कोलंब और नई दुनिया: अमेरिका की खोज का इतिहास
كولومب والعالم الجديد: تاريخ اكتشاف أميركا
शैलियों
بقي علينا إذ خرجنا ببطلنا من حومة هذا الوغى سالما آمنا، أن نذكر شيئا عن أخلاقه وصفاته حتى يقف القارئ على حقيقة أمر هذا الهمام. فقد كان كولومب معتدل القامة، شديدا ماشقا، حكيما مدركا متبصرا، قاتم اللون، بيضوي الوجه مستطيله، أزرق العينين، حاد البصر والبصيرة، جهوري الصوت، معتدل السير نشيطه. ولحسن تعلمه كان يفصح عما في ضميره بغاية البلاغة والزلاقة، وكان يتداخل في كافة المواضيع بدون أن يسلب حقه أو يضيع فكره. وكان ذا بيان عجيب ونطق غريب ، وبذا كان يستميل مواطنيه ويجذبهم إليه. فكأن الله سبحانه وتعالى قد وهبه قصدا تلك الهبة الجليلة؛ أي العقل الكامل الذي ما وهبه إنسان قط إلا جل قدره وعلا شأنه:
ما وهب الله لامرئ هبة
أحسن من عقله ومن أدبه
وكان بخلاف ذلك وديعا متواضعا، خفيف الروح، حسن السير، عطري السلوك، لطيف المعشر، شديد التقشف، لا يأكل اللحم إلا نادرا. وكان يقاوم شهواته مقاومة عنيفة، ذاكرا وصايا أمه الحنونة التقية، وكان يصلي كل صباح طالبا من الله عز وجل أن يغفر له خطايا يومه. وكان يبدأ كل يوم كتاباته بهذه الكلمات: ليرمقنا يسوع وأمه بأعينهما الرءوفة.
وفي هذه الأزمنة كان الناس يجهلون حجم الأرض وكرويتها، ويخال العلماء أنه من رابع المستحيلات عبور المحيط الذي كانوا يدعونه بالبحر المظلم. وكانوا يخالون أيضا أن في نهاية الأطلانطيكي هاويات عميقة، وجحيما منسحقا لا قرار له. وكانوا يرسمون على خرطهم وحوشا ضارية، وحيوانات مفترسة رمزا للحدود التي وصلت إليها سفنهم وما أمكنها أن تتعداها.
أما كريستوف فبالعكس، كان يعتقد أن الأرض كرة مستديرة، وأنه في نصف الكرة الآخر توجد أراض شاسعة الأكناف تقابل الجزء الكروي الذي كان معلوما آنئذ. وكان يؤكد ذلك بالبراهين الساطعة والأدلة القاطعة، قائلا إنه من المستحيل أن يترك الرحمن بقاعا واسعة كهذه بلا سكان ولا قطان، وبما أنه كان ممتلئا من روح الدين المسيحي والتعاليم القويمة والغيرة الشديدة، أراد أن يكون رسولا يجول بين أولئك القطان هاديا لهم ومعلما إياهم سبيل الله المستقيم، ودينه الحق القويم، وكان يكرر في كل صلواته وطلباته أمرين؛ أولهما: إيجاد تلك الأراضي المجهولة وتبشير أهلها بالإنجيل الشريف، وثانيهما: نزع قبر السيد - له المجد - من يد العثمانيين مستعينا على ذلك بالكنوز التي كان يعلل نفسه بوجودها في الأراضي المجهولة. فاستعد لذلك، وقال في نفسه: إنه يلزم أن تكون تلك الأراضي في مستقبل الأيام ملكا لوطنه ومستعمرات لبني بجدته مقابلة لمساعدتهم له في اكتشافها ومعرفة كنهها. ولكن بما أن جنوة والبندقية قد أبتا مس هذا المشروع، ورفضتا مد يد المساعدة إليه؛ عاد إلى بلاد البرتقال، وكان يوحنا الثاني ملكها حاميا للبحر والبحرية محوطا بأمهر البحارة والنوتيين.
