الفن الأول
من لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن مماتي
الحمد لله الذي أطلع بدور الفضائل من أفق المغرب، وجمع لهم شوارد المعاني فارتبطوا منها كل معنى مرقص ومطرب، وأباح لهم رياض البلاغة فاقتطعوا منها كل زهر مؤنق معجب، وفتح لهم مستصعب كنوزهم ففازوا منها بالذخائر، وعرفهم حل رموزها فعقدوا من إكسيرها ما قصر عن شأوهم فيه زكريا وجابر.
والصلاة والسلام على من آمن برسالته الثقلان، وأخرس بفصاحته كل منطيق ملسان "المؤيد بأقوى حجة وأقوم برهان، المخصوص بمعجزة القرآن، الذي رد عنه طرف من أراد معارضته حسيرًا، حين تلا عليهم "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان لبعضهم لبعض ظهيرا".
صلى الله عليه وعلى آله ذوي الأوجه الصبيحة، والألسن الفصيحة، وأصحابه الذين أرشدوا الخلق، وهدوا من ضلّ في تيه الضلال إلى منهج الحق، وقاموا بعده بتبليغ دعوته حتى طبقت الغرب والشرق.
وبعد: فلما عضّني الدهر بنابه، وأرغى بي كل غُمرٍ ليس بنابه، رأيت أن الخلاص من أشراك مصائده، فالتوقى من سهام مكائده، لا يُنال إلاّ بالأسفار، وهي بارتكاب الأخطار، فخرجت من مصر خائفا أترقب، هائما لا أدري أين أذهب، حتى أدناني الهرب، إلى مدينة الشَهبَاء حلب، فلجأت إلى جانب سلطانها الملك الظاهر، وتفيأت من ظلال دولته ما أذهب عنّي حرّ الهواجر، وحين وجدته ملجأ للجاني، ومأمنا للعاني، وحرما لا تنفر أطياره، وطودا لا تسهل أوعاره، أنخت به مطايا الترحال، واطلعت بواعث الآمال في المرور من خدمته ببال الإقبال، وقطعت الأهوال في الوصول إليه مختفيا من الرقباء كطيف الخيال، ولحظ خدمتي، وحفظ حرمتي، وأجمل وفادتي، وأجزل إفادتي، وأجراني في الإكرام والاحترام على أنفس عادة سعادتي، وبسط أملي بلسان الإحسان، وقبض وجلي بما أعطاني من الزمان الأمان".
تكفل بي الوزير الصاحب الأجل العالم الصدر الإمام الفاضل الكامل، نظام الدين، شمس الإسلام والمسلمين، سيد الوزراء، أوحد الفضلاء، رئيس الرؤساء، تاج الملة، عضد الدولة، كهف الأمة، عمدة الأئمة، خلاصة الخلافة، شرف الإمامة، ذو المآثر والمفاخر مصطنع أمير المؤمنين، ذو البلاغتين، محمد بن الحسين"- أدام الله نفاذ مراسمه، واستحواذ مكارمه، وأمضى عزمه في كف الدهر ورفع مظالمه، فلا زالت أقلامه سود اللمم، شواب الهمم، جارية بأرزاق الأمم، متحدثه ألسنها بما يبهج الموالي ويزعج المعادي من أخبار النعم والنقم، ساعية على رؤوسها في الخدمة الظاهرية بما تظهر به أعلام فتوحها ظهور النار على العلم،- وتلقاني من عام إنعامه بما اقتضته هممه، وتوخاني من إتمام اهتمامه بما أمضته شيمه، وضاعف امتنانه لدي، وملأ بكرمه عيني فضلًا عن يدي، وعاملني بما سرّ القلب، وجاملني بما سرّى الكرب، وجمع لي فيما بين ماله وأدبه، وأطلق خاطري بما أطلق يدي فيه من خزانة كتبه.
فكان من جملتها "كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة"، تأليف أبي الحسن علي بن بسّام ﵀، وهو كتاب جليل المقدار، جميل الآثار؛ منتظم من عقود عقول الفضلاء، وفصوص فصول الأدباء، ما تغص به الأقطاب والأقطار، ويملأ ساحات ساعات الليل والنهار، وأشار -أبقاه الله- إلى أن أختارَ منه الطائل الطائر، ويُقتصَر فيه على النادّ النادر فبادرت إلى المرسوم، وثابرت على العمل بالمفهوم".
ووجدت الكتاب المشار إليه يشتمل على أربعة أقسام: الأول: فيما يختصّ بقرطبة وما يصاقبها من مواسطة الأندلس.
والثاني: فيما يتعّلق بالجانب الغربي من الأندلس واشبيلية وما يتّصل بذلك من بلاد البحر المحيط.
والثالث: في ذكر أهل الجانب الشرقي من الأندلس إلى منتهى كلمة الإسلام هنالك.
والرابع: فيمن طرأ على الجزيرة من الفضلاء والأدباء ووصل ذلك بذكر من نجم من الشعراء بافريقية وغيرها من الشام والعراق.
1 / 1
ووجدت المصنف المذكور لم يلزم قانونا في تقديم المقدم وتأخير المؤخر، بل ذكر كل اسم على ما اتفق له من ذكره، وخدم ذلك الاسم بما وجده من أخباره ونظمه ونثره، وألمّ في بعض الأشعار بالتنبيه على ما يشاكلها، والإشارة إلى ما يماثلها. فجردت منه خيار ما ودت فيه، وأظهرت من محاسنه ما كان الإكثار يغمره ويخفيه، وجعلته ثلاثة أجزاء: الأول: في المختار من الأشعار على ولاء ما ألف ونسق ما صنف.
الثاني: فيما دلّ ابتسام نواجذه، على دقائق مآخذه، مما تشاكلت معانيه وتماثلت مبانيه.
الثالث: في سحر عيون الأخبار، وما يستدل به على أن وجوه الآثار ألسنة الآثار، وسميته "لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة".
فإن وافق الغرض، ونهض بالمفترض، وإلاّ فكلّ مجتهد مصيب، وآخذ من العذر بنصيب، إن شاء الله، وهو ثقتي لا معبود سواه.
١- قال الأديب أبو عمر أحمد بن الدراج القسطلي من قصيدة:
وقد لمعت حوليك منهم أسنةٌ ... تُخيلُ أن الحزن والسهل نيران
أسود هياج ما تزال تراهم ... تطير بهم الكريهة عقبان
وقال من أخرى:
خوصٌ نفحن بنا البري حتى انثنتْ ... أشلاؤهُنّ كمثل أنصاف البُرى
وخططتُ بين جفانها وجُفونها ... حرما أبتْ حُرماتهُ أنْ تُخفرا
وقال في قصيدة:
أفي مثلها تنبو أياديك عن مثلي ... وهذي الأماني فيكَ جامعةُ الشّملِ
وقد أمّن المقْدارُ ما كنتُ أتّقي ... وأرْخَصَت الأيام ما كنت أستغلي
وهذا مُقامي منذ تسعٍ وأربعٍ ... رجائي في قيدٍ وحظّي في غلِّ
ولم تُصفني خُلقًا أرقّ من الهوى ... ولم تُولني نُعمي ألذّ من الوصل
ومن شيمة الماء القراح وإن صفا ... إذا اضطرمَتْ من تحته النارُ أنْ يغلي
منها:
أبا الأصبغ المعنى هل أنت مُصْرخي ... وهل أنت لي مُغنٍ وهل أنت لي معلي
فاكْسو لك الأيام من حرّ ما أشي ... وأملأ سمع الدّهر من سحرِ ما أُملي
وقال من قصيدة:
وتنبو الرّدينيّات والطولُ وافرٌ ... وينفذُ نصْل السّهم وهو قصير
وقال من أخرى:
إليك شحنّا الفُلك تهوي كأنّها ... وقد ذعرَتْ من مغرب الشمس غربان
على لُججٍ خضرٍ إذا هبّت الصّبا ... ترامى بنا فيها ثبيرٌ وثهلان
ومنها:
وإنّ بلادًا أخرجتني لعطّلٌ ... وإنّ زمنًا خان عهدي لخوّان
سلامٌ على الإخوان تسلْيمِ يائس ... وسقيًا لدهر كان لي فيه إخوان
يودّعهم شخصي بشجو كمثْل ما ... أجابت حفيف السهم عوجاء مرنان
فلا مؤنس إلا شهيقٌ وزفرةُ ... ولا مسعد إلا دموع وأشجان
قضى عيشهم بعدي وعيشي بعدهمْ ... بأني قد خنتُ الوفاء خانوا
ومنها:
وجوهٌ كرام في البلاد قبورها ... وأنهم في القلب منّي لسكّانُ
وما بليت في الترب إلا تجددت ... عليها من القلب الموجع أحزان
متى تلحظوا قصر المرية تنزلوا ... ببحر ندى يمناه درُّ ومرجان
وتستبدلوا من موج بحر شجاكم ... ببحر لكم منه لُجينٌ وعقيان
ومنها:
وأنْسيتَهم حمل القنا، فسلاحهمْ ... عليك
إذا لاقوكَ
ذلّ وإذعان
فيا ذلّ أعلام الهدى بعد عزّهم ... ويا عز أعلام الهدى بك إذ هانوا
حفرت لهم في يوم قبْرة بالقَنا ... قبورًا هواء الجوّ منهنّ ملآن
فلو نُشر الأملاكُ يومك فيهم ... لألقى إليكَ التاج كسرى وخاقان
كتائب بل كتبٌ بنصرك طرزت ... ووجهكَ "بسم الله" والسيف عنوان
٢- وقال الوزير أبو المغيرة عبد الوهاب بن حزم من قصيدة:
فكم لي فيه من جنابٍ وطئته ... كريمًا فلا آسى ولا أتأسّف
يمدّ علينا بالسّحاب سرادق ... ويُسحبُ فينا للجنائب مِطرَف
ومنها:
بدا العَلمُ الفرد الذي كنتُ عالما ... به وسرى العَرف الذي كنتُ أعرفُ
ومنها:
وركب سرَوا والليل مرْخ عليهمُ ... ستورًا من الظّلماء لا تتكشفُ
خبطتُ بهم أكنافه ونجومه ... روائم أظآرٌ على البدر عكّفُ
على كل قنْعاسٍ كأنّ لغامَه ... وقد سئم الإرقال
قطن مندّفُ
هدايا خطوبٍ بات ينحرها السّرى ... ولكنّها من باطن الخف ترعفُ
1 / 2
إلى أن أفاق الصّبحُ ينفض عرفه ... وطائره في غرّة الفجر يهتفُ
ومنها:
وما نام حتّى لمّ مُفترق العلا ... فها هي عقدٌ في يديه مؤلّف
إياسٌ وبسطام بن قيس وحاتمٌ ... وقيس ولقمان بن عادٍ وأحنف
وما هذه الأيّام إلاّ مقاولٌ ... تلت سورًا من مجده وهو مصحف
وقال من قصيدة:
وسللتُ منْ نار الصّبابة صارمًا ... وجردتُ من وفد التصابي عسكرا
بتنا وبات المسك فينا واشيًا ... بمكاننا، والحليُ عنّا مخبرا
ورنت بألحاظ تدير كؤوسها ... فينا فنشربها حلالًا مسكرا
واللّيل يُلحفني سرابيل الدجى ... جهلًا وقد عانقت صُبحًا مسفرا
لو جئنا لرأيت أعجب منظرٍ ... أسدٌ توسّد كفّ ظبي أعفر
ومنها:
شيمٌ غدت قُرط الزّمان فلم أنم ... حتى نظمتُ عليه شعري جوهرًا
ومقامةٌ لك في الأعادي قد حمتْ ... أيّام قومٍ قبلها أنْ تذكرا
كان اللّسان لها الحسام المنتضَى ... والمنبر العالي الأغرَّ الأشقرا
ومنها:
غيري الذي اتّخذ المدائح مكسبًا ... وسواي من جعل القوافي متجرا
٣- وقال الوزير أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شهيد من قصيدة:
وأغرّ قد لبس الدجى ... بُردًا فراقك وهو فاحم
يحكي بغرته هلا ... لَ الفطر لاح لعين صائم
فكأنّما خاض الصّبا ... ح فجاء مُبيضّ القوائم
ويسير في يبس الثّرى ... وكأنّه في البحر عائم
ومنها:
وتمايلت أيدي الثُريّا ... وهي مذهبة الخواتم
ورنت ذُكاء بناظرٍ ... رمدٍ من الأقذاء سالم
ومنها:
الكُفر عنهم قاعدٌ ... قدمًا ودين اله قائم
حكمَ الزّمان بظلمهم ... دهرًا وصرف الدهر ظالم
ومنها:
