شد الانتباه من فوره، وبدا فريسة لعاطفة قهارة، فقال: لمحت ست الدار، أعوذ بالله من عنف الجمال إذا طغى.
لنا الله .. ليس الأمر بالهزل .. انطلق أصحاب الأشواق يستطلعون .. انطلقوا إلى سوق السلاح حيث تقوم الدار الحمراء .. دار كبيرة هجرت زمنا لهلاك أصحابها في وباء .. تركت عارية وماتت حديقتها .. حتى اكترتها امرأة غريبة من بلد مجهول مصحوبة بعبد واحد .. وفي الليل العميق يترامى من وراء أسوارها غناء عذب ونغم ساحر .. قالوا لعلها غانية!
وإذا بعجر الحلاق يتحدث عنها بجنون لكل زبون يقصده .. يقول: عصفت بتوبتي وأصابتني بسهم العذاب الأبدي.
ويقول: دعتني لتهذيب خصلات شعرها وتقليم أظافرها، لو كانت سيدة محتشمة لدعت بلانة ولكنها نار الله الموقدة!
وعرف أن اسمها «أنيس الجليس» وتضاربت الأقوال في وصفها حتى أثارت الشك في عقول الواصفين، فمن قائل إنها بيضاء شقراء، ومن قائل إنها سمراء خمرية صافية، ومن منوه ببدانتها إلى متغزل في رشاقتها .. هيج ذلك مكامن الأشواق فتوثب الأعيان والموسرون لاقتحام المجهول.
4
يوسف الطاهر أول من قام بالمبادرة .. منذ عزله وهو ثري يعاني البطالة والضجر فجاءه الفرج .. مع الليل ذهب إلى الدار الحمراء وطرق الباب .. فتح له العبد، وسأله: ماذا تريد؟
فأجابه بجرأة رجل حكم الحي زمنا: غريب ينشد مأوى عند أهل الكرم.
غاب العبد وقتا، ثم رجع موسعا للقادم، وهو يقول: أهلا بالغريب في دار الغرباء.
أدخل إلى بهو مزين الجدران بالأرابيسك، مفروش بالأبسطة الفارسية، والدواوين الأنطاكية، محلى بتحف الهند والصين والأندلس، أبهة لا ترى إلا في دور الأمراء.
अज्ञात पृष्ठ