141

كن صحابيا

كن صحابيا

शैलियों

إتباع السيئة الحسنة من السمات الأساسية لتوبة الصحابة ﵃ السمة الرابعة: اتباع السيئة بالحسنة، أي: محاولة معادلة السيئة بحسنة بعدها، فيبطل أثر السيئ، وإلى هذا المعنى أشار رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. عن أبي ذر ﵁ وأرضاه قال: قال لي رسول الله ﷺ: (اتق الله حيثما كنت)، نصيحة في منتهى العظمة من رسول الله ﷺ إلى أبي ذر وإلى الأمة جميعًا، ثم قال: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس)، وكان هذا المعنى واضحًا جدًا في حياة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فبمجرد ما الإنسان يذنب ذنبًا يحاول أن يتبع الذنب بحسنة، بحيث يعادل هذه السيئة بالحسنة. وانظر الموقف الذي رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه قال: (جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها)، وفي رواية (أصبت منها قبلة)، يعني: أنه ارتكب معها شيئًا لا يستوجب الحد، فشعر الرجل أنه فعل جريمة كبيرة جدًا فقال للنبي: فهأنذا فاقضي في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، لكن الرجل من داخله يريد أن يتخلص من الذنب الذي عليه، قال راوي الحديث عبد الله بن مسعود: فلم يرد النبي ﷺ شيئًا، أي: لم يرد عليه النبي ﷺ بشيء، ولم يأت الوحي بعد في ذلك، فقام الرجل فانطلق، والرجل مهموم لم يعرف كيف يتخلص من الذنب، فأتبعه النبي ﷺ رجلًا ودعاه، أي: أمره بالرجوع إليه مرة أخرى، وتلا عليه آية تعالج مشكلته ومشكلة وموقف الذين يفعلون مثله، أو أي ذنب من الذنوب قال: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود:١١٤]، قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾ [هود:١١٤]، أي: أكثر من النوافل، وقوله: ﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود:١١٤]، أي: صل قيام الليل، ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود:١١٤]، فهذا شيء عظيم جدًا، فقال رجل من القوم. قيل أنه معاذ بن جبل ﵁ وأرضاه، (يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال: بل للناس كافة)، أي: لكل واحد يرتكب ذنبًا، فيبادر لعمل المعروف، حتى يكفر عنه ذنبه الذي عمله. وهذا كعب بن مالك ﵁ وأرضاه عندما تاب من أمر التخلف عن الجهاد في سبيل الله ﷿، ونزلت توبته بصريح القرآن، إلا أن كعب بن مالك ﵁ وأرضاه قال: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله، علامة على صدق التوبة الشديدة، فهو يريد أن يتخلص من المال الذي أقعده، ولكن رسول الله ﷺ قال له: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)، فقال كعب: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وتصدق بكل ماله عدا هذا السهم، وتخيل واحدًا دفع كل ماله من أجل أن يتخلص من ذنب واحد، إحساس عظيم جدًا؛ لأنه فعلًا يريد أن يتوب إلى الله ﷾. وأبو لبابة ﵁ وأرضاه عندما تاب الله عليه قال: يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر ديار قومي، وفي رواية: أهجر هذه الدار التي أصبت فيها الذنب وأساكنك، يعني: أنه سيترك المكان الذي كان يعيش فيه، وكان بعيدًا عن المدينة المنورة، ويأتي يعيش بجوار الرسول ﷺ في المدينة، وأيضًا شيء آخر وأني أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله، أي: سأتبرع بكل مالي في سبيل الله، لكن الرسول ﷺ الرحيم بأمته وبـ أبي لبابة، والعارف باحتياجات الحياة قال: (يجزئ عنك الثلث)، أي: يكفي أن تتبرع بثلث مالك فقط، وهذا بحد ذاته كثير جدًا، وهنا أقر الرسول ﷺ مبدأ التصدق لتكفير الذنوب، وفعل الخير بصفة عامة لمحو السيئات. وموقف آخر لـ عمر بن الخطاب ﵁ عندما وقف يجادل الرسول ﷺ في الحديبية، ونحن نعرف الجدال الطويل الذي دار بينه وبين الرسول في قضية صلح الحديبية، قال عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه: مازلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق خوفًا من الذي صنعته مع النبي ﷺ يومئذ، حتى رجوت أن يكون خيرًا، وفي رواية لـ ابن عباس ﵄ أن عمر بن الخطاب قال: لقد أعتقت بسبب ذلك رقابًا وصمت دهرًا، يعني: أنه عمل كثيرًا من الطاعات حتى يكفر عن ذنبه الذي عمله. والخلاصة: أن هذه

12 / 13