قمرٌ تضيء له الخطوب ... على دآديها الفواحم
تسري الرّياح بنجده ... فنسيمها بالغور فاغم
وقال من قصيدة:
ورعيت من وجه السماء خميلةً ... خضراء لاح البدر من غدرانها
وكأنّما فيه الثريّا جوهرٌ ... نشرتْ فرائده يدا دبرانها
وقال:
وما هاج هذا الشّوق إلاّ حمائمٌ ... بكيتُ لها لمّا سمعتُ بكاءها
وقال من أخرى:
كلّما كلّمني قبّلته ... فهو مهما قال قولًا ردّدا
كاد أن يرجع من لثمي له ... وارتشافي الثغر منه أدردا
شربت أعطافه خمر الصّبا ... وسقاه الحُسن حتى عربدا
قام في الليل بجيد أتلع ... ينفض اللمة من دمع النّدى
رشأ بل غادةٌ ممكورةٌ ... عممتْ صبحًا بليل أسودا
وقال من قصيدة:
إذا نحن أوجهنا إليها تبلجت ... مواردنا عن نيّرات المصادر
وقال من قطعة:
حتّام أنت على الضّراء مضطجعٌ ... مُعرس في ديار الظُلْم والظُلَم؟
ثم استمرّت بفضل القول تنهضني ... فقلتُ: إني لأستحي بني الحكمِ
المُلحِفين رداء الشمس مجدهم ... والمنعلين الثريّا أخمص القدمِ
ومنها:
ألممت بالحب حتى لو دنا أحلى ... لما وجدت لطعم الموت من ألم
هناك لا تقتفي غير السّماء يدي ... ولا تخف إلى غير العُلا قدمي
حتى تراني في أدنى مواكبهم ... على النّعامة شلالًا من النعم
قدّام أروع من قومٍ وجدتهم ... أرعى لحقّ العلا من سالف الأمم
٤- وقال ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون:
الهوى في طلوع تلك النجوم ... والمنى في هبوب ذاك النسيم
سرّنا عيشنا الرقيق الحواشي ... لو يدوم السرور للمستديم
ومنها:
أيّها المؤذني لظلم الليالي ... ليس يومي بواحد ممن ظلوم
ما ترى البدر إن تأملت والشمس ... لما يكسفان دون النجوم
ومنها:
واحدٌ سلّم الجميع له الفضل ... فكان الخصوص فوق العموم
وقال من أخرى:
وما استطلتُ ذماء الليل من أسف ... إلاّ على ليلة سرّت مع القصر
فهمتُ معنى الهوى من وحي طرفك لي ... إن الحوار لمفهومك من الحور
ومنها:
إن تطوِ برد شبابي كبرةٌ وأرى ... برق المشيب اعتلى في عارض الشّعر
ومنها:
هل الرياح بنجم الأرض عاصفةٌ ... أم الكسوف لغير الشّمس والقمر
ومنها:
1 / 3
من لم أزل من تأنيه على ثقةٍ ... ولم أبت من تجنيه على حذر
كم اشترى بكرى عينيه من سهر ... هدوء عين الهدى في ذلك السهر
وقال من قصيدة:
ألم يأن أنم يبكي الغمام على مثل ... ويطلب ثأري البرق منصلت النصل
أقلي بكاء لست أول حرّةٍ ... طوت بالأسى كشحًا على مضض الثكل
وفي أمّ موسى عبرةٌ إذ رمت به ... إلى اليم في التابوت فاعتبري واسلي
ولله فينا علْم غيبٍ وحسبنا ... به عند جور الدهر من حكمٍ عدل
ومنها:
كريمٌ عريقٌ في الكرام وقلما ... يرى الفرع إلا مستمدًا من الأصل
يرفّ على التأميل لألاء بشره ... كما رفّ لألاء الحسام على الصقل
ويغني عن المدح اكتفاءً بغيره ... غنى المقلة الكحلاء عن زينة الكحل
ومنها:
حمائم شكري صبحتك هوادلًا ... تناديك من أفنان آدابك الهدل
جواد إذا استنّ الجياد إلى مدى ... تمطّر فاستولى على أمد الخصل
ومنها:
وإنّي لتناهى نهايَ عن التي ... أشار بها الواشي ويعقلني عقلي
ومنها:
ألا إنّ ظنّي بين فعليك واقفٌ ... وقوف الهوى بين القطيعة والوصل
وأين جواب منك ترضي به العلا ... إذا سألتني عنك ألسنة الحفل؟
وقال من قصيدة:
وفي الرّبرب الإنسي أحوي كناسه ... نواحي ضميري لا الكثيب ولا السقط
وقال من قصيدة:
ما على ظنّي باس ... يجرح الدّهر وياسو
ربّما أشرف بالمرء ... على الآمال ياس
ووادي لك نصٌ ... لم يخالفه القياس
فادر ذكرى كاسًا ... ما امتطت كفّك كاس
فعسى أن يسمح الدّهر ... فقط طال الشماس
لا يكن عهدك وردًا ... إنّ عهدي لك آس
وقال من قصيدة:
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسّينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت ... سودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا
إذ جانب العيش طلقٌ من تألفنا ... ومورد اللهو صافٍ من تصافينا
لا تحسبوا نأيكم عنّا يغيرنا ... أنْ طالما غيّر النأيُ المحبينا
والله ما طلبتْ أهواؤنا بدلًا ... منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا روضةً طالما جنت لواحظنا ... وردًا جلاه الصّبا غضًا ونسرينا
ومنها:
فكأنّما لم نبت والوصل ثالثنا ... والسعد قد غض من أجفان واشينا
سرّان في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يغشينا
إنّا قرأنا الأسى عند النوى سفرًا ... مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
أمّا هواك فلم نعدل بمنهله ... شربًا وإن كان يروينا فيظمينا
لم نجف أفق جمال أنت كوكبه ... سالين عنه ولم هجره قالينا
ومنها:
لا أكؤس الرّاح تبدى من شمائلنا ... سيما ارتياحٍ ولا الأوتار تلهينا
فما استعدنا خليلًا عنك يصرفنا ... ولا استفدنا حبيبًا عنك يسلينا
وقال من أخرى:
والروض عن مائه الفضّي مبتسمٌ ... كما حللت عن اللبات أطواقًا
الآن أحمد ما كنّا لعهدهم ... سلوتم وبقينا نحن عشاقا
وقال: لو كان أمري في كتم الهوى بيدي=ما كان يعلم ما في قلبي البدن وقال أيضًا:
غريب بأرض الشرق يشكر للصبّا ... تحمّلها منه السلام إلى الغرب
وما ضر أنفاس الصّبا في احتمالها ... سلتم فتى يهديه جسم إلى قلب
وقال:
أنت معنى الضّنى وسر الضلوع ... وسبيل الهوى وقصد الدموع
أنت والشمس ضرتان ولكن ... لك عند الغروب فضل الطلوع
إنما أنت والحسود معنّى ... كوكب يستقيم بعد الرجوع
وقال:
سالمت أعدائي لأنك منهم ... يا من يصحّ بمقلتيه ويسقم
أصبحت تسخطني وأمنحك الرّضى ... جورًا وتظلمني ولا أتظلم
يا من تألّف ليله ونهاره ... فالحسن بينهما مضيء مظلم
قد كان في شكوى الهوى لي راحةٌ ... لو أنني أشكو إلى من يرحم
قال من قصيدة:
أما في نسيم الريح عرف معرف ... لنا هل لذات الوقف بالجزع موقف
فنقضي أوطار المنى في زيارةٍ ... لنا كلف منها بما نتكلّف
منها:
وإني ليستهوييني البرق صبوةً ... إلى برق ثغرٍ إن بدا كاد يخطف
1 / 4
منها:
على السيف من تلك الصرامة مستسم ... وفي الروض من تلك الطلاقة زخرف
وقال من أخرى:
أما وزمان مضى عهده ... حميدًا لقد جار لما حكم
قضى بالصبابة لمّا انقضى ... وما اتصل الود حتى انصرم
منها:
وأيامنا مذهبات البرود ... رقاق الحواشي صوافي الأدم
ووشّح زهرة ذاك الزمان ... بما حاز من زهر تلك الشيم
ومنها:
فأطولهم بالأيادي يدًا ... وأثبتهم في المعالي قدم
سما للمجرة في أفقها ... فجرّ عليها ذيول الهمم
ومنها:
نجوم هدّى والمعالي بروجٌ ... وأسد وغيّ والعوالي أجم
وقال من مرثية:
يا من شأى الأمثال منه واحد ... ضربت له في السؤدد الأمثال
نقصت حياتك حين فضلك كامل ... هلاّ استضاف إلى الكمال كمال
وقال من أخرى:
فهلا عداه أنّ علياك حلة ... وذكرك في أركان أيامه عطر
غشيت فلم تغش الطّراد سوابحٌ ... ولا جردت بيض ولا أشرعت سمر
وقال من أرخى يعابث:
عمدت لشعري ولم تتئد ... تعارض جوهره بالعرض
وشمّرت للخوض في لجة ... هي الموت ساحلها لم يخض
٥- وقال أبو عبد الله بن الحناط الكفيف من قصيدة أولها: راحت تذكّر بالنسيم الرّحا
أخفي مسالكها الظلام فأوقدت ... من برقها كي تهتدي مصباحا
وكأن صوت الرّعد خلف سحابها ... حادٍ إذا ونت السحائب صاحا
منها:
جادت على التلعات فاكتست الرّبى ... حللًا أقام لها الربيع وشاحا
روضٌ يحاكي الفاطمي شمائلًا ... طبيبًا ومزنٌ قد حكاه سماحا
منها:
لما طلعت لها بكل ثنيةٍ ... أنسيتها المنصور والسفاحا
وقال من أخرى:
وحيّا الحيا عهدًا عهدناه باللوى ... لوى ديننا فيه صدود وهجران
ليالي روض الوصل فيهن ممرعٌ ... وغصن الصبا إذ ذاك أخضر فينان
تدير علينا الرّاح فيها جآذرٌ ... ويسكرنا باللحظ منهن غزلان
منها:
ولم أر مثلي كيف صار بقلبه ... من الوجد بركانٌ وفي الجفن طوفان
ولا مثل هذا العدل كيف أعاده ... عليٌّ وقد مرّت من الظلم أزمان
وقال من أخرى:
ولما علوا بالحزن واعتسفت بنا ... رسوم الديار البعملات الرّواسم
لوينا بأعناق المطي إلى اللوى ... وقد علمتنا البين تلك المعالم
فكم ليلة فيه وصلت نعيمها ... بأخرى وأنف الهجر بالوصل راغم
ومنها:
ويزهر في يمناه نورٌ من الظبا ... له من رؤوس الدّار عين كمائم
منها:
سيوفٌ إذا اعتلت جهات ثغورها ... فمنهن في أعناقهن تمائم
بكل خميس طبّق الجوّ نقعه ... وضيّق مسراه الجياد الصلادم
كأنّ مثار النقع إثمد عينه ... وأشفار جفنيه الشّفار الصوارم
وقال من قصيدة:
كأنّ ابتسام البرق فيها إذا بدت ... سيوف عليٍ بالدماء رواعف
وقال من أخرى:
وأشرقت الدنيا بنور خليفة ... به لاح بدر الحق بعد أفوله
من الهاشميين الذين بمجدهم ... تعود شخص المجد جرّ ذيوله
فلا تسل الأيام عما أتت به ... فما زالت الأيام تأتي بسوله
٦- وقال الأديب عبادة بن ماء السماء:
ولا تشكون إذا عثرت ... إلى خليط سوء حالك
فيريك ألوانًا من الإذ ... لال لم تخطر ببالك
إيّاك أن تدري يمينك ... ما يدور على شمالك
واصبر على نوب الزّمان ... وإن رمت بك في المهالك
وإلى الذي أغنى وأقنى ... اضرع وسله صلاح حالك
قال:
لا تشكون لحاسدٍ أو راحمٍ ... حاليك في البأساء والضّراء
فلرحمة المتوجعين حرارةٌ ... في القلب مثل شماتة الأعداء
وقال يتغزّل:
غزالٌ بجسمي فترةٌ من جفونه ... وفي أدمعي من لون وجنته صبغٌ
