150

लवाकिह अनवर

الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار

प्रकाशक

مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر

प्रकाशन वर्ष

1315 هـ

وتلبس ثوب صدق عزمك، وتحتزم بحزام إيمانك فإذا كان عملك كله في قلبك كان فائدة، وربحا وأضرم نار القلب، واحترق الحشا، وامتلأ القلب خوفا من الله تعالى ومحبة له فما رقيق الثياب حينئذ، وما خشنها فإذا قويت في القلب الأنوار لم يطق صاحبه حمل ثوب رقيق، ولا إزار. قلت: وهذا سبب ترك بعض القوم لبس الثياب من مجاذيب، وصحاة، والله أعلم. قال الشيخ رضي الله عنه: فإن تهتك هذا فلا يلام، وإن صاح أو باح فقد حل عنه الملام، وإن رش عليه الماء في ليالي الأربعينيات فلا يزيده إلا ضراما، وكل شيء نزل باطنه من الطعام، والماء نار واستنار فيا أولادي الفقراء كلهم عندي ملاح فليكونوا عندكم كذلك فاحذروا الإنكار، وكان رضي الله عنه يقول: خاص الخاص من أهل الخصوصية جعلوا زواياهم قلوبهم، ولبسهم تقواهم وخوفهم من ربهم ومولاهم قد رفضوا الكرامات ولم يرضوا بها وخرجوا عنها لعلمهم أنها من ثمرة أعمالهم فلم يطيروا في الهواء ولم يمشوا على ماء، ولم تسخر لهم الهوام، ولم تبصبص لهم الأسود ولم يضربوا رجلهم بالأرض فتنفجر ماء، ولا مسوا أجذم، ولا أبرص فبرئ، ولا غير ذلك فخرجوا من الدنيا وأجورهم موفورة رضي الله عنهم أجمعين.

وكان رضي الله عنه يقول: يا أولادي عمركم في انتهاب وأجلكم في اقتراب، وقد طويت الدنيا، وجثا أولها عند آخرها فالسعادة كل السعادة لمن طوى منكم صحيفته كل يوم مضمخة معنبرة ممسكة معطرة بأعماله الزكية، وشيمه المرضية، والشقاوة كل الشقاوة لمن طوى منكم صحيفته كل يوم على زلات، وقبائح عظيمات يا أولادي كأنكم بالساهرة، وقد مدت وبالجبال، وقد دكت، وبالحجارة، وقد صاحت، وبالحصى، وهو يقطر دما فبادروا، واعملوا، ولا تسرفوا تندموا. هذه وصيتي لكم، وهديتي إليكم، وكان يقول: إنما قالوا حسنات الأبرار سيئات المقربين لأن المقرب يراعي الخطرات، واللحظات، ويعد ذلك من الهفوات، ويفتش على هواجس النفوس، ويراقب خروج أنفاسه، ويخاف من حسناته كما يخاف المذنب من سيئاته، والأبرار لا يقدرون على هذا الحال وأيضا فالمقرب لا يقول: عند شرابه أواه، ولا ما أحلاه، ولا يصفق بكف، ولا يصرخ، ولا يشق، ولا يضرب برأسه الحجر، ولا يهيم، ولا يمشي على الماء، ولا يقفز في الهواء فلما لم يقع منه شيء من ذلك أثبته أهل الطريق، ونفوا من فعل ذلك لقلة ثبوته على الواردات مع أنهم سلموا له حاله لغلبته عليه وجعلوا حسناته سيئات مع أن المقربين ليس لهم سيئات إنما هي محاسبات عاليات نفيسات، وكان يقول: كيف يدعي أحدكم أنه من الصالحين، وهو يقع في الأفعال الردية، ويكل طعام المساكين وأهل الرشا، والربا، والظلمة، وأعوانهم، وكيف يدعي أنه هن الصالحين، وهو يقع في الكذب، والغيبة والوقيعة في الناس، وفي أعراضهم، وكيف يطلب أن يكتب عند الله صادقا أو وليا أو حبيبا أو زكيا أو رضيا، وهو يقع في شيء من المناهي ولعمري هذا الآن لم يتب فكيف يدعي الطريق أو يتوب غيره وكان يقول: إن أردت يا ولدي أن تفهم أسرار القرآن العظيم فاقتل نفس دعواك، واذبح شبح قولك واطرح نفس نفسيتك تحت قدم أقدامك، وعفر خديك على الثرى، واشهد أن نفسك قبضة من تراب، واعترف بكثرة ذنوبك، وخف أن يرد عليك عبادتك، وقل يا ترى مثلي يقبل منه عمل فإذا كنت على هذا الوصف فيرجى لك أن تشم رائحة من معاني كلام ربك، وإلا فباب الفهم عنك مغلق وعزة ربي إن كل حرف من القرآن العظيم يعجز عن تفسيره الثقلان، ولو اجتمع الخلق كلهم أن يعلموا معنى " ب " بعقولهم لعجزوا، وما لأحد من ذات نفسه شيء قل، ولا جل، وإن لم يكن الله تعالى يعلم العبد، وإلا فهو عائم في البحر مزكوم محجوب لا شم، ولا لم، ولا علم، ولا حس، ومن لم يذق مقام القوم، ويرى، ويشاهد لم يحسن أن يصف بحر الإقرار له أو يترجم عن ساحل لا آخر له أو يعوم في قعر التخوم أو يصل إلى النون أو يدرك معاني السر المصون، وأما إذا أعطى عبده لحم ذلك فلا مانع، وكان رضي الله عنه يقول: شراب القوم لا يشربه من في قلبه عكر دنس، ولا بقايا غلس ولا حظوظ نفسانه، ولا دعاوى شيطانية، ولا كبر ترف، ولا نفس ثائرة.

وكان رضي الله عنه يقول: كم من علم يسمعه من لا يفهمه فيتلفه، ولذلك أخذت العهود على العلماء أن لا يودعوا العلم إلا عند من له عقل عاقل، وفهم ثاقب، وكان يقول: الصحيح من قول العلماء أن العقل في القلب لحديث " إن في الجسد مضغة "، ولكن إذا فكرت في كنه العقل، وجدت الرأس يدبر أمر الدنيا، ووجدت القلب يدبر أمر الآخرة فمن جاهد شاهد، ومن رقد تباعد، وكان يقول: ليس أحدهم يقدم في الطريق بكبر سنه، وتقادم

पृष्ठ 152