وغدا يَمْسَحُ بالمنْديِلِ مَا ... أبْقَتِ الخَمْرَةُ في ذاك اللَّعَسْ
عَجَبًَا مِنْها ومِنْهُ قَهْقَهَتْ ... إذْ حَساهَا وهْوَ مِنْها قَدْ عَبَسْ
ولم نزل على هذه اللذة الغائبة الفانية، والعيشة الشافية الصافية، حتى انتصف الليل، وأقبلت عساكر السعد بالرجل والخيل، فأمرت صاحبي برفع المدام، وتجهيز المرقد للمنام. فرفع الأواني في الحال، وأقبل على ذلك الشان وشال، وعلق في المرقد نفحات المسك الأذفر، وأطلق فيه مباخر الند والعنبر، ثم قال: أين ترسم لي أن أبيت؟
فقلت: نم عندنا، لكن؛ خارج المبيت، فأنت ممن تحققنا منه المروءة والشفقة، فاخرج عنا ورد الباب بالحلقة.
ففعل ما أمرناه وخرج، ولم يبق في الصدر هم ولا حرج، فقلت لمحبوبي: أما تقوم بنا لننام، وأتنعم بتقبيل الثغر واعتناق القوام.
فقال لي: أقوم، ولكن العناق حرام، فقلت: في عنقي تكون الأوزار والآثام:
دعوتُهُ لعناقٍ فانثنى خجلًا ... وكُلَّلت وجناتُ الخَدِّ بالعَرَقِ
فقامَ ينهضُ والصَّهباء تقُعدُهُ ... سُكْرًا وحاولَ أنْ يسعى فلم يُطقِ
وقال لي بفُتُورٍ من لواحظه ... إنَّ العناقَ حرامٌ قلتُ: في عنُقُي
فقال: أستغفر الله من الفجور واللغط، ومن وقوعك أيها الإنسان في النسيان والغلط.
فقلت: لا تظن أن محبتك من الخطايا والسيئات، ولا تخل أن صحيفة عاشقك كسواد خيلانك والحسنات، واعلم أن هواك من أفضل الفضائل وأحسن القربات:
أستغفرُ الله إلاَّ من محبَّتكُم ... فإنَّها حسناتي يومَ ألقاهُ
1 / 67