إذا رمت الورد ساورني صدغه ... بعقرب سحرٍ في فؤادي له لدغٌ
وقال من أخرى:
كأنها صارم الأمير وقد ... خضّب حدّيه من عداه دم
واحد بتذكاره الكؤوس فما=يلذ نقلًا سوى ثناه فم وقال من أبيات:
كانت خلافتنا في الغرب مظلمةٌ ... كأن أيامنا فيها لياليه
جلّت أياديه حتى إنّ أنفسنا ... وما ملكناه جزءٌ من أياديه
1 / 5
وقال من أخرى:
دارت دوائر صدغه فكأنما ... حامت على تقبيل نقطة خاله
وقال من أخرى:
لنا حاجب حاز المعالي بأسرها ... فأصبح في أخلاقه واحدٍ الخلق
فلا يغترر منه الجهول بشره ... فشدة صوت الرّعد من أثر البرق
٧- وقال أبو الوليد أبو حفص بن برد الأصغر:
هو الحسن كالجواد ... بريح الصّبا حذي
زين إذ جاء سابقًا ... بعذارى زمرّذِ
وقال أيضًا:
وجه لمصباح السماء مباه ... بيدي الشباب عليه رشح مياه
نادى عليه الحسن حين لقيته ... هذا المنمنم في طراز الله
وقال يصف كلف البدر:
والبدر كالمرآة غيّر صقلها ... عبث العذارى فيه بالأنفاس
واللّيل ملتبس بضوء صباحه ... مثل التباس النّقس بالقرطاس
وقال في مبتلى:
بحر سقم ماج في أعطافه ... فرمى في جلده بالزّبد
كان مثل السيف إلا أنه ... حمل الدّهر عليه فصدي
٨- وقال الأديب أبو مروان عبد الملك بن زيادة الطيبي:
يا من مدامي ونقلي ... بوجنتيه وفيه
هلاّ جزيت فؤادي ... بعض مالك فيه
وقال:
عجبًا أن يكون ساكن قلبي ... راتعًا منه في بساتين حبي
جازني كيف شئت إلا أترك ... الذنب إذا كان فرط حبك ذنبي
٩- وقال الوزير أبو عبد اله محمد بن مسعود:
ريمٌ إذا رمت أن أكلّمه ... كلّمني من جفونه خنجر
كأنّ خيلانه ووجنته ... سماء حسنٍ نجومها تزهر
وقام في خدّه لعاشقه ... عذرٌ بذاك العذار إذ عذّر
وقال:
فتور ألحاظك ١ذاك الذي ... أعار أعضائي هذا الفتور
وقال من قصيدة:
قد صيغ من فضة بيضاء صافية ... ووشّح الحسن خديه بتذهيب
يا غائبًا قد أطالت كفّ غيبته ... على لظى الشوق والأحزان تقليبي
ومنها:
سجنٌ وقيدٌ وأعداءٌ منيت بهم ... لا يسأمون مع الأيام تعذيبي
وقال:
ظلت أسقيها رشًّا في جفنه ... سنةٌ تورث عيني أرقا
فكأن لكأس في أنمله ... صفرة النرجس تعلو الورقا
أصبحت شمسًا وفوه مغربًا ... وبد الساقي المحيي مشرقا
فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا
وغمام هطل شؤبوبه ... نادم الرّوض فغني وسقى
وكأن الورد يعلوه النّدى ... وجنة المعشوق تندى عرقا
١٠- وقال أبو جعفر اللمائي:
قد قلت إذ سار السّفين بهم ... والبين ينهب مهجتي نهبا
لو أنّ لي ملكًا أصول به ... لأخذت كل ّ سفينة غصبا
قال:
وكان للإيقاع فوق ... قضيب منطقه بيان
فكأنما يدي فم ... وقضيبه فيها لسان
١١- أبو محمد بن مالك القرطبي:
مضى القطر والأضحى ولا نيل يقتضى ... فلم أخفقت وحدي إليك مطالبي
سأرحل عنكم دون زادٍ لبلغةٍ ... وتلك لعمري سبةٌ في العواقب
وقال:
وأكثر ما نخشاه طغيان ثروةٍ ... فإنّا نرى الإنسان يطغى إذا استغنى
وقال من قصيدة:
فلم أذل ساحبًا أذيال بردته ... حتى عثرت بأرداني فأرداني
ومنها:
وليس فضلك مطويًا صحيفته ... فيستدل على ضمن بعنوان
فالصبح أبين لألاء لمبصره ... من أن يعان بشرح أو ببيان
١٢- وقال الأديب أبو محمد عبد العزيز القرطبي (المشهور بالمنفتل):
كأنّ ليلتنا والصبح يتبعها ... زنجيةٌ هربت قدام رومي
وقال:
ولما تجلى الليل والبرق لامع ... كما سلّ زنجي حسامنًا من التبر
وقال:
مالي بجور الحبيب من قبل ... هل حاكم عادلٌ فيحكم لي؟
حمرة خديه من دمي صبغت ... ويدّعي أنها من الخجل
وقال:
قدّ فؤادي بحسن قدّه ... وسدّ باب الكرى بصدّه
وقال:
إن جفاني الكرى وواصل قومًا ... فله العذر في التخلف عني
لم يخلّ الهوى لجسمي شخصًا ... فإذا جاءني الكرى لم يجدني
وقال:
يأبى غزالٌ زارني ... يشفي الفؤاد المدنفا
عانقته فكأنني ... يعقوب عانق يوسفا
وقال:
كنت أدعوك للعناق ولكن ... أتقي أن تذوب من أنفاسي
وقال:
تبدو على أضراسه صفرةٌ ... كأنه من فمه قد خرى
وقال:
1 / 6
شرف الزمان بمثله ... شرف الأسنّة بالعوامل
سكن النّدي في كفّه ... سكني الرّواجب في الأنامل
وجرى الحياء بوجهه ... جرى الفرند على المناصل
١٣- وقال الأديب أبو المطرف عبد الرحمن بن فتوح:
وخلّ كان بألفني قديمًا ... مؤالفة الصوادي للورود
فلما قلّ وفرى صار يلقي ... تحياتي بلغظ من بعيد
١٤- وقال الأسعد إبراهيم بن أسعد القرطبي:
لو كنت شاهدنا عشية أمسنا ... والمزن تبكينا بعيني مذنب
خلت الرذاذ برادة من فضةٍ ... قد غربلت من فوق نطع مذهب
وقال:
ظلت به والدموع جارية ... أقبّل الجيد منه واللّيتا
تقطر درًّا حتى إذا وردت ... روضة خدّيه عدن ياقوتا
وقال:
ليس ليوم البين عندي سوى ... مدامع نجيعها سكب
كأنما فضّى بأجفانها ... رمّانةٌ فانتشر الحب
وقال:
عوذت قلبي منه بكل ما يتعوذ
كأمنا خدّه والعذار حين تأخذ
تفاحة علقت في سلاسل من زمرّد
وقال:
قمر لوى من فوقه ... من صدغ غالية حنش
ودنا ليلثم جمرةً ... من وجنتيه فانكمش
وقال: الأسعد بن إبراهيم في قبيح بين قبيحين:
أما ترى الدّهر وما قد أتى ... من حسن هذين وهذا السّمج
كدرتي عقدٍ على ثغرةٍ ... بينهما واسطةٌ بين سبج
وقال في أسود:
يا ربّ زنجي لهوت به ... الشمس عند سناه ممقوته
محدودب قد غاب كاهله ... في منكبيه فلا ترى ليته
قد حكّم التجعيد لمته ... فتراكبت فكأنما توتة
وإذا سعى بالكأس تحسبه ... جعلًا يدحرج فص ياقوتة
وكأنه والكأس في يده ... نجمٌ رمى في الجو عفريته
وقال من قصيدة:
توهم عطف الصّدغ نونًا بخدّه ... فبات بمسك الخال ينقطه نقطا
حيًا ألبس البستان وشيًّا مرصّعًا ... ومدّ على العقبان من سندس بسطا
تألّف من در وشذر نجاره ... فجاءت به العليا على جيدها سمطا
وقال من أخرى:
عليك عقلت مطيّ الأمل ... وعنك اعتقلت بروق الأسل
١٥- وقال أبو عبد الله محمد عبادة بن القزاز:
ثناؤك ليس تسبقه الرّياح ... يطير ومن نداك له الجناح
تطيب بذكرك الأفواه حتى ... كأنّ رضابها مسكٌ وراح
جليت إلى الأعادي أسدّ غاب ... براثنها المهنّدة الصّفاح
وقدتهم فكان لهم ظهور ... ولولا الشمس ما ظهر الصّباح
وقال:
شابت وزارة عصرنا ... ما شبّها عبد العزيز
فكأنما هو يوسفٌ ... وكأنها امرأة العزيز
١٦- وقال أبو عبد الله محمد مالك الطبري:
بخل الظاعنون بالتسليم ... فأعاروا الجفون سهد السليم
ما عليهم لو ودّعوا مستهامًا ... ذا غرامٍ مغري به كالغريم
منها:
علّمي القضب منك حسن التثني ... فبها حاجةٌ إلى التعليم
١٧- وقال جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب:
لو كان علم الدين يبكي ميتًا ... لبكي الحديث عليه والتنزيل
يستجهل العلماء عند حضوره ... ويسكت الخطيب حين يقول
١٨- وقال أبو محمد الصقلي:
ولما رحلتم بالنّدى في أكفكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير
رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الرّاسبات تسير
١٩- وقال أبو محمد عبد المجيد بن عبدون من مرثية:
يا نائم الفكر في ليل الشّباب أفق ... فصبح شيبك في أفق النّهى بادي
وأسلمت للمنايا آل مسلمة ... وعبّدت للرزايا آل عبّاد
عضّت عنانك أيدي الدهر ناسخةً ... علمًا بجهل وإصلاحًا بإفساد
لقد هوت منك خائنها قوادمها ... بكوكب في سماء المجد وقّاد
منها:
ومالك كان يحمي شول قرطبةً ... استغفر الله لا بل شول بغداد
شقّ العلوم نطاقًا والعلا زهرًا ... فبتن ما بين روّاد وورّاد
٢٠- وقال الوزير أبو الحسين سراج بن عبد الملك:
لما تمكن من فؤادي منزلا ... وغدا يسلّط مقلتيه عليه
ناديته مترحمًا من عبرةٍ ... أفضت بأسرار الضّمير إليه
رفقًا بمنزلك الذي تحتله ... يا من يخرب بيته بيديه
وقال:
1 / 7
لما رأيت اليوم ولّى عمره ... والليل مقتبل الشبيبة داني
والشمس تنفض زعفرانًا في الربى ... وتفت مسكتها على الغطيان
أطلعتها شمسًا وأنت عطاردٌ ... وخففتها بكواكب النّدمان
وقال:
نوائب غالتني فأبدت فضائلي ... فكانت وكنت النّار والعنبر الوردا
وقال:
أضاع مجدي مالٌ ضيعته يدي ... ما أضيع المجد إن لم يرعه مال
منها:
أطال شغلي فراغي مذ حللت به ... إنّ الفراغ من الأشغال أشغال
٢١- وقال أبو محمد غانم:
وإذا الدّيار تنكرت عن حالها ... فذر الدّيار وأسرع التحويلا
ليس المقام عليك حتمًا واجبًا ... في ببلدة تدع العزيز ذليلا
وقال:
صيّر فؤادك للمحبوب منزلة ... سمّ الخياط مجال للجبين
ولا تسامح بغيضًا في معاشرةٍ ... فقلّما تسع الدنيا بغيضين
وقال:
ما لي وللبرق استسقيته من ظمأٍ ... هيهات لا ريّ إلاّ من ثناياك
وقال:
ومن الغريب غروب شمس في الثرى ... وضياؤها باقٍ على الآفاق
٢٢- وقال أبو عبد الله بن السراج المقالي:
عليك سلام الله يا ماء موضع ... شربنا عليه مثله قهوةً خمرا
وروّى التي من حسنها وجفونها ... سقتني سحرًا خمرةً تُسكر السّحرا
وقال:
ذكرتك بالوادي الذي كنت مرةً ... لقيتك فيه والهوى بيننا وعر
فحرّك منّي باعث الشّوق ساكنًا ... وكلّفني ومن أين لي صبر؟
فيا نازحًا والدار منّي قريبةٌ ... إلى كم يطول الصد لي منك والهجر؟
إذا الله خصّ بالقطر ساحة ... فلا زال منهلًا بساحتك القطر
وقال:
ألا من منقذي من كرب ليل ... تعرّض بين طرفي وارتياحي؟
تضاعف طوله واشتد حزني ... به حتى يئست من الصباح
