دقت الساعة معلنة الثانية عشرة، وسمعوا صوت العجلات على الطريق خارج المنزل. كانت تلك إشارة إيقاظ إلايزا وصبيها الصغير. ظل الصبيان يداعبان الطفل الصغير تحت ذقنه حتى ضحك وفتح عينيه، وألبساه حذاءه وجوربه وجهزاه للرحلة التي هو على وشك أن يخوضها. كانت السيدة بيرد تساعد إلايزا في تحضيراتها ووضعت حول جسدها معطفا ليدفئها حين أكملت الفتاة المرتعشة ارتداء ملابسها.
قال السيد بيرد: «هيا!» بينما دخل الغرفة مرتديا معطفا كبيرا ويمسك في يده مصباحا مضاء ثم تبعاه حيث كانت العربة تنتظرهم في الخارج. ساعد السيد بيرد إلايزا على ركوب العربة وأخذت هي هاري على ساقيها وخبأته تحت المعطف الذي ترتديه، وكأنها كانت خائفة من أن تراه النجوم وتفشي سر مكانه إلى من يبحثون عن العبيد. وحين جلست هي وصبيها وارتاحا في جلستهما، أخذ السيد بيرد مكانه على العربة.
قال الطفلان الصغيران في صوت واحد بينما كانا يقفان بجوار والدتهما على درج المنزل: «وداعا.»
انحنت إلايزا خارج العربة وأمسكت بيد السيدة بيرد، وحاولت أن تتحدث مرة أو اثنتين لكن ذابت الكلمات على شفتيها. لكن عينيها الواسعتين الداكنتين كانتا مثبتتين على وجه صديقتها وتملؤهما نظرات الامتنان والعرفان الصادقة، ثم رفعت يدها وأشارت باتجاه السماء، ونظرت إليها نظرة لا يمكن أن تنسى أبدا. ثم غطت وجهها وأغلق باب العربة.
قال كادجو العجوز للجياد: «هيا تحركوا، انطلقوا.» فبدأت الجياد تجري نحو البوابة وخرجت إلى الطريق. كانت العربة تترنح وتصر وأحيانا ما كانت تغوص عميقا حتى محاور العجلات في الطين، لكن الجياد ظلت تسير من دون وقوع أي حادث؛ ذلك أن كادجو العجوز كان يقود العربة ويعرف قصة هروب إلايزا وكان يعرف ما تعنيه الحرية.
كانت ساعة متأخرة من الليل وبعد رحلة صعبة تملؤها المخاطر حين وصلت المجموعة الصغيرة إلى المنعطف الأخير من جدول صغير، فعبرته العربة ووصلت إلى بوابة كبيرة لمنزل ريفي. ذهب السيد بيرد بسرعة نحو الباب وطرقه، وأتاه صوت جهوري عميق من الداخل يقول: «من أنت وماذا تريد؟»
أجابه السيناتور بيرد بأن أخبره باسمه، وأضاف: «أريد أن أعرف إذا ما كنت أنت الرجل الذي سيئوي امرأة مسكينة وطفلها ويحميهما من صائدي العبيد؟»
وعرفت إلايزا أن الليلة الطويلة المليئة بالرعب قد انتهت حين رأت وجه الرجل النبيل والقوي الذي انفرج عنه الباب وسمعت إجابته الرنانة: «أجل، يا إلهي. أجل.»
وضع المزارع العريض المنكبين مصباحه بداخل الباب على الأرض وخرج ليساعد إلايزا وهاري؛ لكنه توقف وسلم بيده على السيناتور بيرد، وعرف تفاصيل هروب إلايزا منه. ثم دخلوا جميعا المنزل، واكتست النيران بداخل حجرة المعيشة بوهج مبهج بعد أن كانت مشتعلة تحت غطاء من الرماد. مكث السيد بيرد وكادجو طويلا بما يكفي ليدفئا نفسيهما ويستعيدا طاقتيهما؛ لأن السيناتور أراد أن يحتفظ بتلك الرحلة الليلية سرا عن جيرانه. لكن أرسلت إلايزا وطفلها إلى الطابق العلوي ليستريحا في ظل عناية امرأة سوداء ناعسة كانت قد أوقظت من نومها قبل أن يرحل السيد بيرد وكادجو، وقبل أن يبدأ السيد بيرد رحلة عودته كان قد حصل على تأكيد من المزارع أنه سيوفر للاجئيه المأوى حتى يتمكن من إرسالهما بأمان إلى مستعمرة كويكر، حيث سيمكثان حتى يتمكن أصدقاؤه من إرسالهما إلى كندا.
ثم دخل السيناتور إلى العربة وبدأت الخيول رحلة العودة إلى المنزل بعد أن كانت قد حل وثاقها وأطعمت خلال الفترة التي مكثوها في المنزل.
अज्ञात पृष्ठ