نظر في عينيه يتأملهما فرأى سوادهما باهتا، تغشى بياضهما صفرة كئيبة جعلتها أشبه بعيون مرضى الكبد والصفراء، وأحس بالفزع فجرى إلى رف صغير في الحائط، وأخذ منه زجاجة دواء ، وابتلع منها قرصين ثم أعادها إلى مكانها، وسحب زجاجة أخرى وشرب منها معلقة كبيرة، ثم أخذ قطعة صغيرة من القطن وغسل جفنيه ورموشه.
وعاد ينظر إلى نفسه في المرآة، وأمسك بماكينة الحلاقة وراح يحلق ذقنه بعناية فائقة، وحلق نصف وجهه، وتحسس بأطراف أصابعه فإذا ما عثر على شعرة نافرة أو على بقعة خشنة عاد فأجرى عليها الماكينة، ولا يتركها إلا بعد أن يتحسسها ويجدها ناعمة نعومة الحرير.
وانتهى من حلاقة ذقنه، فأمسك المقص وشذب أظافر يديه وقدميه، ثم حمل ملابسه النظيفة على كتفه ودخل الحمام.
وأخذ ساعته معه وعلقها في مسمار في الحائط؛ كان خائفا من أن يسرقه الوقت الممتع الذي يقضيه غارقا لنصفه في الماء الساخن والصابون المعطر فيتأخر عن موعده معها، وهو حريص على أن يذهب إليها في الموعد تماما بالدقيقة؛ فقد حدث ذات ليلة أن ذهب إليها متأخرا خمس عشرة دقيقة، ولم يكن يبغي من هذا التأخير سوى أن يلهب شوقها إليها بشيء من الانتظار، لكنه حين وصل إلى شقتها وجدها مظلمة، وظل ضاغطا على الجرس زمنا طويلا حتى يئس ونزل، ولم يعرف ليلتها هل كانت بالبيت وتعمدت ألا تفتح أم أنها خرجت إلى موعد آخر، وحين سألها لم تعطه تفسيرا واضحا، وقالت في صراحة وصدق: لقد تأخرت، وأنا لا أطيق الانتظار. وأخذ يدلك جسمه بالماء وهو يسأل نفسه: أيمكن أن يصدر هذا العمل عن امرأة تحب؟! ولم يحاول أن يصدق أنها لا تحب، وكيف له أن يصدق أن هناك امرأة لا يمكن أن تحبه؟ لقد أحبته مئات النساء من قبل، ولا تزال تحبه العشرات والعشرات، وهو يبتكر في كل يوم أساليب جديدة للهروب من النساء. كيف لا تحبه هذه المرأة وتحترمه احتراما بالغا، ولسوف يخضع هذه الأنوثة الليلة إذن؟ هي تحبه بلا شك، ولكنها امرأة عنيدة تعتز بأنوثتها، ولسوف يحطم عندها وكبرياءها ...
وعادت إلى ذاكرته صورتها حين رآها لأول مرة؛ كان ذلك منذ عامين تقريبا، وكنت تجلس وسط عدد من الرجال والنساء، ووجد عينيه تمران بسرعة على كل الوجوه لتستقر على وجهها. كانت ملامحها غريبة بالنسبة لملامح النساء؛ ملامح متسقة متكاملة تنطق بأنوثة عارمة، ولكنها أنوثة غالية مثقفة، تثير في نفس الرجل المغرور برجولته بالذات رغبة عنيفة في تحديها وإخضاعها.
وكان تعود أن يخضع النساء، وأدمن لذة إذلالهن وإخضاعهن له حتى تضخمت رجولته وأصبحت القسوة على النساء صفته الأولى؛ فهو لا يشعر بلذة عناقه للمرأة إلا بعد أن يصفعها على وجهها بضع صفعات، ويجذبها من شعرها بقوة حتى تستلقي رأسها بين قدميه وتمرغ أنفها في ترابهما؛ بعد ذلك يقبلها.
علمته تجاربه مع النساء أن المرأة بغريزتها الأولى التي لا تستطيع منه خلاصا مهما تحررت وارتقت؛ فإنها تعشق موضعها عند قدمي سيدها الرجل، وتعبد قسوته وقوته وعناده وكبرياءه وجبروته، وتشمئز من رقته وحنانه وهيامه.
العذاب هو الخيط الحريري الرفيع الذي يربط المرأة به، المرأة تحب الرجل الذي يعذبها؛ فلماذا لا يعذبها ليلف حول رقبتها ذلك الخيط الحريري ويشدها وراءه؟
وأخذ يدلك أصابع قدميه بالصابون المعطر، ولاحظ كعادته أن أصبع قدمه الصغير أصغر من اللازم، لا يكاد يشبه أصبع الآدميين؛ فهو قصير سميك كروي، كأنه مخلب مكسور لحيوان أليف، أو برعم عقيم في شجرة عجوز. كثيرا ما كان يشعر بالاشمئزاز من جسده، وخاصة فتحتي أنفه حين يصيبه الزكام والرشح، فيشعر كأنهما فتحتا صنبور عتيق بليت جلدته وفي حاجة إلى قطعة غيار جديدة. وكثيرا ما ضاق من منظر أسنانه الصفراء، وتمنى لو خلعها جميعا وركب أسنانا جديدة.
ولكن هل يمكن لامرأة أن تكشف عيوبه التي يعرفها؟ إن المرأة كما فهمها ليست كالرجل؛ إنها تنظر إلى الرجال ككل وليس كأجزاء أو أعضاء، إن الرجل في نظرها سيد، إله؛ يمنحها الحياة واللذة والغذاء، فكيف لها أن تدقق النظر في جسد الإله؟ كيف تجرؤ على أن تنظر إلى أسنانه الصفراء المشرشرة وهو يقبلها، كيف تجرؤ على أن تتأمل أصابع قدميه حين يستلقي رأسها بينهما؟ يجب أن تغمض عينيها، كل النساء يغمضن عيونهن.
अज्ञात पृष्ठ