٢٣- وقال خلف بن فرج السّميسر:
يا مشفقًا من خمول قوم ... ليس لهم عندنا خلاق
ذلّوا وقد طالما أذلّوا ... دعهم يذوقوا الذي أذاقوا
وقال:
أقارب السّوء داء سوء ... فاحمل آذاهم تعش حميدا
فمن تكن قرحةٌ بفيه ... يصير على مصه الصّديدا
وقال:
لا تعذل الإنسان في شهواته ... في الناس من يلتذّ طعم الحصرم
٢٤- وقال أبو العباس أحمد بن قاسم:
قالت وقد نظرت شيبي فروعها ... إنّ المشيب لسود الشعر أكفان
فقلت: أنكرت كافور الزمان به ... من بعد مسك وطيب الدّهر ألوان
٢٥- وقال أبو طالب عبد الجبار الذي يعرف بالمتنبي:
وهبّ لنا النسيم بكل طيبٍ ... كأنّا منه في زمن الرّبيع
على نهر كأن الماء فيه ... بقايا فوق خدّ من دموع
وقال:
وشادن وجهه ذكاء ... فيه حيا الحسن والحياء
ثم تذكرت قول ربى ... يزيد في الخلق ما يشاء
قال:
سقاني ثم غنائي بصوت ... فداوى ما بقلبي من جروح
فقلت له لكم سنة تراها ... فقال أظنّها من عهد نوح
وحيّاني وفدّاني بكأسٍ ... وقبّلني فردّ إليّ روحي
٢٦- وقال أبو القاسم بن عياد:
ياسمين حسن المنظر ... يفوق في المرأى وفي المخبر
كأنه من فوق أغصانه ... دراهم في مطرف أخضر
٢٧- وقال المعتضد بالله عبّاد ابن أبي الوزارتين محمد بن عباد يخاطب أباه:
شطّ المزار بنا والدار دانية ... يا حبّذا الفأل لو صحّت زواجره
وقال يخاطب أباه:
أطعتك في سرّي وفي جهري جاهدًا ... فلم يك لي إلا الملام ثواب
وما كنت بعد البين إلاّ موطنًا ... بعزمي على أن لا يكون إياب
(ولكنك الدنيا إليّ حبيبةٌ ... فما عنك لي إلا إليك ذهاب)
أصب بالرضى عني مسرّة مهجتي ... وإنّ لم يكن في ما أتيت صواب
٢٨- وقال المعتمد على الله بن المعتضد:
أكثرت هجري غير أنّك ربّما ... عطفتك أحيانًا عليّ أمور
فكأنما زمن التهاجر بيننا ... ليلٌ وساعات الوصال بدور
وقال يعتذر عن عيادة:
مرضتم فأمسكت الزيارة عامدًا ... ما عن قلّي أمسكتها لا ولا هجر
ولكني أشفقت من أن أزوركم ... وأبصر آثار الخسوف على البدر
وقال:
ريعت من البرق وفي كفّها ... برقٌ من القهوة لمّاع
1 / 8
يا ليت شعري وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع
وقال:
لولا عيونٌ من الواشين ترمقني ... وما أحاذره من قول حرّاس
لزرتكم لأكافئكم بجفوتكم ... مشيًا على الوجه أو أحبوا على الرأس
٢٩- وقال الفقيه أبو الوليد بن الباجي من قصيدة يمدح السمناني ببغداد:
لو كنت أنبأت الديار صبابتي ... نحل الصبا بفنائها والجلمد
ما هالني صعب المرام ولا الذي ... تستبعد الأيام عندي يبعد
هذا الشهاب المستضاء بنوره ... علم الهدى هذا الإمام الأوحد
وقال من مرثية:
أحن ويثني اليأس نفسي على الأسى ... كما اضطر محمول على المركب الصّعب
وقال من أخرى:
أسرّوا إلى الليل البهيم سراهم ... فنمت عليه في الشمال شمائل
متى نزلوا ثاوين في الخيف من منى ... بدت لهوى بالمأزمين مخايل
فلله ما ضمّت منّي وشعابها ... وما ضمنت تلك الربى والمنازل
لما التقينا للجمار وأبرزت ... أكفٌ لتقليب الحصى وأنامل
أشارت إلينا بالغرام محاجر ... وباحت به منّا جسوم نواحل
٣٠- وقال الوزير أبو عامر بن مسلمة:
كأنما شاربه بهجة ... زمردٌ من فوق مرجان
كأنما أردافه عالج ... وقدّه غصن من البان
٣١- وقالب أبو الوليد محمد بن عبد العزيز من قصيدة في الأسطول:
أنشأتهنّ سفائنًا ومدائنًا ... وجنبتهن كتائبًا ورعيلا
دهم تخال البيض في أوساطهم ... بلقًا وفي أطرافها تحجيلا
قرعت بأسواط الرياح فأسرعت ... في الماء تعمل كلكلًا وتليلا
ومنها:
طلع الحسن من جبينك بدرًا ... وعلى عارضيك وردًا وطلا
فكأن العزار خاف على الورد ... خفاقًا فممد بالشعر ظلا
وقال من أخرى:
وبين جوانحي قلبٌ مطارٌ ... جناحاه ادّكار واشتياق
ولم أنس الكثيب وليلتيه ... كأنهما اختلاس واستراق
ومنها:
تذكرت الصبابة والتصابي ... هنالك إذ تروق ولا تراق
ونحن كأننا غصنًا أراك ... قد اشتبكا وضمهما عناق
٣٢- وقال أبو الوليد إسماعيل بن محمد الملقب بحبيب:
كأن نور الكتّان حين بدا ... وقد جلا حسنه صدا الأنفس
أكفٌ فيروزج معاصمها ... وقد سترتهن خضرة الملبس
وقال في الخمر:
كأنها والحباب يحجبها ... بجرٌ من التبر يقذف الجوهر
٣٣- وقال الأديب أبو جعفر بن البار:
وكأن جنح الليل طرفٌ أدهم ... متضمن من صبحه تحجيلا
وكأن غائرة النجوم بأفقها ... عن وجهه تغضي عيونًا حولا
وكأنما الجوزاء إذ بصرت به ... ألقت إليه نطاقها محلولا
منها: لا تكثروا فالحب في حومائه=كالحمد في أسماع إسماعيلا ومنها:
راعت وقائع بأسه حتى لقد ... ترك الحمام بنفسه مشغولا
إن كانت الأسد الضواري ... لا تخاف صياله فلم اتخذن الغيلا
ومنها:
ولقد خشيت على الثرى وعلى الورى ... لما دنوا من كفه تقبيلا
هل كان يعصم منه إلا عفوه ... لو أنّ أنمله جرين سيولا
٣٤- وقال أبو الحسن علي بن حصن الاشبيلي:
غزالٌ يخيل لي ريقه ... يشاب به المسك والقرقف
كأن العذار على خدّه ... نجاد ومقلته مرهف
وقال:
شربناها كميت اللون حتى ... رأيت الفجر قد وضع النقابا
وأحسب أنها كانت عقيقًا ... جرت أنفاسنا فيه فذابا
وقال:
طلّ على خدّه العذار ... فافتضح الأس والبهار
وابيضّ هذا واسودّ هذا ... واجتمع الليل والنهار
حتى جرى للنعيم فيه ... ماء بأحشاي منه نار
رشا أعار الغزال لحظًا ... فحسنه منه مستعار
شربت من خمر مقلتيه ... كأسين لي منهما خمار
عذاره قائمٌ بعذري ... فليس لي فالهوى اعتذار
وقال من قصيدة:
تلين له الأيام وهي شدائد ... وتعنو وجوه الحادثات وتذعن
فلا تأنس منه بلين عريكة ... فقد يقطع الصمصام والمتن لين
٣٥- وقال الوزير أبو عمر الباجي:
لله أيامٌ بقربك أنعمت ... ما ضرّها أن لم تكن أعيادا
راقت محاسنها وطاب نعيمها ... فأتى الزمان حدائقًا وعهادا
1 / 9
٣٦- وقال أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن وزهر:
كن كيف شئت مشاهدًا أو غائبًا ... لا كان قلبٌ لست في سودائه
وقال في العذار:
محيت أية النهار فأضحى ... بدر تم وكان شمس نهار
كان يعشي العيون نورًا إلى أن ... شغل الله خدّه بالعذار
٣٧- وقال أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج:
أين القرون السابقات إلى النهى ... هل مقلة ترنو وأذن تسمع
أين القياصرة الأكاسرة الأولى ... غلبوا الملوك وأين عاد وتبع
٣٨- وقال الفقيه أبو بكر محمد بن سليمان المعروف بابن القصيرة:
شيم الليوث تبين في أشبالها ... من قبل أن تلغوا الدماء رواسفا
وبدا بأفق المجد فيه كوكبٌ ... لألاؤه تنفي الظلام العاكف
وقال:
والشبل قبل الفرس يعلم بأسه ... في جنسه بقياس بأس أوائله
٣٩- وقال الوزير أبو القاسم بن الجدّ من قصيدة:
أمثلك يبغي في سمائي كوكبًا ... وفي حوّك الشمس المنيرة والبدر
ويلتمس الحصباء في نوب الحصى ... ومن بحرك الفيّاض يستخرج الدر
منها:
وإني لصبٌ بالتّلاقي وإنّما ... يصدّ ركابي عن معاهدك العسر
أذوب حياءً من زيارة صاحب ... إذا لم يساعدني على برّه الوفر
٤٠- وقال محمد بن عبد الغفور:
بأعمادي ومن عليه اعتمادي ... عشت ما شئت مدركًا ما تشاء
وقال:
تركت التصابي للصواب وأهله ... وبيض الطلا للبيض والسمر للسمر
مدادي مدامعي والكئوس محابري ... وندماي أقلامي ومقلمتي شعري
٤١- وقال الفقيه أبو أيوب سليمان بن سلامة:
ويؤنسني أثار فضلك كلّما ... نظرت ولولا الخصب لم يحمد الحب
٤٢- وقال الوزير أبو الحسين القرشي:
وضعت عليك برود من أنفس ... تبقى ولا تبل بطول لباس
وجرت سعودًا غير وانية النداء ... جرى الخلافة في بني العباس
منها:
وبسالة تثني الرد متهيبًا ... وتحول بين الأسد والأحباس
ومنها:
أنت الذي ملأ المكارم هزةً ... ليست بفرع البانة المياس
يا مرسلًا ديم السماح وماسكًا ... بأعنةً الأقلام والأفراس
صبرًا على شيم الليالي إنّها ... فيما علمت لئيمة الأغراس
وقال:
وبالخيمة القصوى عقيلة زبرت ... أبرد ثناياها على كبدي برد
خليلي هل ليلي ونجد كعهدنا ... فيا حبذا ليلي ويا حبذا نجد
٤٣- وقال أبو بكر بن عمار من قصيدة:
وعني أثار الرعد صرخة طالب ... لثأرٍ وهزّ البرق صفحة صارم
وما لبست زهر النجوم حدادها ... لغيري ولا قامت له بماتم
خذوا بي أن لم تهذروا كلّ سابح ... لريح الصّبا في إثره أنف راغم
من العباسات الدّهم إلا التفاتة ... إلى غرةٍ أهدت له ثغر باسم
طوى بي عرض البيد فوق قوائم ... توهمتني منهن فوق قوادم
وخاض بي الظلماء حتى حسبته ... له مربطٌ بين النجوم العواتم
ومنها:
أنال سهادي من جفونٍ نواعس ... وأجني عذابي من غصون نواعم
وليل لنا بالسد بين معاطف ... من النهر ينساب انسياب الأراقم
ومنها:
أريد حياة البين والبين قاتلي ... وأرجو انتصار الدهر والدهر ظالمي
ومنها:
له هزة في الجود معتضديّة ... تهزّ إلى التشتيت شمل الدراهم
إذا نشرت لخمٌ بذكراه فخرها ... طوت طيءٌ من خجلةٍ جود حاتم
ومنها:
إذا ركبوا فانظره أوّل طاعن ... وإن نزلوا فانظره آخر طاعم
ومنها:
وإني إذا أنصفت بعدك خادمٌ ... لدهري وكان الدهر عندك خادمي
ولا غرو إن حيّتك بالطّيب روضة ... سمحت لها بالعارض المتراكم
وقال من أخرى:
إلى الله أشكو أنّ مالك في دمي ... شريكٌ ومالي في هواك نصيب
سأشهد قومي أن طرفك من دمي ... بريء وإن كان الفتور يريب
وقال:
