47

लदियास

لادياس

शैलियों

رأيت ملكا بلا استقامة

لا صدق فيه ولا سلامة

فعفت باب الأمور حتى

خرجت بالعز والكرامة

وكانت أحاديث لادياس في ذلك الحين قد ملأت الآفاق، وأخذ الشجعان في كل البلاد يشتغلون بأمرها وينظرون إليها عن جوهرة في صدف الأخطار، لا يغوص عليها إلا كل مخاطر عنيد جبار.

وإذا كان حماس في جملة من بلغتهم أوصاف الفتاة، وما يعترض دون اقتناصها من الصعوبات، التي تكاد تكون من المستحيلات، لم يلبث أن زينت له البطالة ركوب هذا المسلك الوعر، والتماس المزيد من الشهرة في اصطياد عنقاء ساموس، فاشترى لهذه الغاية مركبا ثم سافر عليها قاصدا الجزيرة، فالتقى في طريقه بمراكب أورستان، وكان من أمره المعروف بعد ذلك ما كان.

هذه كلمة نوردها عن حماس، وهو على أبواب مصر، ليعلم القارئ كيف كانت صفات الفتى، وهو في عنفوان صباه، وما كان عليه من قوة العزيمة، وثبوت الإرادة وشدة الإقدام، إلا أن المدة التي ارتاح إلى أن يقيمها في قصر الملك ضيفا كريما على بوليقراط وأهل بيته ورجال حاشيته، كان من شأنها أن تحدث تغيرا عظيما في أخلاقه وأطواره، لا بد تظهر نتيجته في مستقبل الأيام، فإن التمدن اليوناني وهو أدبي محض كان أجمع لشمل اللذات، وأوعى لصنوف الطيبات، وأسمى بالقوى العقلية لعلى الدرجات، من الحضارة المصرية التي هي بعكس الأولى محض مادية، لم توف قسطها من الفنون الجميلة، ولم يرزق أصحابها هبة الفكر الجليلة.

فكان حماس من قصر الملك في معرض جامع لأسمى مظاهر تمدن اليونان القديم، وأبهى مجالي عزهم والنعيم؛ حيث التفت فوجد حوله عقولا في درجة عالية، وأفكارا في منزلة عظمى، ولغة مملوءة من الحياة قادرة على الغايات، وفنونا جاوزت في الجمال حد الجلال؛ من نقش وتصوير وغناء وموسيقى وشعر وخطابة، إلى غير ذلك مما هو الصبغة الخاصة بالمدنية اليونانية القديمة، فلا غرو أن يكون للفتى من ذلك كله خير مدرسة متممة لما هو عليه من الأخلاق المصرية القويمة.

حتى إذا أوشك الشهر ينقضي، ولم يبق إلا أن يستعد حماس للسفر عائدا إلى بلاده، أمر الملك بثلاث من السفن السلطانية، فهيئت ركابا له تحمله إلى حيث يريد الذهاب.

ولما كان يوم الرحيل ركب في واحدة منها، بين خلق لا يحصى من الشعب الساموسي خاصة، مشيعين ضيفهم العالي بالقلوب والأبصار، ثم تحركت الفلك تشق به العباب وتغالب التيار.

अज्ञात पृष्ठ