लवाकिह अनवर
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
प्रकाशक
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
प्रकाशन वर्ष
1315 هـ
واسمه ثوبان بن إبراهيم وكان أبوه نوبيا توفي سنة خمس وأربعين ومائتين، وكان رضي الله عنه رجلا نحيفا تعلوه حمرة وليس بأبيض اللحية. ولما توفي رضي الله عنه بالجيزة حمل في قارب مخافة أن ينقطع الجسر من كثرة الناس مع جنازته ورأى الناس طيورا خضرا ترفرف على جنازته حتى وصلت إلى قبره رضي الله عنه.
ومن كلامه رضي الله عنه: إياك أن تكون للمعرفة مدعيا أو بالزهد محترفا أو بالعبادة متعلقا وفر من كل شيء إلى ربك، وكان يقول: كل مدع محجوب بدعواه عن شهود الحق لأن الحق شاهد لأهل الحق بأن الله هو الحق، وقوله الحق ومن كان الحق تعالى شاهدا له لا يحتاج أن يدعي فالدعوي علامة على الحجاب عن الحق، والسلام، وكان يقول للعلماء أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علما ازداد في الدنيا زهدا وبغضا وأنتم اليوم كلما ازداد أحدكم علما ازداد في الدنيا حبا وطلبا ومزاحمة وأدركناهم وهم ينفقون الأموال في تحصيل العلم وأنتم اليوم تنفقون العلم في تحصيل المال، وكان يقول: يا معشر المريدين من أراد منكم الطريق فليلق العلماء بإظهار الجهل والزهاد بإظهار الرغبة والعارفين بالصمت.
قلت وذلك ليزيده العلماء علما والزهاد زهدا والعارفون معرفة قال الله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " " التوبة: 60 " الآية. وسئل رضي الله عنه عن السفلة من الخلق من هم فقال من لا يعرف الطريق إلى الله تعالى ولا يتعرفه وكان يقول سيأتي على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس.
قلت: والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله تعالى الأماني والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت وكان يقول لم يزل الناس يسخرون بالفقراء في كل عصر، ليكون للفقراء رضي الله عنهم التأسي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال قد جاءتني امرأة فقالت: إن ابني أخذه التمساح فلما رأيت حرقتها على ولدها أتيت النيل وقلت اللهم أظهر السماح فخرج إلي فشققت عن جوفه فأخرجت ابنها حيا صحيحا فأخذته ومضت وقالت اجعلني في حل فإني كنت إذا رأيتك سخرت منك وأنا تائبة إلى الله عز وجل، وكان يقول من علامة سخط الله تعالى على العبد خوفه من الفقر، وكان يقول: لكل شيء علامة وعلامة طرد العارف عن حضرة الله تعالى انقطاعه عن ذكر الله عز وجل، وقال رضي الله عنه: إذا تكامل حزن المحزون لم تجد له دمعة وذلك لأن القلب إذا رق سلا وإذا جمد وغلظ سخر وتذاكر الفقراء عنده يوما في المحبة فقال لهم كفوا عن هذه المسألة لئلا تسمعها النفوس فتدعيها، وكان يقول: من القلوب قلب يستغفر قبل أن يذنب فيثاب قبل أن يطيع، وكان يقول إن الله تعالى أنطق اللسان بالبيان وافتتحه بالكلام وجعل القلوب أوعية للعمل ولولا ذلك كان الإنسان بمنزلة البهيمة يومئ بالرأس ويشير باليد، وكان يقول: كنا إذا سمعنا شابا يتكلم بالمجلس أيسنا من خيره وكان يقول من لم يفتش على الرغيفين من الحلال لا يفلح في طريق الله عز وجل، وقال له رجل: إن امرأتي تقرأ عليك السلام فقال رضي الله عنه لا تقرءونا من النساء السلام وكان يقول: إياكم وكثرة الإخوان والمعارف وكان رضي الله عنه يقول: لحنا في العمل وأعربنا في الكلام فكيف نفلح .
قلت: وكذلك كان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول: من آنسه الله بقربه أعطاه العلم من غير طلب وكان يقول ليس بعاقل من تعلم العلم فعرف به ثم آثر بعد ذلك هواه على عمله، وليس بعاقل من طلب الإنصاف من غيره لنفسه ولم ينصف من نفسه غيره، وليس بعاقل من نسي الله في طاعته وذكر الله تعالى في مواضع الحاجة إليه، وكان رضي الله عنه يقول: تواضع لجميع خلق الله تعالى وإياك أن تتواضع لمن يسألك أن تتواضع له فإن سؤاله إياك يدل على تكبره في الباطن وتواضعك له يكون له عونا على التكبر، وكان يقول رضي الله عنه: من نظر في عيوب الناس عمى عن عيب نفسه وكان يقول من طلب مع الخبز ملحا لم يفلح في طريق القوم.
وسئل رضي الله عنه عن كمال العقل وعن كمال المعرفة فقال: إذا كنت قائما بما أمرت تاركا لتكلف ما كفيت فأنت كامل العقل وإذا كنت بالله عز وجل متعلقا وغير ناظر إلى سواه من أحوالك وأعمالك فأنت كامل المعرفة، وكان رضي الله عنه يقول: قد غلب على العباد والنساك والقراء في هذا الزمن التهاون بالذنوب حتى غرقوا في شهوة بطونهم وفروجهم وحجبوا عن شهود عيوبهم فهلكوا وهم لا يشعرون
पृष्ठ 60