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ... والنجم قد صرف العنان عن السرى
والصبح قد أهدي لنا كافوره ... لما استرد الليل منا العنبرا
منها:
أيقنت أني من ذراه بجنّة ... لما سقاني من نداه الكوثرا
ومنها:
السيف أصدق من زيادٍ خطبة ... في الحرب إن كانت يمينك منبرا
1 / 10
ومنها:
وإليكها كالروض زارته الصّبا ... وحنا عليها الطّل حتى نوّرا
نمقته وشيًا بذكرك مذهبًا ... وفتقته مسكًا بحمدك أذفرا
من ذا ينافحني وذكرك مندل ... أوردته من نار فكري مجمرا
وقال يخاطب المعتمد:
الكأس ظامئه إلى يمناكا ... والروض مرتاح إلى لقياكا
فأدر بآفاق الزجاج كواكبًا ... تخذت أكفّ سقاتها أفلاكا
راحًا إذا هبّ النسيم حسبتها ... مسروقة الأنفاس من رياكا
يسري على ريحانه نفس الصّبا ... سحرًا فيوهم أنه ذكرّاكا
وقال في غلام لبس درعًا:
بكيت وقد دنا ونأي رضاه ... وقد يبكي من الطرب الجليد
قسا قلبًا وسنّ عليه درعًا ... فباطنه وظاهره حديد
وقال:
وهويته يسقي المدام كأنه ... قمر يدور بكوكب في مجلس
متأرج الحركات تندي ريحه ... كالغصن هزّته الصبا بتنفس
يسقي بكأس في أنامل سوسنٍ ... وبدير أخرى من محاجر نرجس
وقال من أبيات:
ولو لمعت لي من سمائك برقةٌ ... ركبت إلى مغناك هوج الجنائب
وقال من أبيات:
وإنّي لتثنيني إليك مودّةٌ ... يغيرها ما قد تعرّض من ذنب
فما أعجب الأيام في ما قضت به ... تريني بعدي عنك أنس من قربي
أخافك للحق الذي لك في دمي ... وأرجوك للحبّ الذي لك في قلبي
٤٤- وقال أبو الوليد حسان بن المصيصي:
وقد صغت من ذاك المحيّا وحسنه ... صباحًا ومن تلك الخلائق أنجما
أراه وأرجوه وأنشد فضله ... فيملأ منى العين والكفّ والفما
وقال من قصيدة:
أقدم على حذر وأرغب على زهد ... أغلظ على رقة وأسفر على خجل
حاز المؤيّد ممّا قلت أفضله ... وزاد للفرق بين القول والعمل
ومنها:
صفحت عنه لآمال له سلفت وبما كره التفصيل للجمل
وكم جلوا بالندى من ليل مفتقر ... كأنّه دمعةٌ في جفن مكتحل
ومنها:
من مبلغ يده أني نظمت لها ... شكرًا جعلت قوافيه من القبل
وقال:
روض لشباب تناوبت أزهاره ... ولّى بنفسجه وجاء بهاره
ودّ البهاء لو أن أسود لحظها ... أضحى خضابًا حين شاب عذاره
قد كان يعجبهن خفّة حلمه ... والآن ساء الغانيات وقاره
٤٥- وقال الوزير الفقيه أبو بكر بن الملح:
حسب القوم أنني عنك سالي ... أنت تدري بأنني ما أبالي
قمري أنت كلّ حين وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي
وقال من قصيدة:
والعضب يستره القراب وربما ... خشنت مضاربه الرقاق من الصدا
والروض يبعث بالنسيم كأنّما ... أهداه يضرب لاصطباحك موعدا
ومنها:
كم قد ركبت إليك كاهل همّة ... كادت تغالط في أخيه الفرقدا
وقال من قصيدة:
حاز السناء وما أسنّ وإنما ... نمت الفروع بطيب أصل العنصر
منها:
ثبتوا على الأصل القديم وأثبتوا ... لسب الكواكب في قبائل حمير
ونموا على السّعي القديم فأثبتوا ... نسب المكارم من تراث المنذر
بقى الثناء عليهم فكأنما ... ركبوا المنابر في بطون المقبر
وقال من أخرى:
كذلك يبدو الموت نارًا ولجةً ... على صفحتي صمصامك الوافد الندي
يصلن السرى والماء غور كأنما ... حملن عصا موسى على كلّ جلمد
له جدولٌ من صارمٍ متسلسلٍ ... إلى غصن من ذابل متأوّد
وقال من أخرى:
وتركت ذاك الجيش نهبًا للظبا ... متخاذل الأنصار مطلول الدم
منها:
أنا ضاحك للدّهر ضحكة شامت ... إن كان يعبس للندى المتيسم
وقال من أخرى:
تواصلوا بأعمال الشقاوة بينهم ... وعاذوا بشيطان هناك رجيم
منها:
تحاموا بلادًا مزّقتهم كأنما ... مضت في رباها عاصف بهشيم
سروا تحت ألأطراف الرماح كأنهم ... شياطين ضلّت تحت رصد نجوم
وقال:
وغافل بالصّبا عن قطع مدّته ... قد راش أجنحة الأيام بالجذل
منها:
إذا الهوى فاض طوفانًا ركبت له ... فلك العزاء ولم آوى إلى جبل
منها:
ضاق الزمان بما حطمت من قضب ... في رعيهن وما تصدّت من أسل
ومنها:
1 / 11
مدحنكم حيث لا مجدًا أزيدكم ... فقد كحلت عيونًا جمّة الكحل
وقال:
سرنا نراقب إعلان الصباح بنا ... كأننا في ضمير الليل كتمان
منها:
هو المقرّ العلا والخيل سارحة ... واللابس الحمد والصمصام عريان
والمبصر الرشد أقصى مطالبه ... والناس منة فتنة الأهواء عميان
منها:
تاهت بمجدك قحطان وعدنان ... كما تضاءل تؤبان وساسان
ركبت جودك دربًا والعدى جزرٌ ... وسيفك النار والأطيار ضيفان
وهاج فيه وريح البأس تنسجه ... جيش هو اليم والأسياف خلجان
وللدماء غدير فوق ضفّته ... للجيش دوج وسمر الخطّ أغصان
وقال من أخرى:
توهمهم سلمًا فسولمت ظاهرًا ... وشنّوا على ظهر المغيب حروبا
وثقت بهم في النائبات فأخلفوا ... وكانوا إلى جنب الخطوب خطوبا
فكم صاحب منهم يبيت بقلبه ... بعيدًا ويغدو باللسان قريبا
نشرت له برد الإخاء كأنما ... خضبت بها في العارضين مشيبا
٤٦- وقال الأديب أبو محمد عبد الجليل بن وهبون:
ولما رأيت الزور في الناس فاشيا ... تخيّل لي أن الشباب خضاب
ولولا ابن عمار وفاضل سعيه ... لأصبح ربع المجد وهو خراب
ولا أحرقت أرض العدو صواعقٌ ... ولا مطرت أرض العفاة سحاب
وقال:
ومن لم يخضّب رمحه في عداته ... تساوت به في الحي ذات خضاب
منها:
إذا ورق الفولاذ هزّ تساقطت ... ثمار حتوف أو ثمار عذاب
وقال من أخرى:
قل للرشيد وقد هبّت نوافحه ... أسرفت يا ديمة المعروف فاقتصد
أثريت عندك من جاه ومن نسب ... حتى وجت الغنى في همتي ويدي
عاد الزمان بما أوليتني غصنًا ... غضًا فقمت مقام الطائر الغرد
وقال من أخرى يصف مواني الأسطول:
من كل لابسة الشباب ملاءة ... حسب اقتدار الصانع المتأنق
شهدت لهن العين أن شواهنًا ... وزحفن زحف مراكب في مأزق
بمجادفٍ تحكي أراقم ربوة ... نزلت لتكرع في غدير متأق
وقال:
بأي لفظ أحلّي منك ذا شيم ... لولا حلاها لكان الدهر ذا عطل
منها:
وأرى البصيرة لا تزري الأناة به ... ولا تعود عليه آفة العجل
٤٧- وقال الوزير أبو القاسم بن مرزقان:
ما دجا ليلٌ على آمله ... كل ليل بأياديه نهار
٤٨- وقال الوزير أبو مروان بن عبد العزيز:
بحور بلاغة ونجوم عز ... وأطواد رواس من جلال
فكم كافور أيامٍ خلطناه ... ولم تظلم بمسك من ليال
وقال:
أمحيي معاهد رسم الأدب ... ومنشئ مشاهد فخر العرب
ومن نظم الفضل نظم الجمان ... ومن سبك الشعر سبك الذهب
٤٩- وقال أبو الحسن البكري:
ولأشربنّ كأس الصبابة علقمًا ... حتى أغاطي كاس وصل سكّرا
وإذا سما بسمائه بدر الدّجى ... فعليه من قلبي السلام مكررا
٥٠- وقال الوزير أبو الحسين بن محمد بن الجد:
دع السيف يوهى ما بناه فإنما ... على السيف أن يبني بما هو يهدم
لربعك يخذي كلّ نضو كأنها ... قسي عليها من عفاتك أسهم
منها:
ولولا الأسى ما رق شعر مهلهل ... ولا حاز سبقا في الرثاء متمم
وقال:
تدرعت قلبي وحشة حشت الحشا ... وأقفر من أنس كما أقفر الربع
هما نصرتا من لم تؤيده قدرة ... وبئس النصيران التنفس والدمع
منها:
شكري لنعماك شكر الروض للدّيم ... فاقطف بأيدي الأيادي روضة الكلم
وقال:
سجيةٌ في العلا شابت ذوائبها ... وهمّة نشأت في تربة الكرم
منها:
جيش أياديك الحسني تقد لجبًا ... واجعل سلاحك ما تسديه من نعم
تهزم أعاديك اللائي إذا فحصت ... عنها المكارم لم توجد من الأمم
والفظ جناه وإن لذّت مذاقته ... فربما شرق الغصان بالشيم
ومنها:
لولاك لم تنتظم في السلك لؤلؤة ... ولا غدا الشعب منه جدّ ملتئم
ومنها:
دلائل الفضل في السادات واضحة ... منها الوفاء ومنها الرعي للذمم
تبلي الليالي ولا تبلي عرائكها ... وربما جددتها لبسة القدم
من لي بتأدية الشكر الذي كتبت ... جدواك أسطره في صفحتي عدمي
1 / 12
٥١- وقال الوزير أبو الحسن صالح بن صالح الشنتمري:
حولي وحولك أعين ومسامع ... أخفي الهوى عنهن عند لقاك
لولا الحياء وأن تشيع سريرتي ... لنثرت شمل الدمع حين أراك
وقال:
أسني ليالي الدهر عندي ليلة ... لم أخل فيها الكأس من إعمال
فرّقت فيها بين جفني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال
وقال:
للحسن في خلق من أهوى خلائقه ... روض بهي بسيف اللحظ محمي
فالجيد سوسنة والعين نرجسة ... والخد ورد وذاك الخال خيري
وقال:
لله ما صنع الحياء بصفحة ... لم تبق عندي لتجلد مذهبا
كان البياض بها لجينًا خالصًا ... فأحاله فغدا لجينا مذهبا
وقال:
أبدى الحبيب تعجبًا من طول مك ... ث الورد عندي عندما أهداه
لم يدر أنّ دوامه في منزلي ... من أجل أنّ مدامعي سقياه
٥٢- وقال أبو الحكم عمرو بن مذحج:
أرى الدهر أعطاك التقدم في العلا ... وإن كان قد أوفى أخيرًا بك الدهر
لئن حازت الدنيا لك الفضل آخرًا ... ففي أخريات الليل ينبلج الفجر
٥٣- وقال أبو الوليد محمد بن يحيى بن حزم:
أتجزع من دمعي وأنت أسلته ... ومن نار أحشائي ومنك لهيبها
وتزعم أنّ النفس غيرك علّقت ... وأنت ولا من عليك حبيها
إذا طلعت شمس عليّ بسلوة ... أثار الهوى لبين الضلوع لهيبها
وقال:
وطارحك الواشون عنّي بسلوة ... مغالطة هيهات ذاك بعيد
منها:
بلى إن عرتني فترة الصبر هزّني ... تذكر أيامي بكم فأعود
وقال:
وخيل الظلام أمام الصباح ... والركض قد ضمّ أعطافها
وقد فضض الفجر أذيالها ... وزاد فذهب أعرافها
منها:
وذكرني بادرات الحمام ... حمائم تندب ألافها
وقال:
لله أيام على وادي القرى ... سلفت لنا والدهر ذو ألوان
