، صافي البشرة، ولحية مسترسلة سوداء، وشعر غزير مفروق ينسدل حتى المنكبين، ونظرة عينين تومض بلغة النجوم .. أدرك الموت عبد الله كما أدرك جمصة البلطي من قبل .. وغاب فاضل وأكرمان، ورسمية وحسنية، وأم السعد .. ولكن ثمة أصواتا جديدة تتجسد، ومغامرات جديدة تقبل مع الشروق، ودنيا جديدة تنكشف عن عجائب مباركة.
22
طابت له الحياة في الخلاء على مقربة من اللسان الأخضر الممتد في النهر .. النخلة جليسه، وصيد النهر غذاؤه، والهواء النقي أليفه، ورواد اللسان الأخضر من أهل الصبوات والطرب مثار نقمته ومرتاد عفوه، أما راحة قلبه ففي مناجاة عبد الله البحري .. ويجيء عابرو النهر بأنباء المدينة .. علم فيما علم أن الحاكم يوسف الطاهر اختار حسام الفقي كاتما لسره وبيومي الأرمل كبيرا لشرطته .. علم أيضا أن قوات الأمن تجتاح الحي كإعصار، وأنهم يبحثون عن عبد الله الحمال، وأنهم ألقوا القبض على معارفه ، فسيق إلى السجن رجب الحمال، وفاضل صنعان وزوجته أكرمان .. هكذا سرعان ما فني أمنه وجزع قلبه فتوثب من جديد للنضال.
23
لم يذهب ليقتل ولكن ليقدم نفسه فدية عمن يحب .. لم يستشعر رهبة ولا خوفا، وسما به الإلهام فوق الوساوس .. قصد من توه بيومي الأرمل في دار الشرطة، وقال بهدوء ورزانة: جئت لأعترف بين يديك بأني قاتل عدنان شومة!
فانتبه إليه كبير الشرطة متفحصا، وسأله: من أنت؟ - عبد الله البري صياد سمك.
من منظره شك كبير الشرطة في جنونه، فأمر بتكبيله بالحديد اتقاء لخطره، ثم سأله: ولم قتلت عدنان شومة؟
فأجاب ببساطة: إنني مكلف بقتل الأشرار. - من الذي كلفك بذلك؟ - سنجام؛ ذلك العفريت المؤمن، وبوحيه قتلت خليل الهمذاني، وبطيشة مرجان، وإبراهيم العطار.
فجاراه الرجل قائلا: سبق أن اعترف بقتل الهمذاني كبير الشرطة الأسبق جمصة البلطي.
فهتف الرجل: في الأصل كنت جمصة البلطي! - رأسه معلق بباب داره! - وقد رأيته بعيني رأسي! - وتصر على أنك صاحب الرأس؟ - لا ريب في ذلك، وسوف تصدقني عندما تسمع حكايتي. - لكن كيف ومتى ركبت هذا الرأس الجديد؟ - دعني أطلب سنجام شاهدا.
अज्ञात पृष्ठ