ثم وصلت المركبة العالية فاستقبلها على أبواب الهيكل الملك بوليقراط، وكان قد سبقها إليه يحيط به الكهنة العظام وسائر وجوه الدولة الفخام، وهنالك نزل العروسان يختالان في أبهى الحلل، يغيران بزينتهما الشمس في رونق الضحى، فمشيا يجتازان سور الهيكل وطرقاته، وهي كأنها بيوت النمل من زحمة الشعب عليها.
وكان الملك قد أمر في مساء الليلة التي أسفر صبحها عن يوم القران السعيد، بالإفراج عن المساجين فخرجوا مئات يؤدون شكر هذه المنة بالدعاء لجلالته في الهيكل وخارج الهيكل، ويتيمنون بطلعة من هي السبب في هذه المزحمة الكبرى.
حتى إذا بلغت الحفلة تمامها، وأخذت الرسوم فيها نظامها، ولم يبق إلا صدور الإشارة السلطانية للكهنة بالشروع في العمل، لم يدر الناس إلا بصوت جمهوري مسمع قد خرج من بعض جهات الهيكل، فتفزع الجمع والتفت الملك ومن حوله، فحين آنس صاحب الصوت منهم ذلك قام يتراءى لهم بكل عيانه.
ثم قال: أنا الساموسي كلكاس، أشهد أمام الآلهة والناس، وأعلم أن الشهادة دين، وأن ليس على الآلهة يمين، وأن كتمان الشهادة، جبن وبلادة، وجرم كجرم الكذب وزيادة، فيا أيها الناس لا تغتصبوا حقوق الغير، ولا تنالوا السوي بضير، وأدوا لكل أمانته، وردوا إلى كل بضاعته.
وقال الناس: تكلم أيها الرجل. قل ... أوجز ... أد الشهادة.
قال كلكاس: أيها الناس إن العجلة مذمومة، وإن عواقب التسرع مشئومة، فأمهلوني أخبركم اليقين، وآتكم بالعجب بعد حين.
قال الناس: هذا مجنون ... هذا مهتلس العقل ... خذوه ... أخرجوه.
وكانت الأميرة لما ذكر اسم كلكاس عرتها هزة لم تكن بالعهود، وتحنت على أبيها فطلبت منه أن يستمع مقالة الرجل إلى آخرها، وأن يعلي محل شهادته، فحين برز الجند إلى كلكاس ليخرجوه من الهيكل، أشار لهم الملك أن يكفوا، ثم أمر بالرجل فقدم بين يديه.
وعندئذ حققته الأميرة وعرفه الأمير كذلك فاضطربا، وبدت على الأولى علامات الدهشة والأمل، وعلى الثاني دلائل الحيرة والارتباك.
فسأل الملك كلكاس قائلا: من الرجل، وما عملك، وما تلك الشهادة؟
अज्ञात पृष्ठ