إذا تجتني في ظلّه تمر المنى ... والطير عاكفة على الأغصان
والشمس تنظر من محاجر أرمد ... والظل يركض في النسيم الواني
فلثمت فاه والتزمت عناقه ... ويد الوصال على قفا الهجران
وقال من قطعة:
وفي ساعدي حلو الشمائل مترف ... لعوب بيأسي تارة ورجائي
أطارحه حلو العتاب وربّما ... تغاضب فاسترضيته ببكائي
وفي لفظه من سورة الكأس فترةٌ ... تمت على ألحاظه بولاء
وقد عابثته الراح حتى رمت به ... لقي بين ثنيي بردتي وبردائي
على حاجة في النفس لو شئت نلتها ... ولكن حمتني عفتي وحيائي
وقال:
لاح العذار فلاح عذري فيه ... وسقى ومن عينيه ما يسقيه
كالغصن غازلت الصبا أعطافه ... فتطاء لمحة ناظري تثنية
أطوي الهوى شحًا عليه ورقةً ... والدهر ينشر منه ما أطويه
يجني فاضمر هجرة لا عن قلّي ... والحب يغفر كلّ ما يجنيه
ولكم صددت فعارضتني سورة ... من ورد وجنته وخمرة فيه
كم ليلة ضمّت عليه ساعدي ... والمسك يأخذ منه ما يعطيه
وقال:
فلما تناهى الشوق واستحكم الهوى ... وقيل فلان طاعة لفلان
ناي عن مكاني حين لا لي حيلة ... وقد حلّ من قلبي بكل مكان
وقال:
أساكن قلبي والمقام كما ترى ... لعلك تصغي ساعة فأقول
وكم أملوا لا بلغوا فيك خطة ... وحاشاك منها والحديث يطول
منها:
وسد طريق اللحظ دمعٌ كأنما ... تشحط من جفني فيه قتيل
وقال:
وكم معشر لاموا عليك رددتهم ... وأكبادهم غيظًا عليّ تذوب
ومالوا إليّ رجم الظّنون وبيننا ... إذا ما خلونا للعفاف رقيب
ولما بدت أشياء منك تريبني ... وأكثر فيها مخطئ ومصيب
إذا عرّضوا أوليتهم فيك سكتةً ... ويعرض دمعي دونهم فيجيب
وقال:
لما استمالك معشر لم أرضهم ... والقول فيك كما علمت كثير
داريت دونك مهجتي فيما شكت ... من بعد ما كادت إليك تطير
فاذهب فغير جوانحي لك منزلٌ ... واسمع فغير وفائك المشكور
وقال:
وكيف وقد حلّ ذاك الحمى ... وقد سلك الناس ذاك السبيلا
وقال:
وصنت وجه عفافي عهن تبدّله ... حتى سلا القلب عنه وارعوي البصر
1 / 13
يا أملح الناس إلا ريبة عرضت ... تكاد من ذكرها الأحشاء تنفطر
ومنها:
وباحث عن غرامي فيك قلت له ... عنّي إليك فلا عينٌ ولا أثر
ويلي عليه وويلي من تبذله ... وطالما صنته لو ساعد القدر
وقال:
وحاشاك أن تعزي إلى المجد خطة ... تجشمه داءً وأنت طبيب
ولكن أبي إلا إليك التفاتةً ... فؤاد عليه من هواك رقيب
وود وإن أخرتموه مقدم ... وصدرٌ وإن أحرجتموه رحيب
منها:
يدير علينا السحر ملء جفونه ... فكل بريءٍ عند ذاك مريب
وقال:
كالغصن غازلت الصبا أعطافه ... نشوان يعبث بالنفوس وربما
وكأنما غمر الكرى أجفانه ... فتضرجت وجناته منها دما
وكأنما لبس الملاحة حلةً ... ولقد خجلت لقولتي فكأنما
فلئن هممت فغير مشدود الحمى ... ولئن عففت فغير ممنوع اللحى
وقال:
عتابًا لحدّ السيف إلا بقيةً ... عليك ولولاها لساءك ما يفري
وأعدته للدهر عدةً واثق ... وألفيته سيفًا عليّ مع الدهر
وأرسلته سهمًا سديدًا على العدا ... فأخطأهم عمدًا وعاد إلى نحري
٥٤- وقال أبو بكر يحيى بن بقي في أقلام:
ونكبت عن قومٍ مضوا وبودّهم ... لو أن ثرى رجلي لأجفانهم كحل
وقال:
يزهي بها الطرس حسنًا ما نثرت بها ... مسك المداد على الكافور من ورقه
وقال:
سل بالعيون فتىً أصيب بها ... مثلي لتعلم صحّة الأمر
هنّ السيوف من الردى طبعت ... تبري القلوب وقلما تبري
وقال:
وتُيموا بعيون غير فاترة ... من الأسنّة لم تهجع مع المقل
إلا تكن أعينًا نجلًا فإن لها ... في أضلع القوم مثل الأعين النجل
وقال:
أتى به الدهر فردًا في فضائله ... وفي الفرائد ما يربي على الجمل
بياض عرضي تحامى الذّم جانبه ... ليس السواد بأبهى منه في المقل
وقال:
وعندي حشاشة ننفس في سبيل ردى ... إن شئتها اليوم لم أمطل بها لغد
خذها وهات ولا تمزج فتفسدها ... الماء في النار أصل غير مطرد
وقال: ولقد وصفت لعاذلي من حسنه=طرفًا فودّ بأنّه لم يعذل
وعصيته فيما مضى من عهدنا ... وأنا الذي أعصيه في المستقبل
وقال:
كيف صبري على الكؤوس إذا ما ... عثر الروض في ذيول النسيم
وبدا معصم الخليج فخطّت ... فوقه الريح أسطرًا من وشوم
منها في الحمر:
كرمت في حدائق غرسوها ... لكرام فسميب بالكروم
وقال:
خذها على وجه الربيع المخصب ... لم يقض حقّ الروض من لم يشرب
هممي سماء علًا وهممي ماردٌ ... فأرجمه من تلك الكؤوس بكوكب
وقال:
عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الفتيق لناشق
وضممته ضم الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائل في عاتقي
حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته شيئًا وكان معانقي
باعدته عن أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على وساد خافق
٥٥- وقال أبو الحسن بن هارون الشنتمري:
ذو لحظة إن لم تمكن في الحشا ... رمحًا وإلا فهي في السيف
٥٦- وقال المتوكل على الله بن المظفر:
فما بالهم لا أنعم الله بالهم ... ينيطون بي ذمًّا وقد علموا فضلي
وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكيًا ... فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي
وقال:
أنهض أبا طالب إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا
فنحن عقد بغير وسطى ... ما لم تكن حاضرًا لدينا
٥٧- وقال الوزير أبو عبد الله بن عبد المجيد بن عبدون البايري:
وافاك من لفق الصباح تبسم ... وإنجاب من غسق الظلام تجهم
منها:
بيني وبين الدهر يومٌ مثله ... والبيض تشهد والقوافل تحكم
ومن المشاهد كالشهود مواضع ... ومن الأسنّة ألسن تتكلم
منها:
ومحبّةٌ موروثةٌ مكسوبةٌ ... بدئ الزمان بها ومنها يختم
منها:
وتعلمت منك الغمامة شيمة ... تهمي وفيها للبروق تبسم
وقال:
إذا مرقوا من بطن ليل رقت بهم ... إلى ظهر يوم عزمة هي ما هيا
ومنها:
همام أقام الحرب وهي قعيدةٌ ... وروّى القنا منها وكانت صواديا
وقال:
1 / 14
الصبح يبدي ربى نجد وإن صغرت ... والليل يستر كثبانًا على الكبر
٥٨- وقال أبو جعفر بن عبد الله بن هريرة القيس الأعمى من قصيدة:
بنوا الهيجاء طاروا وغاها ... وإن كانت حلومهم ثقالًا
إذا شهدوا القتال فسوف تدري ... لأية علة شهدوا القتالا
ونعم النازلون على الروابي ... إذا ما الشمس أحرقت الظلالا
منها:
عدا بي أن أزورك صرف دهر ... ألح فما أطيق له احتيالا
وهم من همومي لو توخى ... طريق الريح كان لها عقالا
وقال من قصيدة:
يا ربّ قد سفكت أو الوفاء دمي ... وقد تخوفت يومًا أن تؤاخذ بي
وقد وهبت لها قلبي وما خطري ... حتى يعاقب ذاك الحسن من سببي
وقال:
أعتبتم فعتبتم وأطعمتم ... فعصيتم ووصلتم فهجرتم
ولقد علمتم أنني قد رمته ... فضعفت عنه فافعلوا ما شئتم
أنتم مناي وفيتم أو خنتم ... ولكم هواي دنوتم أو بنتم
وقال من قصيدة:
وسؤلت لي نفسي أن أفارقها ... والماء في المزن أصفى من الغدر
منها:
كم ساهر يستطيل الليل من دنفٍ ... لم يدر أن الكرى آت مع السحر
أما اشتفت مني الأيام في وطني ... حتى تضايق في ما عن من وطري
٥٩- وقال أبو بكر عبد العزيز سعيد البطليوسي:
فإذا سعدت بنظرة من وجهه ... فاهد السلام لكفه تقبيلا
واذكر له شوقي ووجدي مجملًا ... ولو استطعت شرحته تفصيلا
بتحيةٍ تُهدى إليه كأنما ... جرّت على زهر الرياض ذبولا
منها:
لا أدركت تلك الأهلّة دهرها ... نقصًا ولا تلك النجوم أفولا
وقال:
وأمنن به ضافي الجناح كأنما ... حذيت قوادمه بريح شمأل
أعدو به عجبًا أصرف في يدي ... ريحًا وآخذ مطلقًا بمكبل
وقال:
وقد شقّ هدب الليل عن شملة الضحى ... ببرق على ثوب الدجى منه تكتيب
كأن أهازيج الذباب أساقف ... لها من أزاهير الرياض محاريب
وقال يشكو رمدًا:
شاعركم كان زهيرًا وقد ... أصبح مما ناله الأغشى
يقرأ والشمس على رأسه ... تنير (والليل إذا يغشى)
وقال:
ذكرت سليمي وحر الوغى ... كجسمي ساعة فارقتها
فأبصرت بين القنا قدها ... وقد ملن نحوي فعانقتها
٦٠- وقال أبو بكر بن قزمان:
ركبوا السيول من الخيول وركبوا ... فوق العوالي السمر زرق نطاف
وتحللوا الغدران من ماذيهم ... مربحة إلا على الأكتاف
وقال:
لا تطمئن على أحد ... واحذر وشمر واستعد
فالكل كلب مؤسد ... إلا إذا وجدوا أسد
٦١- وقال أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني:
خماص البطون مراض الجفون ... أقمن الشعور مقام الردا
لدان القدود حسان الخدود ... صغار النهود طوال الطلى
عذاب الثغور لطاف الخصور ... خفاف الصدور ثقال الخطى
مشين الهوينا ووادي الخزامى ... يود من البشر أن لو مشى
فمازلن يرفلن حتى إذا ... عقدت لواء الهوى باللوى
منها:
وشمت سيوفك في جلّق ... فشامت خراسان منها الحيا
وقال:
إن كان واديك نيلا لا يحاز به ... فما لنا قد حرمنا النيل والنيلا
إن كان ذنبي خروجي من بلنسية ... فما كفرت ولا بدلت تبديلا
هي المقادير تجري في أعنتها ... ليقض الله كان مفعولا
وقال:
البرق لائح من أندرين ... شرقت عيناك بالدمع المعين
لعبت أسيافه عارية ... كمخاريق بأيدي اللاعبين
ولصوت الرعد زجر وحنين ... ولقلبي زفراتٌ وأنين
عيّرتني بسقام وضني ... إن هذين لزين العاشقين
منها:
شربوا الراح على خدّ فتى ... نور الورد به والياسمين
منها:
لوت الصدغ على حاجبيه ... ضمة اللام على عطفة نون
منها:
