غِيْظَ العدَى من تَساقِينَا الهَوَى فَدَعَوا ... بأنْ نَغَصَّ فقالَ الدَّهرُ آمينا
فانْحَلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا ... وانْبَتَّ ما كان موصولًا بأيدينا
لا تحسبوا أنَّ بُعْدَ الدَّار غَيَّرَنَا ... يا طالما غَيَّرَ النَّاْيُ المُحبيِّنا
والله ما طلبتْ أرواحُنا بَدَلًا ... منكُمْ ولا انصرفتْ عنكُمْ أمانينا
فيا نسيمَ الصَّبا بَلِّغْ تحيَّتَنَا ... مَنْ لو على البُعْدِ حيَّا كانَ يُحيينا
(لسنا نُسميَّكَ إجلالًا وتكرمةً ... وقَدرُكَ الُمعْتَلِي عن ذاك يُغنينا
يا جنَّةَ الخُلدِ أُبْدِلْنَا بِسِدْرَتَهِا ... والكَوْثَرِ العَذْبِ زقُّمًا وغسلينا)
يا صرخةَ البين كم فَتَّتَّ من كبدٍ ... ويا مُنادي الأسى كم ذا تنُادينا
ويا غُرابًا ببُعْد الدَّار خَبَّرنَا ... فَقَدْتَ إلْفَكَ كم بالبَيْن تَنْعينَا
فيا لله ما كان أخلى قربه ووصاله، وما أسرع نأيه وارتحاله. فصرت بعده أجرد الهم للهمم، ولا أجيب العذال للصمم، وأصبو إلى أجفانه المراض الصحاح، وأدخل منها في المضائق الفساح:
نَعَمْ في جُفُون التُّرك للنَّفْس صَبْوَةٌ ... وللقلب في تِلْكَ المضائِقِ مَدْخَلُ
وتجرح قلبي تارةً بعد تارةٍ ... وتشهد أنَّي عاشقٌ فتَعْدِلُ
ورُبَّ عذولٍ لامني فتركتُه ... يقول وقلبي بالصَّبابة يفعلُ
(ولو أنّ عذالي على الحسن اخوتي ... لقلتُ لهم طوعي لذا الحُسن أجملُ
أقيموا بني أُمَّي صدور مطيِّكم ... فإنِّي إلى قومٍ سواكم لأمَيلُ
سقى الغيث أوقاني إذا الغيث ممكن ... وخدام أمري بالهناء تَتَعَجُّلُ
زماني مختار وقصدي منجحٌ ... وراحي ريحان وبدري مُقْبلُ
مدى اللَّيلِ فيه ناطري مُتفكِّرٌ ... إلى لثمةٍ من ضمِّه أتنقَّلُ)
وهاأنا أرجو من كرم الله اخضرار عود العود، وانسكاب سحاب الوصل بالجودة والجود، لأشرح الصدر بليلة كالماضية، وأقطع حيازيم البعد بأسياف جفونه الماضية، فإنني واثق منه بالوعد الوفي، وأرجو
1 / 77