लवाकिह अनवर
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
प्रकाशक
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
प्रकाशन वर्ष
1315 هـ
بانشراح قلب، وكان يقول: من شرط العالم أن لا تخطر محبة الدنيا على باله. وقيل له من سفلة الناس، قال: الذين يتعيشون بدينهم، وكان يقول: كيف يدعي رجل أنه أكثر علما وهو أقل خوفا وزهدا، وكان رضي الله عنه يقول: من علامة من عرف نفسه أن يكون أذل من الكلب، وكان يقول: من ختم نهاره بذكر، كتب نهاره ذاكرا، وكان يتحرى هذا العمل، وكان يقول: رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية، وكان رضي الله عنه يتمثل بهذين البيتين من كلامه:
وهل بدل الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها
لقد رتع القوم في جيفة ... يبين لذي العلم إنتانها
وكان رضي الله عنه يقول: مسكين ابن آدم، قد وكل به خمسة أملاك ملكان بالليل وملكان بالنهار يجيئان ويذهبان والخامس لا يفارقه ليلا ولا نهارا، وكان إذا اشتهى شيئا لا يأكله إلا مع ضيف ويقول: بلغنا أن طعام الضيف لا حساب عليه قالوا: وكانت سفرة المبارك تحمل على عجلة أو عجلتين وقال: أبو إسحاق الطالقاني رأيت بعيرين مملوءين دجاجا مشويا لسفرة ابن المبارك وكان رضي الله عنه يطعم أصحابه الفالوذج والخبيص ويظل هو نهاره صائما، وما دخل رضي الله عنه الحمام قط، وقيل له مرة قد قل المال فقلل من صلة الناس.
فقال: إن كان المال قد قل فإن العمر قد نفد، وكان رضي الله عنه يقول: أربع كلمات انتخبن من أربعة آلاف حديث لا تثقن بامرأة ولا تغترن بمال ولا تحمل معدتك ما لا تطيق وتعلم من العلم ما ينفعك فقط، وكان إذا بلغه عن أصحابه أنهم أضافوا إليه مسألة يرسل إليهم بكشطها بالسكين، ويقول: من أنا حتى يكتب قولي، وكان يقول: كن محبا للخمول كارها للشهرة، ولا تحب من نفسك أنك تحب الخمول فترفع نفسك، وكان يقول دعواك الزهد من نفسك يخرجك عن الزهد، وكان يقول سلطان الزهد، أعظم من سلطان الرعية لأن سلطان الرعية لا يجمع الناس إلا بالعصا، والزاهد ينفر من الناس فيتبعوه، ولما قدم هارون الرشيد الرقة ورد عبد الله بن المبارك فانجفل الناس إليه وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة فأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج قصر الخشب، فلما رأت الناس وكثرتهم قالت: ما هذا قالوا عالم خراسان فقالت: والله هذا هو الملك لا ملك هارون الرشيد الذي يجمع الناس إليه بالسوط والعصا والشرط والأعوان، وكان إذا قرأ شيئا من كتب الوعظ كأنه بقرة منحورة من البكاء لا يجترئ أحد يدنو منه ولا يسأله عن شيء، وقيل له إن جماعة من أهل العلم يأخذون من الناس الزكوات فقال: فما نصنع إن منعناهم، وقفوا عن طلب العلم وهان رخصنا لهم حصلوا العلم وتحصيل العلم أفضل، وكان يقول: لأن أرد درهما من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بستمائة ألف ألف، وقيل له ما التواضع قال التكبر على الأغنياء، وبلغ ابن المبارك عن إسماعيل بن علية أنه قد ولي الصدقات فكتب إليه ابن المبارك:
يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد أموال السلاطين
احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعدما ... كنت دواء للمجانين
أين رواياتك والقول في ... لزوم أبواب السلاطين
إن قلت كرهت فما هكذا ... زل حمار الشيخ في الطين
وذكر لعبد الله ما كان عليه يوسف بن أسباط من العبادة فقال: لقد ذكرتم قوما يستشفي بذكرهم ولكن إن فعل الناس جميعهم ذلك فمن لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لعيادة المرضى وشهود الجنائز، وعد أنواعا من القرب وقيل له: كيف تعلم الملائكة أن الإنسان قد هم بحسبه؟ فقال رضي الله عنه يجدون ريحها، وكان يقول: عجبت طالب العلم كيف تدعوه نفسه إلى محبة الدنيا مع إيمانه بما حمل من العلم، وكان يقول: إن الرحمة تنزل عند ذكر الصالحين. ورجع رضي الله عنه من مرو إلى الشام في رد قلم كان أستعاره ونسيه في رحله، وكان يقول: كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين وكان قليل الخلاف على أصحابه وينشد:
وإذا تصحب فاصحب ماجدا ... ذا عفاف وحياء وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم
وكان يقول على العاقل أن لا يستخف بثلاثة: العلماء والسلطان والإخوان فإن من استخف بالعلماء ذهبت
पृष्ठ 51