ويسقون إذا ما شربوا ... بأباريق وكأس من معين
وكأن الطلّ مسك في الثرى ... وكأن النور در في الغصون
والندى يفطر من نرجسه ... كدموع أسبلتهن الجفون
وانبرى جنح الدجى عن أفقه ... كغراب طار عن بيض كنين
وكأن الشمس لما أشرقت ... فأثنت عنها عيون الناظرين
1 / 15
وجه إدريس بن يحيى بن علي ... بن حمود أمير المؤمنين
حط بالمسك على أبوابه ... أدخلوها بسلام آمنين
ملك ذو هيبة لكنّه ... خاشع لله رب العالمين
وإذا أشكل خطب معضل ... صدع الشك بمصباح اليقين
وإذا راهن في السبق أني ... وبيمناه لواء السابقين
يا بني أحمد خير الورى ... لأبيكم كان وفد المسلمين
نزل الوحي عليه فاحتبى ... في الدجى فوقهم الروح الأمين
خلقوا من ماء عدل وتقي ... وجميع الماس من ماء وطين
انظرونا نقتبس من نوركم ... إنه من نور رب العالمين
٦٢=وقال أبو عبد الله محمد بن البين:
ولما تولت بالجمال جمالهم ... تولى جميل الصبر يوم تولت
بوادي الكرى لاقيتها وهي عاطل ... فأرسلت درّ العين حتى تجلت
وقال:
غصبوا الصباح فقسموه حدودا ... واستوهبوا قضب الأراك قدودا
ورأوا حصى الياقوت دون محلهم ... فاستبدلوا منه النجوم عقودا
واستودعوا حدق المها أجفانهم ... فسبوا بهن ضراغما وأسوادا
لم يكف أن خلفوا الأسنة والظبا ... حتى استعاموا أعينًا وخدودا
وتضافروا بضفائر أبدوا لنا ... ضوء النار بليله معقودا
صاغوا الثغور من الأقاحي بيناه ... ماء الحياة لو اغتدى مورودا
٦٣- وقال أبو محمد بن هود:
ضللتم جميعًا يآل هود عن الهدى ... وضيعتم الرأي الموقق أجمعا
وإن طلعت تلك البدور أهلّةً ... فلم يبق إلا أن أغيب وأطلعا
فلا تقطعوا الأسباب بيني وبينكم ... فأنفكم منكم وإن كان أجدعا
وقال:
تركت محلّي جنّةً فوجدتها ... على كل أيدي الحادثات جهنما
لتصنع بي الأيام ما شئن آخرا ... فما صنعت بي أولًا كان أعظما
٦٤- وقال أبو عمر بن فتح بن برلوصة:
إن ابن برد لفتى ماجد ... ونفسه بالجود مفتونة
مددت كفى نحو بلوطة ... فقال: دعها وخذ التينة
٦٥- وقال أبو عمر يوسف بن كوثر الشنتريني:
إلا لا يفند عاشقًا من له ذهن ... فو الله لولا العشق ما عرف الحسن
٦٦- وقال أبو الوليد المعروف بالنحلي:
راقت محاسنها ورقّ أديمها ... فتكاد تبصر باطنًا من ظاهر
وتمايلت كالغصن في ورق النقا ... تلتف في ورق الشباب الناضر
يندى بماء الورد مسبل ثغرها ... كالطل يسقط من جناح الطائر
تزهى برونق حسنها وجمالها ... زهو المؤيد بالثناء العاطر
ملك تضاءلت الملوك لقدره ... وعنا له صرف الزمان الجائر
وإذا لمحت جبينه ويمينه ... أبصرت بدرًا فوق بحر زاخر
٦٧- وقال أبو بكر محمد بن سوار الأشبوني:
سريت وأصحابي يميلهم الكرى ... فهم منه في سكر وما بهم سكر
وأفردت سهمًا واحدًا في كنانة ... من الحرب لا يخشى على مثله الكسر
وكنت عهدت الحرب مكرًا وخدعة ... ولكن مع المقدور مالا مرئ مكر
فطاعنتهم حتى تحطمت القنا ... وضاربتهم حتى تكسرت البتر
وقال:
فضاقت عليّ الأرض حتى كأنها ... بما رحبت ما كان في طولها شبر
وقال:
بانوا وروحي عندهم وحشاشبي ... فتظن أنهم مضوا وبقيت
هذا فؤادي إن وجدتم غيرها ... في طيها فالنار والكبريت
منها:
ولقد حملت من الوقار سكينة ... لم يحتملها قبلك التابوت
وقال:
أنتم الأحباب في حكم الهوى ... فارفقوا لا تفعلوا فعل الأعادي
تكمن الشحناء في أحشائهم ... ككمون الجمر في جوف الرماد
منها:
وعفاف واعتكاف وتقىً ... ووفاء وعطاء وأيادي
وقال:
بدت الغزالة والعزالة وجهها ... وتكلمت فسمعت ظبيًا يبغم
جالستها وتبسمت فظننتها ... عن مثل ما في نحرها تتبسم
فتشابهت منها الثلاثة أضرب ... عق وثغر طيب وتكلم
ومضت تجر وراءها شعرًا كما ... أعطاك خافية الغراب الأسحم
يمحو مواقع خطوها فكأنه ... يخيفه عن عين الرقيب ويكتم
والمسك فوق الترب من أردانها ... خطٌ كما رقم الرداء المعلم
هلاّ التقينا حيث تنتثر الظبا ... والهام تسقط والقنا تتحطم
1 / 16
والجو أدكن بالغبار قميصه ... والجيش أرعن والخميس عرمرم
وكأن كل كمي حرب ماردٌ ... تهدي إليه من الأسنة أنجم
ومدربين على الطعان لقيتهم ... وكأنهم في الشمس ليلٌ مظلم
لبسوا جلود الرقم واعتقلوا القنا ... فرأيت كيف يجرأ رقم أرقم
حتى علوناهم بكل مهند ... يبكي فتحسبه لهم يترحم
ذو خطبة في الهام يسمع صوتها ... في كل قطر وهو لا يتكلم
منها:
رد التحية مثل ودي غضّة ... إني عليك مع النسيم مسلم
ولقد كتبت وأدمعي منهلة ... والقلب فيه جذوة تتضرم
أمن السوية أن أكون كما أنا ... فيفوز غيري بالنعيم وأحرم
وقال:
إلى ضوء ذاك البارق المتعالي ... حننت وجنت أينقي وجمالي
تألق مدحي عارضًا مثل أدمعي ... ويحكي فؤادي خفقه المتوالي
ولولا شمالي في زمام شملة ... لطارت إليه في صبا وشمال
منها:
هم بعثوا طيف الخيال الذي سرى ... فعانق جسمًا مثل طيف خيال
فيا دارهم بالحزن حزني مجدد ... عليك وقلبي ليس عنك بسالي
منها:
وأبيض هندي كأن بحده ... مطار ذباب أو محدب نمال
جرى فوقه ماء الفرند وتحته ... وجال على متنيه كل مجال
وقد أظهرت فيه المنايا نفوسها ... كما خوضت لجّ السراب سعالي
منها:
إليك رمتنا العيس حتى كأنها ... من الوهن أقواس رمت بنبال
وقال:
والقرط كالقلب من خوف ومن حذر ... كأنه هو في خوف وتعذيب
ولا انتهت إلى أطناب قبتها ... إلا على ظهر مطعون ومضروب
بأبيض بدم الأجساد مغتسل ... وأسمر بدم الأكباد مخضوب
والطبع أكرم في تركيب خلقته ... من أن أكون محبًا غير محبوب
إن كنت يا دهر لم تحسن معاشرتي ... فيما مضى فلقد أحسنت تأديبي
وقال:
رعى الله فيكم ذمّة المجد والعلا ... فلا خلق أرعى منهم لذمام
وقال:
حطوا عن الأكوار قد مات الذي ... يتحمل الأعباء وهي ثقال
وتهدّم الجبل المنيف فزلزلت ... رتب العلا ومن الرجال رجال
وقال:
سوداء أشرق نجمها فلو أنني ... أجري على فلك لكنت هلالها
منها:
يمشون فوق الأرض تحت حلومهم ... فتخالهم أوتادها وجبالها
لولاهم لتحركت حيتانها ... من وجفة ولزلزلت زلزالها
وقال:
قامت تقبلني فقلت لها امسكي ... عني لأني لا أقارب راحا
فمضت وقد أخجلتها فتبسمت ... فرأيت في أرض العقيق أقاحا
وقال:
تكلفني نظم النجوم قلائدًا ... لعمري لقد كلفتني مرتقى صعبًا
منها:
موقق آراء القضاء كأنما ... بصيرته في الغيب يخترق الحجبا
إذا اكتسب الناس الدنانير عدّة فأحمد لا يرضى بغير العلا كبسا
وقال:
ورزيه نزلت بآل محمد خصت ... وعمت آل دين محمد
وقال:
الصبر أجمل عند كل ملمة ... لكن على فقديمها لم يجمل
قمران غيب بالكسوف سناهما ... لا تخسف الأقمار إن لم تكمل
من قاصين موفقين كأنما ... هذا شريح في القضاء وذا علي
وروية من حكمة وقضية ... من فطنة وبديهة من منصل
٦٨- وقال أبو محمد عبد الله بن صارة:
وحرمت منلك بغير ما أملته ... أشقى البرية عاشقٌ محروم
وقال:
لم تطوك الأيام عني إنما ... نقلتك من عيني إلى أضلاعي
وقال:
لا غرو إن جرح التوهم خده ... فالسحر يفعل في البعيد النازح
وقال:
أهد الثناء إلى زمان مشرق ... أهدي إليك شقائق النعمان
قامت فرادى فوق سوق زبرجد ... صيغت عليه جمائم العقيان
يهفو بها مر النسيم كأنها ... حمر البنود نشرن في الميدان
وقال:
وحديقة في نرجس وبهار ... رفعت لواء الحسن للنظار
فكأنما هذا ضحى متهلل ... وكأنما هذا أصيل نهار
شربا سلاف القطر حتى عربدا ... وتراجما بكواكب الأزهار
وقال:
أيا من جارت العلياء فيه ... فما تدري له العلياء كنها
بجيد الليل منا عقد أنس ... أقام بغير واسطة فكنها
وقال:
وأطوي طول ليلي ذكر ليلى ... ولا أقرأ على سلمي السلاما
وقال:
1 / 17
عشق السواد فأصبحت أسنانه ... تشري السواد ببيع كل بياض
فإذا شحا فاه رأيت خنافسًا ... يأوين من فيه إلى مرحاض
وقال:
وأبخر قص حديثًا له ... فقال الحضور فسا ذا الحدث
فقلت لهم بادروا بالقيام ... فإن الفساء نذير الحدث
وقال:
أما الثنايا فإني لست منثنيًا ... عن الثناء عليها آخر الأبد
تبدى إلى السمع من ألفاظه نغمًا ... كأنها نفثات السحر في العقد
له فمٌ كحر في شكل صورته ... ترمي عقاربه العينين بالرمد
وقال:
طالع بغرتك الميمون طائرها ... تواطئًا بك في أمن من الطير
ولا تدعني في كف الزمان سدى ... كالقوس يخطلها الرامي من الوتر
وقال:
أٌلدهم حر الثناء فإنهم ... بجيد المعالي واسطات القلائد
وقال: أهزّ حسامًا من لسانك إن سطت=مضاربه ذلت رقاب الشدائد
عسى أملي يحظى بإدراك سؤله ... فتثمر بالإنجاز أيك المواعد
وقال:
إن طاف من حدثانه الطوفان بي ... فمكارم القاضي سفينة نوح
٦٩- وقال القائد أبو عيسى بن لبون:
والجلنار دماء قتلي معرك ... والياسمين حباب ماء قد طفا
وقال:
لو كنت تشهد يا هذا عشيتنا ... والمزن يسكب أحيانًا وينحدر
والأرض مصفرة بالمزن كاسية ... أبصرت تبرًا عليه الدر ينتثر
وقال:
يا رب ليل شربنا فيه صافية ... حمراء في لونها تنفي التباريحا
ترى الفراش على الأكواس طائفة ... كأنها أبصرت منها مصابيحا
وقال:
تبدي إلينا حشوه ذهب ... أنامل العاج والأطراف عنّاب
وقال أبو مروان عبد الملك بن رزين:
إذا شعشعت في الكأس خلت حبابها ... لآلئ قد نظمن في لبة الشمس
فإن شئت قل فيها أرق من الهوى ... وإن شئت قل فيها أرق من النفس
قال:
أنحي على جسمي النحول فلم يدع ... متوهمًا من رسمه المعلوم
