في تلك الأثناء شاع الحزن في قلوب الناس .. لم يحرق الحزن زبيدة وحدها، ولا فتوحة وعجر وحدهما، ولكن القلوب تألمت لمصير الفتى الجميل، وأصرت على تبرئته مما رمي به، وأشارت إلى كبير الشرطة وابنه حبظلم بظاظا باعتبارهما المدبرين للجريمة .. وزاد من شك الناس ظهور نعمة مفاجئة على المعين بن ساوي فآمنوا بأن المدبرين استعانا بخبرته السابقة كرئيس للشرطة في تنفيذ ما بيتا .. والتمس عجر الرأفة عند الفضل بن خاقان وهيكل الزعفراني ولكنه وجد منهما الزجر والرفض .. وحث الشيخ عبد الله البلخي على السعي مستعينا بمهابته، ولكن لم تند عن الشيخ كلمة أو حركة .. وتلاحقت الإجراءات بسرعة مذهلة فحوكم علاء الدين وقضي عليه بالنطع.
17
وفي صباح يوم بارد من أيام الخريف، سيق علاء الدين إلى النطع في حراسة مشددة، وسط جمهور غفير من أهل الحي، جمع بين الرسميين والكادحين .. لم يصدق علاء الدين ما يحدث .. وكان يصيح: إني بريء والله شهيد.
زاغ بصره بين الوجوه المحملقة، المشفقة والشامتة، ورفع وجهه إلى السماء المتوارية وراء السحب مسلما أمره إلى خالقه .. تناهى إليه صراخ أمه وزوجته فارتجف قلبه .. تذكر رغم ذهوله أنه كان يأمل أن يخرج من حيرته إلى سيف الجهاد أو الحب الإلهي، ولم يخطر بباله قط سيف الجلاد .. وتطلع كثيرون إلى معجزة تقع في اللحظة الأخيرة كما حدث لعجر وغيره، ولكن السيف ارتفع أمام أعينهم في جو قاتم ثم هوى مبددا الآمال، فانفصل الرأس النبيل الجميل عن الجسد.
18
في دار الشيخ تأوه عجر هاتفا: ابني بريء.
وولولت زبيدة: بريء طاهر وحسبي الله.
وتربع الشيخ صامتا وهادئا .. لم يفعل شيئا وحتى الحزن لم يعلنه .. وقالت له ابنته: إني معذبة يا أبي.
وقال له عجر بعنف: لم تحرك ساكنا كأن الأمر لا يعنيك.
نظر إلى ابنته دون مبالاة بعجر، وقال: الصبر يا زبيدة.
अज्ञात पृष्ठ