على ركبنا نفائس الفوط على عادة الشرب والسقاة، وبعثنا أرواح الراح في أجسام الأقداح، وسال دم الزق في تلك البواطي وساح.
وابتنى ابن الغيوم بابنه الكروم، فما دخلا حتى اتفقا على إطلاق الهموم، فيا له مجلسًا ما فيه ساع سوى ساقي المدام، ولا مع الأحباب سوى الريحان نمام:
ومجلسٍ راقَ من واشٍ يُكَدِّرُهُ ... ومن رقيبٍ له باللَّومِ إلمامُ
ما فيه ساعٍ سوى السَّاقي وليس به ... بين النَّدامى سوى الرَّيحان نمَّامُ
ولم يزل المحبوب ينادمني، ويعاطيني الكاسات ويناولني، فأقصد مكان فيه من فيه، وقد رقت وراقت، فلم أدر أهي في المدام أم المدام فيه؟ واشتبه الأمر علي، ووقعت في الوسواس، فكأنها كاس بلا خمر، أو خمر بلا كاس:
رقَّ الزّجاج وراقتِ الخمرُ ... وتَشَابَهَا فتشاكلَ الأمرُ
فكأنَّما خمرٌ ولا قَدَحٌ ... وكأنَّما قدَحٌ ولا خمرُ
فقال لي المحبوب وقد سقاني، ومن داء البعاد شفاني: اشرب ولا تخش من
الأوزار، فقد أمكنك المحبوب وزار، وأطفي بنار المدام فرط همك وكربك، ولا تخش إثمًا، فأوراق الكرم أكف غدت تستغفر الله لذنبك:
1 / 62