توثب الحراس، وهتف السلطان من فوق المنصة: من أذن لك بالكلام أيها الغريب المجنون؟
فنهره السلطان قائلا بحزم: أفق من جنونك أنت، إنك تخاطب السلطان شهريار.
ألجمت المفاجأة الألسنة، وقف إلى جانبي السلطان دندان وشبيب رامة شاهري سيفيهما .. أما السلطان فأخرج من جيبه خاتم الملك ولوح به في وجه الآخر .. أفاق السلطان الزائف من ذهوله فوثب من فوق المنصة، ثم سجد بين يدي السلطان، وقال بنبرة مرتعشة: عبدك إبراهيم السقاء. - ما معنى هذه المهزلة؟
فقال الرجل وهو ينتفض من الرعب: عفوا يا مولاي .. إيذن لي برواية حكايتي واغفر لي حماقتي.
6
قص إبراهيم السقاء قصته على السلطان بمجلسه الصيفي بالقصر .. قال: منذ صباي يا مولاي وأنا من المتوكلين على الله، أكدح من الفجر حتى المغيب، رزقي محدود وقلبي قنوع وسلوتي في الجوزة .. ويسر الله لي نعمة كبيرة فتزوجت من أرملة جمصة البلطي، ولم أكن أحلم بأكل اللحمة إلا في عيد الأضحي .. ولما قتل ابن صديقي عجر الحلاق انقلبت موازيني، وسمعت ما يتهامس به الناس، فهيمن علي حزن لم أعرفه من قبل وقلت إننا نحن الفقراء ليس لنا إلا الله .. وكان القدر يخبئ لي مفاجأة لا تخطر بالبال، فعثرت على كنز خارج البوابة وصرت من أغنى الأغنياء .. فكرت - وهو المألوف - أن أستأثر بالمال وحدي، ولكن حبي للفقراء دفعني إلى سبيل آخر، فصممت على إنشاء مملكة وهمية نهيم فيها جميعا يدا واحدة.
تبسم شهريار، وقال مقاطعا: الحشيش استهلك عقلك. - لا أنكر ذلك؛ فالفكرة لا تخطر إلا ببال حشاش، وتحمس الصعاليك لها أيما تحمس .. وقع اختيارنا على تلك الجزيرة المهجورة، توجت نفسي سلطانا، واخترت من الحفاة الجياع الوزراء والقادة ورجال المملكة، ولم نكن نتلاقى لتمثيل لعبتنا إلا في الليل، فننقلب من صعاليك متشردين إلى رجال مملكة عظام، نأكل ما نشتهي ونشرب ما نحب، ونتبادل الأحاديث في شئون المملكة؛ كل بحسب موقعه ودرجته .. ولما كانت المؤامرة التي أهلكت علاء الدين تلح علينا، فنعقد كل ليلة محكمة يأخذ فيها العدل مجراه بعد أن عز عليه ذلك في الدنيا.
فتساءل السلطان ساخرا: وأضعت الكنز يا حشاش؟ - لم يبق منه إلا القليل، ولكنا اشترينا به سعادة لا تقدر بمال!
7
سر شهريار بحكاية إبراهيم السقاء سرورا لا مزيد عليه، ولكنه قال لدندان: وافني بما يشاع عن مصرع علاء الدين بن عجر الحلاق.
अज्ञात पृष्ठ