71

كن صحابيا

كن صحابيا

शैलियों

موقف أبي عبيدة بن الجراح ﵁ من عزل خالد ننتقل إلى موقف أبي عبيدة بن الجراح الذي عُين قائدًا بدلًا من خالد بن الوليد ﵁، ولنرى موقف الزعيم الجديد للشام، فقد أصبح رئيسًا لقطاع كبير من الدولة الإسلامية، فهو أمير الشام وما أدراك ما الشام؟ إنها من أغنى الولايات الإسلامية في ذلك الوقت بعد أن فُتحت، فعندما جاءه خطاب التعيين، ما الذي عمله مع هذا الخطاب المهم جدًا؟ هذا الخطاب الذي معظم سكان الأرض يتمنى سطرًا واحدًا منه، فإن الإنسان ليتمنى أن يكون أميرًا على شركة صغيرة أو على قطاع أو مصلحة، لكن ماذا كان حال أمير الشام؟ لقد كانت المفاجأة من أبي عبيدة بن الجراح أنه أخفى خطاب العزل لـ خالد بن الوليد، فهو لا يريد أن يكون زعيمًا، ولم يُعلم خالد بن الوليد بذلك، ثم أتاه خطابًا آخر من عمر بن الخطاب. لأن عمر بن الخطاب كان يعلم أن أبا عبيدة سيأخذ الخطاب ويخبئه ويرفض الإمارة، لكنه ﵁ خبأ الخطاب الثاني حتى انتهت المعركة بقيادة خالد، ووصل الخبر إلى خالد بن الوليد من طريق آخر، أي: أن هناك شخصًا آخر أخبر خالدًا بعزل عمر بن الخطاب له، وهو لم يكن يعرف بعد أن أبا عبيدة تم تعيينه أميرًا على الجيش، فذهب مسرعًا إلى أبي عبيدة ليلومه على ذلك، فقال أبو عبيدة لـ خالد بن الوليد: وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع. أي: ما ترى يا خالد من الملك والإمارة والسلطة سوف يذهب، وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله تعالى، سواء الحاكم والمحكوم، أو القائد والجندي، وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه لا دنياه، بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة. أي: فتنة الإمارة وفتنة الدنيا. ثم قال: وأوقعهما في الخطيئة، لما يعرض له من الهلكة، إلا من عصم الله ﷿، وقليل ما هم. أي: أن القليل جدًا من الأمراء الذين لا يقعون في الدنيا، فلماذا أطلب الإمارة إذا كانت خطرة على ديني، وسوف تصعّب عليّ امتحان الدنيا؟ مسكين فعلًا هذا الذي لا يفهم حقيقة الدنيا. ثم قام أبو عبيدة وخطب في جيش المسلمين يعظّم من أمر خالد فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة)، فلا يظن ظان أن خالدًا عُزل لنقص في دينه أو ضعف في رأيه، أبدًا، فالرسول ﷺ بنفسه مدحه وسماه: سيف الله. انظروا إلى عظمة أبي عبيدة بن الجراح عندما يقول هذا الكلام في هذا الموضع، يعظّم من القائد الذي عُزل وهو قد جُعل في مكانه، وليس أن يذكر سيئاته السابقة وأنه كان يعمل كذا وكذا، بل يعظم من أمر خالد وغير مسرور لتولي الإمارة، لماذا كل هذا؟ لأنه يعرف قيمة الدنيا، ولو أنه لم يعرفها لكان فرحًا جدًا بأنه قد أصبح أميرًا على الشام.

7 / 9