मेरे जीवन की झलकियां: एक अर्ध-आत्मकथा
لمحات من حياتي: سيرة شبه ذاتية
शैलियों
لا أريد أن أطيل في هذا الشأن فإنه يعيدني إلى حالة من الحزن والألم والأسى لم تعد سني تحتملها، ولكن لا أستطيع أن أترك هذا الأمر دون أن أذكر أن هذا الحدث كان في 22 يناير عام 1953م أي بعد الثورة ببضعة شهور، كان لا عمل للإعلام في أثنائها إلا الهجوم على رجال السياسة وزعماء مصر جميعا بعنف لم تشهد له مصر مثيلا، ولكن الحب الذي كان يربط هذه الجموع بأبي - رحمه الله - كان أقوى من كل هذا الهجوم الضاري الشرس الظالم، فإنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا. •••
عدت إلى الفراغ الذي كنت أعانيه من عملي بالمحاماة، فقد كان المكتب الذي أعمل به مع المرحوم الأستاذ إبراهيم أباظة قليل القضايا، ومن شأن المحاماة أن تنكمش في أيام الحكم الشمولي، فكنت أذهب إلى المحكمة مرة كل أسبوع أو مرتين على الأكثر، ويحيط بي الفراغ من كل جانب.
ورحت أبحث عن وظيفة عبثا، فالوظيفة التي وعدني بها عمي عزيز تأبت علي ولم تظهر لها أي بوادر.
وكان خالي مدحت أباظة يعمل بإحدى شركات النقل فعرض علي أن أعمل بها، وسارعت بالقبول وذهبت إلى الشركة، وكان قد تحدد لي مرتب ثلاثين جنيها، وقد كان مرتبا عظيما في تلك الأيام، ومرت الأيام بي في الوظيفة دون أن أعمل شيئا، فقد كان المفروض أن أكون محاميا للشركة مع المحامي الرئيسي لها، وأشهد أنه كان من أسفل الناس خلقا ورفض أن يكلفني بأي عمل خشية منه أن يستغنوا بي عنه، وكم كان تافها في التفكير، فأين محام في أول حياته مثلي من محام مثله ذي خبرة ودربة ومران، والغريب أنه عين محامية أخرى كلفها بالحضور في القضايا، ولم يكلفني بقضية واحدة.
ظللت بضعة شهور أتقاضى مرتبي وأنا كاره له غاية الكراهية، فلم أجد نفسي تقبل مالا بلا عمل واستقلت وعدت إلى الفراغ لا يحميني منه إلا القراءة الجامحة تصاحبها سعاة غامرة وكتابات للإذاعة أو الصحف والمجلات من الخارج، ووضح وضوحا تاما أن هناك أمرا ألا أنتظم في العمل بأي جريدة، وكان الصديق الأخ إسماعيل الحبروك أكثر الناس اهتماما بإيجاد عمل لي، ولكنه كان يجد دائما حائطا خفيا قاسيا يحول بيني وبين التعيين.
في هذه الفترة تعرفت بالأستاذ فتوح نشاطي؛ لأني كنت أجلس معه لمدارسة مسرحية الناصر التي كان سيقوم بإخراجها وكان عزيز باشا قد سافر إلى أوروبا، وكلفني أن أدارس الرواية مع الأستاذ فتوح وأكون حلقة صلة بين المؤلف وبين المخرج، وقال لي فتوح إنه معجب بالحوار الذي أكتبه في تمثيلياتي الإذاعية، بل والحوار الذي أكتبه في مقالاتي بالرسالة والثقافة والمصري، وفكر أن نؤلف مسرحية معا واختار موضوع المعتمد بن عباد الأندلسي، وتمهيدا لكتابة هذه المسرحية طلب إلي الأستاذ فتوح أن أقرأ كتاب دوري عن تاريخ الأندلس ترجمة الأستاذ كامل الكيلاني، وقرأت الكتاب بمتعة عظيمة، وكتبت المسرحية مع الأستاذ فتوح، وطبعا توليت أنا الحوار فيها كلها، وكان باللغة العربية المبسطة.
وقدم الأستاذ فتوح المسرحية إلى الأستاذ يوسف وهبي الذي كان مديرا للفرقة القومية في ذلك الحين، ورفض الأستاذ يوسف المسرحية، ولست أدري حتى اليوم لماذا رفضها، أكان ذلك لأنها تستحق الرفض أم كان للخلاف الذي كان بين يوسف وهبي وفتوح نشاطي.
كل هذا كان في حياة أبي، فحين اختاره الله إلى جواره تذكرت كتاب دوري واخترت شخصية بهرتني سيرتها، وفكرت أن أتغلب على أحزاني بكتابة رواية عن هذه الشخصية يكون التاريخ فيها أساسا، ولكن لا يكون في نفس الوقت قيدا علي. وهكذا بدأت أكتب رواية ابن عمار، أنسى به ما واجهته من موت أبي أحب إنسان وأعظم مثل أعلى عرفته من الأحياء وموت ابني قبل أن يولد.
أتممت ابن عمار ولم أجد لروايتي ناشرا خيرا من دار المعارف، خاصة أن الرواية صغيرة مما يجعلها مناسبة لعد من سلسلة اقرأ، وذهبت بكتابي إلى الأستاذ عادل الغضبان مستشار النشر بدار المعارف حينذاك، والشاعر الرقيق، وكان يعرف اسمي مما يقرؤه لي في الرسالة والثقافة والمصري وما يسمعه لي من تمثيليات في الإذاعة، وقال لي كلمة لم أكن أعرفها، وكنت قد كتبتها في سياق الرواية، فقد استعملت كلمة شراك بمعنى شرك، فقال لي إن الشراك رباط الحذاء، وليس بالمعنى الذي تقصده من السياق، وحمدت الله أن عادل الغضبان لم يجد في كل الرواية إلا كلمة واحدة في غير مجالها، وقد كان عادل الغضبان من المهتمين كل الاهتمام باللغة العربية وأسرارها.
ونشرت ابن عمار في عام 1954م بعد أن تعاقدت عليها مع دار المعارف، وكان العقد يقضي بأن أتقاضى خمسين جنيها عن كل طبعات الكتاب، وقد أصبح هذا النوع من العقود باطلا الآن، ولكنني أنا كنت مستعدا للتوقيع حتى ولو لم أنل مليما واحدا عن الكتاب، فقد كان أول كتاب لي وهذا الذي خالجني بشأنه أمر طبيعي أن يخالج كل من يحاول المحاولة الأولى.
अज्ञात पृष्ठ