نشر العلم وبثه
الضابط الثالث: أن ينقل العلم إلى غيره؛ لأن العلم لا يقف عند المتعلم فقط، وإنما لا بد أن ينتقل هذا العلم من العالم إلى غيره، يقول معاذ بن جبل ﵁ وأرضاه: وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة.
ولو أن كل عالم سواء في العلوم الشرعية أو في علوم الحياة كتم علمه ولم ينقله إلى غيره لكانت كارثة على الأرض، ولسارت الأرض لا محالة ولا شك في ذلك إلى دمار وهلاك.
ولهذا لا يُطلق اسم (عالم) على شخص دون أن يكون معلمًا لغيره، فالعالم الحقيقي هو الذي يقضي حياته بين التعلم والتعليم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فلا بد أن يتعلم ويعلم غيره.
وانظر إلى كلام جابر بن عبد الله ﵄: إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فليظهره، أي: لو أن آخر هذه الأمة الذين جاءوا في القرن الثاني والثالث وحتى العشرين يلعنون أول هذه الأمة من الصحابة ومن جاء بعدهم، ويشوهوا التاريخ الإسلامي بصفة عامة، من كان عنده علم فليظهره، فالذي يعرف تصحيح هذه المعلومات لابد أن يتكلم ويعلم غيره، وليس له أن يحتفظ بهذه المعلومات في نفسه، وهو يعلم أن أول هذه الأمة رجال عظماء وفضلاء، فهذا شيء خطير جدًا في كتمان هذا العلم، ثم قال ﵁: فإن كاتم ذلك العلم ككاتم ما أُنزل على محمد ﷺ، أي: لو سمعت أحدًا يسب في الصحابة أو يلعن في هذا الجيل ولم تُظهر هذه المعلومة في الناس، فكأنك كتمت ما أُنزل على رسول الله، لأن الدين كله جاء عن طريقهم، وتخيل لو جاء أحدهم فطعن في عمر وفي أبي بكر وفي عثمان وكذا من الصحابة، فأين الدين الذي هو عندنا؟ وأين السنة التي أتتنا عن طريقهم؟ وأين القرآن الذي أتي إلينا نقلًا عن صحابة رسول الله ﷺ؟ إذًا فنقل العلم إلى الغير من أهم الضوابط، وليس صحيحًا أن يتعلم الإنسان العلم ويحتفظ به لنفسه، بل لا بد أن تسعى إلى تعليم الغير بأي علم تتعلمه، حتى وإن كانت آية واحدة فقط، يقول رسول الله ﷺ: (بلغوا عني ولو آية).
5 / 8