عبثت به أيدي الضنا فكأنه ... سرّ خفي في ضمير كتوم
وقال:
أقسمت بالورد الجني ... ورنتي ناي وعود
لأواصلنك بالرضى ... أو تأنفن من الصدود
ولأشربنك بالمنى ... ولألثمنك من بعيد
ولأرضينك إن سخط ... ت بذلة الدنف العميد
وقال:
برح السقم بي فليس صحيحًا ... من رأت عينه عيونًا مراضا
إن للأعين المراض سامًا ... صيرت أنفس الورى أغراضا
وقال:
ولأدنينك بالمنى ... ولأشربنك بالضمير
٧١- وقال الماهر أبو عامر أبو المطرف عبد الرحمن فاخر المعروف بابن الدباغ:
نفس فداؤك من خليل واصلٍ ... أهدي إلينا الدر من آدابه
علقت يميني منك علق مضنة ... شدت أناملها على أسبابه
وكسوتني من حر شعرك ملبسًا ... وقد كان غير عواتقي أولى به
فأجبت عنه على الورى وربما ... كنت المقصر في اعتراض جوابه
قال:
حلم لو أن الدهر حمل بعضه ... لشكت عواتقه من الإعياء
وإذا تناولت الرقاع بنانه ... أنستك طرز الوشي في صنعاء
وله إذا شاء انتظام غرائب ... لا تدّعيها فطنة الشعراء
٧٢- وقال أبو الربيع سليمان بن مهيار السرقسطي:
لا تنسني من سحتك المكسوب ... واجعل نصيبك منه مثل نصيبي
وإذا اغتري بك في القيامة أهله ... فبمثل ما أوليتني تغري بي
وهي الذنوب، وبالغ في لؤمه ... أقصى النهاية باخل بذنوب
٧٣- وقال عبد الله بن خلصة الضرير:
ولو جاد بالدنيا وثنى بمثلها ... لظن من استصغارها أنه ضنا
ولا عيب في إنعامه غير أنه ... إذا من لم يتبع مواهبه منّا
وقال:
يا ملكًا حسدت عليه زمانه ... أمم خلت من قبله وقرون
مالي أرى الآمال بيضًا وضحًا ... ووجوه آمالي حوالك جون
أنا آمن فرق وراج يائس ... ورو صدٍ ومسرح مسجون
لا تعدني أنواء يمنك لا عدا ... ك النصر والتأييد والتمكين
وقال:
لم تدر من قبله عين ولا بصرت ... بالبدر والبحر والرئبال في رجل
خدمتكم ليكون الدهر من خدمي ... فما أحالته عن عاداته نيلي
إن لم تكن بكم حالي مبدلة ... فما انتفاعي بعلم الحال والبدل
وقال:
1 / 18
تعبدني حبًا وتيمني هوى=فيا ما أذل العاشقين وما أخزى
وما درت الروض الأنيق نباته ... لروض علاء ينبت المجد والعزّا
وقال:
كدت أقضي عليك نحي نحيبًا ... وأرى ذاك في رضاك قليلا
وقال:
يا أبا عامر عزاء جميلًا ... فإليكم يعزى العزاء الجميل
سنة الله في العباد وما في ... سنة الله للورى تبديل
حكمه الفصل ليس عنه انفصال ... وهو العدل ليس عنه عدول
وإذا كاشف الحقائق عقل ... شهدت لي بما أقول العقول
٧٤- وقال أبو مروان بن الحجاري:
أخوك أخو نكبات لها ... يرق العدو فكيف الصديق
كسدت ونظمي درّ نفيس ... وضعت ونثري مسك سحيق
منها:
فشيعه مكن دموعي انسكاب ... وودعه من فؤادي خفوق
وقال:
لو حسبت في الورى مواهبه ... لم يخل حسّابها من الغلت
وقد استرد الشباب خلعته ... ونبّهتني الخطوب من سنة
لولا أتتني الخطوب تطلبني ... ما علمت موضعي ولا درت
وقال:
فديتك لا تخف مني سلوًا ... إذا ما غير الشعر الصغارا
أهيم بدن خل كان خمرًا ... وأهوى لحيةً كانت عذارا
٧٥- وقال أبو علي الإدريس بن اليماني:
قبلةٌ كانت على دهش ... أذهبت ما بي من العطش
ولها في القلب منزلة ... لو عدتها النفس لم تعش
منها:
وكأن النجم حين بدا ... درهم في كف مرتعش
وقال في صبي عليه أسمال:
توشح بالظلماء وهو صباح ... فأمرضت الألباب وهي صحاح
وظل فؤادي طائرًا عن جوانحي ... فليس له إلا الغرام جناح
قضيب صباح في وشاح دجنة ... ألا ليتني تحت الوشاح وشاح
ولا عجب أن أفسدتني جفونه ... فكل فساد في هواه صلاح
وقال:
علقته شادنًا صغيرًا ... وكنت لا أعشق الصغارا
أعارني سقم ناظريه ... فاستشعرت نفسه حذارا
يسفر عن وجه مستنير ... يرد جنح الدجى نهارا
لم أر من قبل ذاك ماء ... أضرم فيه الحياء نارا
وقال:
وعقبان خطف من نتاج أعوج ... تنقض من فرسانها بسباع
وقال:
ولرب ليل قد طرقت وهمتي ... أسرى بها إذ ليس يسري كوكب
منها:
وسروا فمغرب كلّ أرض مشرق ... لهم ومشرق كل أرض مغرب
والفجر ملقى النقاب مبرقع ... والليل مسدول الرواق مطنب
وكأن باهرة الكواكب معشر ... قام الهلال بهم خطيبًا يخطب
وكأن نور الصبح راية فارس ... حمراء يتبعها خميس أشهب
وقال:
وقد سكنت عين دهمائهم ... كما سكن الفعل جزمًا بلم
ملوك ولكنهم في الملوك ... كأمة أحمد بين الأمم
وطيب حتى رضاب الثغور ... فلا فم إلا وفيه شبم
منها:
همامٌ له شيمةٌ كالشمول ... تميت الهموم وتحيي الهمم
تنسمت نعمته بالثناء ... ونشر الثناء نسيم النعم
يد تقع الهام تحت الحسام ... بها والأقاليم تحت القلم
منها:
ولو خطرت بحبيب بن أوس ... طوى كلّ ما حاك في المعتصم
فيا كعبة الحسن وافاك عبد ... لطاعة سيده ملتزم
حججت وطفت أسابيع لكن ... تمام طوافي أن أستلم
وقال:
ثقلت زجاجات أتتنا فرغًا ... حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفّت فكادت تستطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخف بالأرواح
ولئن بك استغنيت عن كل ففي ... ضوء الصباح عن المصباح
وقال:
زعم العبير بأنه حاكاك ... كذب العبير وما حكى رياك
هذا شميمك فليهب نسيمه ... حتى تبين مقالة الأفّاك
وإن ادعى ريم الفلاة بأن في ... عينيه لمحة طرفك الفتاك
فليلتمحك بمقلتيه مغاذلًا ... حتى تفند قوله عيناك
وقال:
أنبات الهديل أسعدن ... أوعدن قليل العزاء بالأسعاد
بيد أني لا أرتضي ما فعلتن ... وأطواقكن في الأجياد
وقال:
وصدق دعوى الشوق برهان جسمه ... وما كل ذي دعوى تصدق دعواه
بذي لعس للاقحوان ثناياه ... وللورد خدّاه وللآس صدغاه
وللسوسن الريان صفحة خدّه ... وللبدر مجلاه وللمسك رياه
منها:
1 / 19
لقد كان معنى الجود عمي فانبرى ... له ابن أبي موسى ففك معماه
وما فتحت أيدي الحيا زهرة الربى ... كما فتحت روض القريض عطاياه
وقال:
الخاطفات أسافلًا وأعاليا ... فكأنهن ضراغم وأجادل
منها: تصبو غليك مشارق ومغارب=وتهيم فيك منابر ومحافل
تجري بما فيها تشاء كأنما ... حركتها فعلٌ وأنت الفاعل
لولا اضطرام اليأس فيك لدى الوغى ... لا خضر في يدك الوشيج الذابل
وقال:
وما اصفر وجه الشمس إلا لأنه ... لوجه الأمير الأريحي حسود
فغرته تغري سناك على الدجى ... وراحته تبدي الندى وتعيد
٧٦- وقال أبو الأصبغ بن أرقم:
انكسفي ويحك يا شمس ... وازة بما ضمنت يا رمس
في سر أجفانك لي مقلة ... وبين أضلاعك لي نفس
٧٧- وقال أبو جعفر بن جرج:
بيض مناظرها سود غدائرها ... كما تلاقى جنود الروم والحبش
كيف النجاة لقلب بات منتهشًا ... ما بين عقرب ذاك الصدغ والحنش
وقال:
ساروا فودعهم طرفي وأودعهم ... قلبي فما بعدوا عني ولا قربوا
هم الشموس ففي أعيني إذا طلعوا ... في القادمين وفي قلبي إذا غربوا
٧٨- وقال أبو الفضل بن حسداي الإسلامي:
عهد لليلى تقاضته الأمانات ... بانت وما قضيت منه لبانات
يدني التوهم للمشتاق ممتزجًا ... من الوصال وفي الأوهام راحات
تقضي عدات إذا هب الكرى وإذا ... هب النسيم فقد تهدي تحيات
لعل عتبي الليالي أن تعود إلى ... عتبي فتبلغ أوطار ولذات
٧٩- قال الأديب أبو اسحق إبراهيم بن خفاجة يستدعي نديمًا:
لو ترى الشرب حولها من بعيد ... قلت قوم من قرة يصطلونا
وقال من قصيدة:
أذعت بهم سر الصباح وإنما ... سررت بهم ليل السرى فتبسما
فبتنا وبحر الليل مرتطم بنا ... نرى العيس غرقى والكواكب نوما
وقد وترت منها قسيًا يد السرى ... وفوق منا فوقها المجد أسهما
وما هاجني إلا تألق بارق ... لبست به برد الدجنة معلما
فيا رب وضاح المحاسن أشقر ... رميت به الهيجا وقد فغرت فما
وبحر حديد قد تلاطم أخضر ... إذا عصفت ريح الجياد به طمى
وقد أفصحت أعطافه عن سيادة ... فشاهدت منه صامتًا متكلما
وطال رجال الحي طولًا ونجدة ... فأسدى يد النعمى وذاد عن الحمى
فلو وصلوا يومًا كعوبًا لأسمره ... لكان على حكم السيادة لهذما
وقال من أخرى:
سايرته في حيث يحمل لأمتي ... أسد ويلوي معطفيه شجاع
في ليلة للرعد فيها صرخة ... لا تستطاب وللحياة إيقاع
والصبح قد صدع الظلام كأنه ... وجه وضئ شق عنه قناع
ودفعت في صدر الردى عن مطلب ... بيني وبين الدهر فيه قراع
وقال:
ورفلت في خلع علي من الدجى ... عقدت لها من أنجم أزرار
والليل يقصر خطوه ولربما ... طالت ليالي الركب وهي قصار
وقد شاب من طوق المجرة مفرقٌ ... فيها ومن خط الهلال عذار
وقال:
شراب الأماني لو علمت سارب ... وعتبى الليالي لو عرفت عتاب
وهل مهجة الإنسان إلا طريدة ... تحوم عليها للعقاب عقاب
وكيف يغيض الدمع أو يبرد الحشا ... وقد ماد أفنان وفات شباب
أقلب طرفي لا أرى غير ليلة ... وقد حط عن وجه الصباح نقاب
كأني وقد الصباح حمامه ... يمد جناحيه على غراب
وقال:
كفى حزنًا أن لم يردني على النوى ... رسول ولم ينفذ إليك كتاب
وإني إذا يممت قبرك زائرًا ... وقفت ودوني للتراب حجاب
ولو أن حيًا كان جاور ميتًا ... لطال كلام بيننا وخطاب
وقال:
أراعي نجوم الليل حبًا لبدره ... ولست كما ظن الخلي منجما
أقلب منه ناظري في غيابة ... لو اعترضت دون الصباح لأظلما
ترى يوسفا في ثوبه حسن صورة ... وتسمع داودًا لها مترنمًا
وقال من أخرى:
سقيًا ليوم قد أنخت بسرجة ... ريًا تلاعبها الرياح فتلعب
سكرى يغنيها الحمام فتنثني ... طربًا ويسقيها الغمام فتشرب
تلهو فترفع للشبيبة راية ... فيه ويطلع للبهارة كوكب
1 / 20