लताइफ
اللطائف المستحسنة بجمع خطب شهور السنة
शैलियों
أيها الخلان والأحباب؛ اغتنموا أربعا قبل أربع: الصحة قبل المرض، والفراغ قبل الشغل، والحياة قبل الموت، وقبل المشيب الشباب. واجتهدوا في طاعة الله ورسوله، وتجنبوا ترك أوامره، وارتكاب منهياته؛ كيلا يحبط بكم اللباب، واطلبوا رضاء الله في كل وقت ولمحة واخشوا عذابه كل ساعة، فإنه شديد البطش، قوي العقاب، واعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، فمن أشرك به حبطت أعماله واستحق العذاب، ووحدوه فإن التوحيد رأس الطاعات وملاك الحسنات، وهو المنجي في المآب، فأنه لا ينفع عمل صالح عند فساد الاعتقاد وسوء الانتساب، ولازموا تزكية القلوب من الخصال الردية، ولا تعتمدوا على خصالها العلية، فإن القلب شديد الانقلاب، وادعوا الله بثبات القلوب على دينه، وتوكلوا عليه في حسن المآب واغتنموا هذه الأشهر المتشرفة والأيام المتبركة، ولا تظلموا فيهن أنفسكم النفيسة بارتكاب المعاصي وأعمال العقاب، واشكروا الله على مننه وألطافه حيث أبقاكم إلى هذه الأزمنة، وأمهلكم في هذه الدار ذات الهلاك والفناء والتباب، واعتبروا بمن مضى من الأباء والأجداد والأولاد والأحفاد والأقران والأصحاب، كم من غافل كان معكم في مثل هذه الأوقات؟ كم من متنعم كان يتنعم معكم في اللذات، فسرع بهم هاذم اللذات، ومفرق الجماعات؟ ففرق شملكم، ومزق جمعكم وأسكنهم دار التراب، تفرقت أوصالهم، وتقطعت أعضاؤهم، وتمزقت شعورهم، وتعفنت بطونهم؟ سألت الدموع من عيونهم، وأكلت الديدان خدودهم، وذهب ما كانوا يغترون به من حسن الشباب؟ وناداهم مناد من زوار القبور: أيها المقيمون بالديار الخربة، والمعتكفون ببيوت الغربة، كيف أصبحتم؟ وما مضى عليكم أخبار ما عندنا، أنه قد تزوجت نساؤكم، وهدمت دياركم، وقسمت أموالكم بين الأعزة والأحباب، فأخبرونا أيها الصامتون بأخبار ما عندكم ماذا مضى عليكم في هذه الشعاب، فأجابوا من داخل القبور: يا حسرتاه على ما فرطنا ، وواويلاه على ما كسبنا، وواسفى على ما اجترحنا، ووامصيبتاه على ما اقترفنا، ليتنا نعود إلى دار الدنيا فنعمل غير ما كنا عملنا فنفوز بالثواب، أخبار ماعندنا أن قد وجدنا ما عملنا حاضرا، وتحسرنا على ما فاتنا نائيا، وبكينا على الغفلة في الشيب والشباب، أحاطت بنا الظلمة وأهلكتنا الضغطة، وأكلنا التراب فإن رأيتمونا فررتم منا كما تفرون من الأسود والكلاب، أيها السائلون عن أحوالنا والمتجسون عن أخبارنا ننصحكم، والدين النصيحة، أن لا تهلكوا أعماركم الشريفة ولا تضيعوا أنفاسكم اللطيفة في كسب المعاصي والسيئات الواجبة الاجتناب، فليس الخبر كالمعاينة وعند المعاينة لا تنفع حجة ولا كتاب.
पृष्ठ 115