فقالت ببراءة: راجعة لأمي.
فغاص في الظلام حتى فقد البصر، وقال تعالي أريك شيئا طريفا.
حملها بين ذراعيه حتى اندلق ماء المخلل على جبته الحريرية، ومضى بها إلى ما تحت سلم الكتاب .. حارت البنت في أمر حنانه الغامض، لم ترتح إليه، وقالت متشكية: أمي تنتظر.
لكنه أثار حب استطلاعها بقدر ما أثار مخاوفها .. أغراها عمره - الذي ذكرها بأبيها - بنوع من الاطمئنان .. خالط ذلك قلق مجهول، وتوقع لحلم عجيب .. وندت عنها صرخة باكية تمزق لها وجدانه، وبعثت في مخيلته المظلمة أطيافا مرعبة، فسرعان ما كتم فاها براحته المرتعشة .. لطمته إفاقة مباغتة، فعاد إلى سطح الأرض وهمس متوسلا: لا تبكي .. لا تخافي.
وزحف اليأس حتى قوض أركان العالم .. ومن الخراب الشامل تناهى إليه وقع أقدام تقترب .. وبسرعة قبض على عنقها الرقيق بيدين غريبتين عنه، وتردى في الهاوية كوحش كاسر زلت قدمه .. أدرك أنه انتهى .. انتبه إلى صوت ينادي: بسيمة .. بنت يا بسيمة.
قال لنفسه في يأس كامل: لا مفر.
وضح الآن أن الأقدام تقترب من مكمنه .. وضوء فانوس يتخايل .. دفعته رغبة للخروج حاملا الجثة .. وإذا بوجود ثقيل يقتحم وجوده المتهافت فاقتحمته ذكرى الحلم .. وسمع الصوت الذي سمعه منذ يومين يتساءل: أهذا ما تعاهدنا عليه؟
قال مستسلما: أنت حقيقة إذن ولست حلما! - أنت مجنون ولا ريب. - أوافق على ذلك ولكنك أنت السبب!
فقال الصوت بغيظ: ما طالبتك بشر قط.
فقال بحرارة: لا وقت للمناقشة، أنقذني لأفي لك بما تعاهدنا عليه. - هذا ما جئت من أجله، ولكنك لا تفهم.
अज्ञात पृष्ठ