فانعقد حينئذ مجمع من العلماء لفحص المشروع، وقرروا أخيرا بعد طول البحث وكثرة التنقيب والتدقيق أن الشروع في هذا الأمر عبث لا طائل تحته ولا نتيجة له. ولكن ادعى أحد هؤلاء الباحثين أنه يريد فحص المشروع فحصا مدققا، فاطلع على مذكرات كولومب، وبعد أن عرف أسرار رحلته رخصت له حكومته البرتقالية بإرسال سفينة نحو تلك الأراضي الجديدة المزمع اكتشافها. ولكن بما أن الأمر كان اختلاسا دنيئا سافلا لم يشأ الله أن يباركه ففشل وذهب أدراج الرياح.
ثم ترك كولومب البرتقال، وعزم على أن يعرض مشروعه على بلاد إسبانيا، وكان يحكمها وقتئذ إيزابل وفردينند. أما إيزابل سلطانة الكاستيل فكانت فضلا على جمالها الفتان حكيمة صائبة الآراء، لطيفة المعشر، سليمة النية، خالصة الطوية، وبالإجمال حائزة لكل صفة يجب أن تتحلى بها ملكة مسيطرة على شعب عظيم. وأما فردينند فكان فضلا عن مهارته ورصانته، وحزمه وحذاقته، نشيطا في الأعمال شديد العزم، وقاد القريحة، إلا أنه كان خبيثا ماكرا محتالا. وكان الملكان مخلصين لله جل وعلا متدبرين فيما يرفع شأن شعبيهما ويجعل لهما مقاما عظيما ومكانة سامية بين الشعوب الأخر، وكان الناس ولم يزالوا يدعونهما «المليكين المسيحيين».
فانتظر كولومب زمنا طويلا ريثما هدأت الحرب التي كانت تدور رحاها بين الإسبان والمغاربة، فانتهت بأخذ غرناطة من المغاربة، وطردهم من بلاد الإسبان. وإذ ذاك قصد كولومب الملكين اللذين أمكنهما حينئذ أن يعيراه آذانا صاغية. وقبل ذلك استقبله في دير الفرنسيسكان في «سنت ماري دي لارابيدا» الناطور الطائر الصيت «يوحنا بيريس». هذا، وبينما كان مجلس «سلامنك» يختبر المشروع ويعدله كيفما يشاء، كان الرهبان في الدير يتأملون في أفكار كولومب ذلك العبقري الذي لم يجد الله سبحانه وتعالى أحدا مثله لتأدية تلك المهمة الكبيرة، وكانوا يصغون إليه فاهمين ما يقوله مصدقين كل ما كان يشرحه أمامهم. وبعد الفحص والاختبار أقر رأي الرهبان على قبول أعظم مشروع وجد على وجه هذه البسيطة الغبراء.
أجل، قبل المشروع بكل سرور وهتاف، بل بكل تهليل وترحاب، بكل فرح وإعجاب. ففي هذا الدير المملوء بالهدوء والسكينة الخالي من الشوائب الدنسة التي تنجس الإنسان، اعتقد الكل بكروية الأرض وبوجود الجزائر والقارات المجهولة، وبإمكان الوصول إليها. مع أنه في منتديات العلوم ودوائر المعارف والآداب، في الكليات، في المدارس والمجالس والمعاهد العلمية، كان القوم يعتقدون أن تلك الآراء ما هي إلا سفسطات وأضغاث أحلام أو رؤيا مريض مستغرق في المنام، وإذ أوشك الملكان أن يرجعا من الحرب وكانا أمام «غرناطة»، عرض عليهما كولومب طلبه كمرسل من قبل الله داعيا نفسه بسفير الرحمن. فذهب إلى أكثر الأمراء تدينا وتقوى وإخلاصا لخدمته تعالى قائلا لهما: تلك هي أعظم وسيلة لتخليد اسميكما في بطون التاريخ، فبها تؤديان أجل خدمة ليسوع، وتنشران إيمانه المستقيم ودينه القويم بين أولئك الشعوب الكثيري العدد.
अज्ञात पृष्ठ