قال البحارة: ما لنا يا كلكاس ولتواريخ الأولين والآخرين، وانتقاد أفعال الملوك الحاضرين منهم والغابرين، ألم ندعك لتوجز وتبين؟
قال: إذن، فخذوا الخبر، واسمعوا القول المختصر، إن بوليقراط يعمل الآن، عملا من الحكمة بمكان، سوف يكون له شأن، ويبقى ذكره على ممر الأزمان.
قالوا: وماذا تراه يعمل؟ فهذا الذي نريد أن نعرفه ولا نريد أن نعرف غيره.
قال كلكاس وقد أغضبه مقاطعة أصحابه: إن كان ولا بد من الاختصار، المذهب لطلاوة الأخبار، فإني أنقل إليكم الخبر على علاته، وأدع لعقولكم السخيفة على مفصلاته، سمعت من صاحب أثق به، ولا شك في عقله وأدبه، أن مياه اليونان، يجري فيها أمور الآن، لا يعلم بها إلا الملك وزعيم الأشقياء أورستان.
قال البحارة: أهذا كل الخبر يا كلكاس؟ - نعم، وإنه لو تعلمون لعظيم، ولكني عهدتكم منذ صحبتكم تحتقرون الأمر الجليل، وتسخرون من كل قال وقيل، وهذا لعمري منتهى السفه. - وأية فلسفة تريد أيها المهووس أن نستنبط من روايتك التي لا تقبل الزيادة، ولا تشير إلى وقوع حادثة فوق العادة.
قال وما يدريكم يا أغبى الناس، أن يكون لفعل الملك هذا مساس، بنا أو بعروس اليونان لادياس.
فقال بيروس: أما بنا فلا؛ لأنني أعلم علم اليقين، أن الملك أمسك عن مطاردتي من نحو ثلاث سنين، أي بعد أن اضطرني إلى الاحتفاء، وصيرني في زعم ميت الأحياء، العاجز عن كل عداء، وأما كون الحادثة قد تكون واقعة من أجل لادياس، فهذا يكذبه كتاب عنها، حديث العهد بخط أقرب الناس إليها.
وبينما القوم في هذا الذي نصفهم عليه يسخرون من كلكاس، وكلكاس يسخر منهم إذا بفلك أربعة، خفاقة الأشرعة، قد ملكت جهات الزورق، حتى كاد من شدة ضغطها يغرق، ثم وقفت وأطل من أحدها رجل فصاح يقول: ومن القوم، ومن أين وإلى أين؟
فوقع البحارة من أمرهم في معيص، ولم يجدوا لأنفسهم من الغرق من محيص إلا كلكاس، فإنه لم يمهل الرجل ريثما يستتم، بل وثب من مكانه وقال: نحن بحارة الملك أيها الرجل، ولولا أنك تغالط عقلك لكان الزي وحده ذلك، والآن فمن أنت حتى تسيء الأدب على هذه الشارة، وتهاجم الزورق وتستبيح حصاره، كأنك لا ترجو وقارا، لزوارق الإمارة، وحتى تقف لبحارة الملك في الطريق، وهم في الخدمة الشريفة التي لا يليق أن يعتريهم فيها تعويق؛ أليس هذا انتهاكا لحرمة الملك وعقوقا، وخروجا من واجب الطاعة ومروقا، ألا تقضي القوانين بالقتل، على مرتكب مثل هذا الفعل، فيا قوم ما أسماؤكم، وإلى من انتماؤكم، حتى نرفع ضدكم الشكوى، ونقيم عليكم - حال وصولنا - الدعوى؟
وكان أصحاب كلكاس حوله لسانا واحدا يدعوه ليختصر في قوله وهو لا يريد الإجابة، ولا يزيد إلا إهذارا في الخطابة، حتى قام في اعتقاد المهاجمين، أن رجال الزورق حقيقة من البحارة التابعين فحولوا عنهم المراكب للحين، ومضوا لسبيلهم تاركين كلكاس يهذي وحده كالخاطب في الناس ولا ناس، حتى أسكته أصحابه فسكت ثم التفت فقال: إن مع العي لغبنا، وإن من السكوت لجبنا، أعلمتم بعد مكاني، أرأيتم كيف نفعتكم فلسفتي وأغنى عنكم بياني!
अज्ञात पृष्ठ