فإن الله لما جعل طائفة من هذه الأمة ظاهرين بالحق إلى يوم القيامة متظاهرين بإقامة شعائر الشرائع رجا حسن الإقامة في دار المقامة، متتبعين آثار السلف الصالح، مثابرين على تشييد عقود المصالح، مقبلين على استماع النصائح، مسارعين إلى اقتناء المثوبات ولا سيما فيما يعم الطايف والعاكف والغادي والرائح، وكان الاهتمام بأمر الكعبة الشريفة من المتجر الرابح، والاحتفال بخلوص المال المنفق على كسوتها من أنجح المبار وأبر المناجح، وتطهيرها على أدناس المكوس مما ينور الضريح ويبيض الصحاف ويبصر الصفائح، أراد الله -وله المنة- أن تكون هذه المبرة مدخرة في موازين صالح المؤمنين السلطان الملك الصالح، خالدة في مآثر دولته الغراء ليغدو في الجنات بين أسرته الملوك المكرمين كالنجم الزاهر أو الكوكب اللائح، وذلك بسفارة من جعله الله للملك زمانا للإسلام نظاما وللدين قواما، وفي الحرب ليثا وضرغاما وفي السلم بردا وسلاما، وفي العلم قدوة وإماما، وفي الحكم حساما، لأدواء الحيف حساما، وفي العلم لكنوز دقائقه واصلا ولجواهر أهله نظاما، وهو المقر الأشرف، العالي، المولوى، السيدي، الأميري، العالمي، العادلي، العاملي، الكافي، المخدومي، السيفي، شيخ، كافل السلطنة المعظمة، وحافظ المملكة المكرمة، أعز الله تعالى أنصاره، وأعظم في الدارين مساره ومباره، فاقتضى حسن الرأي الشريف والتدبير المنيف أن لاستعمالات حلتها الشريفة، من خواص الأموال، وخالص المتحصل الحلال من القرى المعمورة، والأطيان والأراضي المزروعة، التي لا يدخل متحصلاتها مقرر مكس، ولا حقوق ديوان مما أفاء الله على مولانا السلطان من أراضي مملكته الموروثة عن آبائه الكرام، والبلاد الإسلامية التي جعل الله مصارف مصالحها مما بيد الإمام، وهذه منقبة لم يسبقه إليها سابق، ولا يلحقه مع ابتدائها وابتكارها لاحق، وإن كانت الملوك على تعاقب الأزمان وتوالي الأوان كانت تتنافس على هذه القربة، وتنافس من زاحمها أو سامها في اقتناء هذه الرتبة -أعني نفس الكسوة- وأن يكون لبعضهم ببعض فيها أسوة، أما الجمع بين حل المال وجميل العمل، فهذا لم تطمح إليه نفس متمن، ولا انتهى إليه أمل، وهذه منة من الله علا وجل، جمعها الله لمن كان من أمر آخرته على وجل، فأراد خادم هذا البيت العريق في الولاء الحقيق برفع الدعاء يجمع مختصرا لطيفا حجمه، كثيرا علمه، ينبه فيه على ما احتوت عليه هذه القربة من المفاخر، ويحقق قول من قال: كم ترك الأول للآخر، أذكر فيه ما وقع في أمر الكسوة الشريفة في الصدر الأول، ومن افتخر بها من الملوك الذين على فعلهم المعول؛ جعلته مختصرا غير مطول، حذفت أسانيد أحاديثه كي لا يمل، واقتضبت قصصه ليقع من نفس مطالعه في أسعد محل، وقصدت بذلك استكثار المحسن من العرب، وبث مآثر هذا الملك الذي قيض الله له من إذا نسي ذكره وإذا ذكر أعانه فهو إلى الخيرات الوصلة والسبب وسميته:
पृष्ठ 86