المرشد :
الآن ارتاح خاطري، هات الكتاب أيها الرسول لنرى ماذا يريد صديقنا الفاضل (يدفع إليه الكتاب فيقرؤه وكولومب ينظر إليه وإذ ينتهي يقول): آه ما أعذب راحتك يا صديقي جوان! إنك بعيد عن ضوضاء العالم، لا تقلق خاطرك مشاغل البشر التي تلقي على منكبي أحمالا ثقيلة، أنت تحت سماء الدير بمعزل عن معترك السياسة ولذلك تحسب كل شيء سهل المنال، لا تعلم أن الظروف تجعل المرء عبدا لها، ليتك تحضر وتشاهد بأم عينك قلق هذه المملكة لما كنت ترسل إلينا مثل هذا الرجل الذي تحدثه نفسه باكتشاف عالم جديد.
كولومب :
مولاي، لا بل أنا متأكد من ذلك وكأنني أرى الآن أمامي من وراء البحار الهائلة إخوتنا في الإنسانية الذين وقف بيننا وبينهم كرور الأيام والأعوام.
المرشد :
حقق الله آمالك يا ولدي، ولكن الأجدر بنا أن ندع أولئك الناس في وحدتهم؛ فخير لنا ألا نعرفهم لئلا نعلمهم من ضروب الشقاء ما لم يكن عندهم.
كولومب :
أتجهل يا سيدي أن هذا العالم الجديد مما يزيد مملكة إسبانيا قوة وبطشا وغنى وافرا وجاها طويلا عريضا؟
المرشد :
دعنا يا بني من هذه التعللات والأماني فما يتفيأ ظلال العلم الإسباني يكفيه، دعنا من العالم الجديد لئلا يزيد شراهة الملوك ويدفعهم إلى الحرب فلا تكسب الإنسانية غير ويل وشقاء، ألا ترى كيف أن الحرب مشمرة عن ساقها في بلاد الأندلس حتى جبلت تراب تلك الأرض بدماء البشر، وكم ذهب من النفوس في تلك المجزرة الهائلة التي سد أنينها مسامع الفضاء وعلا صراخ الضحايا إلى السبع الطباق؟
अज्ञात पृष्ठ