ولم أر في عيوب الناس شيئا ... كنقص القادرين على التمام واعلم أن العلم يرفع الأراذل، فقد كان خلق كثير من العلماء لا نسب لهم يذكر، ولا صورة تستحسن، وكان عطاء بن أبي رباح أسود اللون ومستوحش الخلقة، وجاء إليه سليمان بن عبد الملك وهو خليفة ومعه ولداه، فجعلوا يسألونه عن المناسك، فحدثهم وهو معرض عنهم بوجهه، فقال سليمان الخليفة لولديه: "قوما ولا تنيا ولا تكاسلا في طلب العلم، فما أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود".
وكان الحسن [البصري] مولى -أي مملوكا- وابن سيرين ومكحول وخلق كثير، وإنما شرفوا بالعلم والتقوى.
فصل في فضل التقوى
واجتهد يا بني في صيانة عرضك من التعرض لطلب الدنيا والذل لأهلها، واقنع تعز، فقد قيل: من قنع بالخبز والبقل لم يستعبده أحد.
وجاز أعرابي بالبصرة فقال: من سيد هذه البلدة؟ فقيل له: الحسن البصري، قال: وبم سادهم؟ قالوا: استغنى عن دنياهم وافتقروا إلى علمه.
واعلم يا بني أن أبي كان موسرا وخلف ألوفا من المال، وكان أبوك طفلا، فانفق عليه من ذلك المال إلى أن بلغ، ولم ير بعد بلوغه سوى دارين، كان يسكن واحدة ويأخذ أجرة الأخرى، ثم أعطي نحو عشرين دينارا، وقيل له: هذه التركة كلها، فأخذت الدنانير واشتريت بها كتبا من كتب العلم، وبعت الدارين وأنفقت ثمنهما في طلب العلم، ولم يبق لي شيء من المال، وما ذل أبوك في طلب الدنيا كذل غيره، ولا خرج يطوف البلدان كغيره من الوعاظ، ولا رأى أكابر البلدان رقاعه عندهم يستعطيهم، وأموره تجري على السداد. {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة الطلاق/2 - 3].
فصل في أن التقوى خير زاد
يا بني! ومتى صحت التقوى رأيت كل خير، فالمتقي لا يرائي الخلق ولا يتعرض لما يؤذي دينه، ومن حفظ حدود الله حفظ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك".
पृष्ठ 9