ويا أيها الشيوخ؛ أما تنظرون البياض بعد السواد قد أتاكم ما يؤذنكم بقرب الموت ودنو أوان الفوت، لا يبيض شعر إلا قال لقرينه: استعد للرحيل أيها الغريب، وأنتم في الغفلات لاعبون، وفي اكتساب السيئات منهمكون، إن هذا الأمر عجيب، تفكروا فيما بعد الموت إذا أقبركم الأحباب وولى عنكم الأصحاب، وجاءكم الملكان الأزرقان الأسودان السائلان من ربك؟ وما دينك، شكل كل مهيب، فمن مات تائبا من الذنوب نجا من الكروب، ونام كنوم العروس لا يبعثها إلا الكريم المجيب، ومن مات متلطخا بالرذائل، تحير عند المسائل، وصار كالمهموم المغموم المحزون الكئيب، وبعد ذلك إذا نفخ في الصور وبعث من في القبور، حضر كل عند الملك الحسيب، هو يوم عظيم كربه، شديد هوله، فكم من شاب ينادي: واشباباه! وكم من امرأة تنادي: وافضيحتاه! وكم من وجه صبيح، ولسان فصيح، يقول: واويلاه! وكم من شيخ ينادي: وامشيب!
فالواجب على العاقل أن لا ينسى هذه الأحوال، ويترك محقرات الأفعال، ويتذكر يوما الأرض فيه مهيل كثيب، ولا تظنن بعد ذلك اليوم، فقد ظهرت العلامات الصغرى، ولم يبق إلا البطشة العظمى، وهي(1)بطشة الدجال الأعور، فما أدراكم لعله يخرج في هذه المئة الحاضرة، فيأخذكم، ويطلب منكم تصديقه، فمن آمن به دخل النار، ومن كفر به فاز بأعلى النصيب، فهل من مستغفر يستغفر؟ وهل من تائب يتوب؟ وهل من لبيب؟
पृष्ठ 37