فبادرت في الحال إلى امتثال أمره، وتنقلت من برد ثغره ونجد ردفه إلى غور خصره:
يا طِيبَ يومٍ ظَلْتُ فيهِ مُعانقًَا ... مَنْ أَشْتَهِي قدْ كانَ يومًا أزهرا
واصلتُ فيه مُعذَّبي ولثمُتهُ ... ألفًا على وجناتِهِ أو أكْثَرا
ويعزُّ والله العظيم عليَّ أنْ ... أصف الذي قد كان منَّي أو جرى
لكنني لم أخل من واشٍ ورقيب، فلم تكمل لذتي بمجالسة الحبيب، لأنني حين حللت عن أردافه بند القباء، خشيت التنغيص من الوشاة والرقباء، فلم أتهنا بوصل وعناق، ولم يحصل للقلب شفاء من تلك الشفاه الرقاق، بل كنت الثم لثمة، وأنظر إلى الطريق، وأرشف رشفة، ورحيقه في القلب حريق، فكأنني عصفور أتى يسرق يانع الثمر، وهو حذر من نواظر النواطير بالغ الحذر:
فكَمْ عناقٍ لنا وكَمْ قُبَلٍ ... مُخْتَلسَاتٍ حِذارَ مُرتَقِبِ
نقر العصافيرِ وهي خائفةٌ ... من النّواطير يانع الرُّطبِ
فملازمة الرقيب أمر يضني، ومرض يفتت القلب ويفني، والمحبون ابتلوا بالرقباء قديمًا، وراعوا بهم روض الغرام يانعًا وهشيمًا، مع أن الرقيب هو المبتلى بالنصب، وصاحب الأرق والأسى والتعب؛ لأن
1 / 28